سواء دخلت الحرب في هدنة أو وقف مستدام للنار، أو تواصل أوارها، فإن سؤال "سديروت" إسرائيلياً، يبقى بالحقيقة هو سؤال الحرب برمتها، خاصة بعد فشل فريق نتنياهو وكابينيت حربه، في دفع المجتمع الفلسطيني إلى الانهيار.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- انتهت الحرب أو دخلت في شهرها الثامن، لا فرق بالنسبة إلى مستوطنة "سديروت" المقامة على تلة نجد الفلسطينية المهجرة، منذ عام 1951، لتصبح المستوطنة الإسرائيلية الأكبر في غلاف غزة، وقد سقط عليها أول صاروخ فلسطيني سنة 2001، وتعرضت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لأول هجوم بري فلسطيني، ولا تزال حتى اللحظة تتعرض للقصف الفلسطيني.
شمال غزة المقابل لـ "سديروت"، والذي نال قسطاً وافراً من الإبادة الجماعية، هو صاحب السبق الحصري في حصة "سديروت" من الصواريخ، رغم المجاعة التي فتكت بالشمال ولا تزال، ورغم الاحتلال المباشر لأراضي غزة المحاذية لبيت حانون، حيث التماس الأول بين أطراف غزة والمسافة الفاصلة مع "سديروت".
نسف الاحتلال الإسرائيلي معظم المباني في بيت حانون، وحوّلها إلى ما يشبه الأطلال، سواء بالقصف الجوي أو المدفعي، أو عبر التفخيخ الهائل بالديناميت، كما استحدث ساحات وميادين رخوة عبر جرافات الـD9 العملاقة، ليصبح استهداف "سديروت" ضرباً من المحال، ولكن هل تحقق ذلك؟ وماذا يعني فشل الاحتلال في ذلك مع دخول الحرب شهرها الثامن؟
سواء دخلت الحرب في هدنة أو وقف مستدام للنار، أو تواصل أوارها، فإن سؤال "سديروت" إسرائيلياً، يبقى بالحقيقة هو سؤال الحرب برمتها، خاصة بعد فشل فريق نتنياهو وكابينيت حربه، في دفع المجتمع الفلسطيني إلى الانهيار، بعد صموده المذهل خلف مقاومته الباسلة، كما في تحقيق أيّ من أهداف الحرب الكبرى؛ المتمثلة في تفكيك قوى المقاومة، والقضاء على حكم حماس، وإعادة الأسرى الإسرائيليين بالقوة.
سؤال الأمن في "سديروت" يقض مضاجع "جيش" الاحتلال على وجه الخصوص، لماذا؟
أولاً: "سديروت" قلب الاستيطان الجنوبي، وعنوان نجاحه، واستمرار قصفها بعد كل الجهود الجبارة التي بذلها العدوان، يعني تكريس واقع غياب الأمن سواء تواصلت الحرب أو هدأت.
ثانياً: تصاعد قصف "سديروت" في نهاية الشهر السابع للحرب، مقارنة بالشهور السابقة، بصمة ثقيلة في قدرات المقاومة بشتى تشكيلاتها العسكرية، خاصة ما يتعلق بالقصف الصاروخي متوسط المدى، وهو يتجاوز قذائف الهاون وصواريخ قصيرة المدى، بما يطرح أسئلة حول مخزون المقاومة الصاروخي الاستراتيجي.
ثالثاً: هذا القصف يعني بشكل مباشر تكريس حالة النزوح الداخلي للمستوطنين في حال استمرار الحرب تقابله، في حال وقفها، قوة ضغط مباشرة للمقاومة على صانع القرار السياسي والعسكري في "تل أبيب"، أن "سديروت" تحت رحمة المقاومة، من دون أن تضطر إلى الانتظار حتى إعادة ترميم قدراتها لاحقاً، بما يعني أن كل خروج على مخرجات الميدان، وما يتم الاتفاق عليه عبر الوسطاء، أو أيّ اعتداء طارئ، ثمنه أمن مدينة "سديروت" التي يراد لإعادة الاستقرار فيها الزعم بتحقيق هدف إسرائيلي بعد الحرب أو خلالها بطبيعة الحال، وهو ما لا يتوفر حتى الآن.
رابعاً: نجاح المقاومة في شل الحياة في "سديروت" حتى الآن، يبطل سؤال الهجوم على رفح، لو كان ثمة عقلاء في الكيان الإسرائيلي، خاصة أن رفح تقع أقصى الجنوب، وليس لها علاقة بصليات القصف الصاروخي لتجمعات المستوطنين، وخاصة "سديروت" التي تبعد عنها عشرات الكيلومترات، فلا رابط أمنياً مباشراً بين رفح وأمن المستوطنين في الغلاف.
خامساً: الهجوم الإسرائيلي على رفح، ولو ظل حتى اللحظة الراهنة تكتيكياً محدوداً، بحسب البيت الأبيض الأميركي، فإن تصاعد قصف "سديروت" بموازاته، يفضح حقيقة أهداف الحرب الإسرائيلية، التي تترك مدينة الاستيطان الكبرى جنوباً، عرضة للقصف، من شمال غزة، فيما هي تلاحق مليوناً ونصف مليون نازح فلسطيني في رفح، البعيدة عن مرابض هذا القصف.
سادساً: تصاعد قصف "سديروت" كمسبب لتواصل نزوح المستوطنين جنوباً، رغم كل الإغراءات المالية الهائلة لمن يترك فنادق "إيلات" ويعود، وهي خطة وصفها رئيس بلدية "سديروت" بالغبية والوهمية، بما يحمل رسالة كبيرة لنزوح المستوطنين في شمال فلسطين من "كريات شمونة والمطلة والمنارة"، ونحو ثلاثين تجمعاً استيطانياً، هرباً من قصف حزب الله، بأن الحرب ليست ضمانة العودة إلى المستوطنات في أقصى الشمال كما أقصى الجنوب، والدليل عجز "سديروت" أمام مقاومة محاصرة، فكيف تكون الحال مع مقاومة لبنانية غير محاصرة؟ وهو سؤال يحول جوابه دون تحفز الإسرائيلي للاندفاع نحو حرب مجنونة أخرى في الشمال، بما يؤدي تراكمياً لتقلص "دولة" الكيان نحو الوسط في "غوش دان".
سابعاً: أخيراً، فإن هذا القصف رغم طابعه الميداني التكتيكي، يحمل رؤية وثمرة استراتيجية، خاصة مع الإرث الثقيل الذي ترسخ في وعي المستوطنين مع عبور السابع من أكتوبر، والمعركة التي اندلعت لساعات في مراكز شرطة "سديروت"، واضطرار الإسرائيلي إلى تجريف مركز الشرطة المركزي فيها، ولم يكن فيه عندها سوى مقاتل فلسطيني واحد، بما خلّف جرحاً غائراً، تعيده عمليات القصف الصاروخي إلى الذاكرة كإبر إنعاش، ليس في تعزيز الانتقام الوحشي، ولكن على المستوى الأمني في تكريس حالة العجز، وهي حالة باتت أمراً واقعاً في كل الظروف مهما تقلبت.
صحراء مزهرة؛ هكذا أريد لـ "سديروت" أن تكون بحسب المعنى الحرفي للكلمة، فهل أزهرت في السابع من أكتوبر 2023 أم تحوّلت إلى مدينة أشباح، بل منذ 26 أكتوبر عام 2001؟ وحتى مع تجاوز عتبة اكتمال سبعة شهور من أفظع حرب منذ الحرب العالمية الثانية، هل أزهر شيء في "سديروت"، أم لا يزال رمل غزة يزحف نحو تلة نجد ليزهر في أطلالها بساتين من البرتقال والعنب والتين؟
انتهی/