يحاول العدو تعزيز صورة تفوّقه بالغارات الصهيونية على لبنان وسوريا، والغارات الأميركية البريطانية على اليمن، وتراجع في الموقف الرسمي العربي تحت وطأة الخوف من إدارة ترامب

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- تتعالى الأصوات التي تطالب المقاومة بتسليم سلاحها، والامتثال للطلبات الأميركية – الصهيونية بتسليم الأسرى ضمن صفقة أميركية تضمن من جهة إنقاذ حكومة نتنياهو التي تعتبر النسخة الصهيونية من إدارة ترامب، ومن جهة أخرى تمنح المعسكر الاستعماري "النصر النهائي" الذي فشل في تحقيقه على مدار أشهر الحرب الماضية.
تغلّف هذه الأصوات بغلاف الإنسانية الذي تعزّزه صور المجازر التي يرتكبها العدو في جميع أنحاء قطاع غزّة، والحديث عن الحصار الجائر المطبق على المواطنين منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي، والصمت العربي والدولي المطلق، وكأنّ ما يدور في غزّة ينتمي إلى كوكب آخر، وأخيراً قيام سلطة رام الله بتحريك خلاياها النائمة في قطاع غزّة للخروج بتظاهرات تطالب برحيل حماس (لا نعرف إلى أين) وتجيير هذه المسيرات لتمنح هذه الأصوات "الإنسانية" مشروعيّة من داخل قطاع غزّة نفسه.
يحاول العدو تعزيز صورة تفوّقه بالغارات الصهيونية على لبنان وسوريا، والغارات الأميركية البريطانية على اليمن، وتراجع في الموقف الرسمي العربي تحت وطأة الخوف من إدارة ترامب، والموقف الشعبي الذي عبّر عن تراجعه بتراجع في الفعّاليات الشعبية تحت وطأة الإحباط واليأس والقمع الرسمي.
الصورة التي يجمع عليها المستعمرون والنظام الرسمي العربي وبعض المثقّفين هي صورة هزيمة نهائية، على المقاومة الاعتراف بها والاستسلام لنتائجها حقناً لدم الأبرياء، وإنهاء لمجازر الاحتلال. لا يكلّف هؤلاء أنفسهم عناء الوقوف عند الجرائم التي يرتكبها العدو في الضفة الغربية، وقتله الأبرياء في سوريا بعد سقوط الدولة التي كانت جزءاً من محور المقاومة، وقصفه لبنان بعد اتفاق وقف إطلاق النار. هل تحمل حماس وزر كلّ هؤلاء؟ وإذا قبلنا هذا المنطق فهل يحقّ لنا التساؤل ماذا بعد؟ ما هو مصير مصالح الأمة وقضاياها بما فيها قضية الشعب الفلسطيني إذا استسلمت المقاومة وألقت سلاحها؟
منذ تأسيس الكيان الصهيوني بدعم استعماري واضح، كانت الاستراتيجية الرئيسية لبقائه هي الفجوة العسكرية والاقتصادية التي تضمن تفوّقه على محيطه العربي. لم تدّخر القوى الاستعمارية جهداً لتعظيم هذه الهوّة حتى أصبح الكيان بالنسبة لغالبية الدول والمواطنين العرب وحشاً مرعباً لا بدّ من تجنّبه واتقاء شرّه. حتى في المرات التي تجرّأت فيها بعض الدول أو حركات المقاومة على محاولة الاقتراب من حافة هذه الفجوة كما حصل في حرب تشرين 1973، أو ما فعلته منظّمة التحرير الفلسطينية قبل اجتياح 1982، بادرت القوى الاستعمارية إلى التدخّل بقوة لدعم الكيان والحفاظ على تفوّقه الإقليمي. المشهد نفسه يتكرّر منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى.
في السابع من أكتوبر وما تلاه من أحداث على جميع الجبهات، استطاع محور المقاومة فتح كوّة في الجدار الذي أحاط العدو نفسه به من خلال التفوّق العسكري والسياسي واستمرار الفشل الصهيوني في كسر إرادة المقاومين، تحوّلت الفتحة إلى جسر يمكن أن يعبر عليه الموقف العربي الرسمي والشعبي إلى موقع جديد في الصراع مع العدو. لم تكن مهمة المقاومة تحقيق النصر والتحرير النهائيّين، ولكن تحويل حلم النصر والتحرير إلى إمكانية قابلة للتحقّق، وهو ما فعلته باقتدار.
للأسف، وكما شاهدنا، تقاعس الموقفان الرسمي والشعبي، وتركت المقاومة وحيدة تقاتل الوحش الاستعماري. لم تتخاذل أو تتراجع، قدّمت خيرة شبابها وقادتها على طريق القدس. إذا كان ما حدث هزيمة، فهو هزيمة للجميع باستثناء المقاومة.
لن تنتهي الحرب باستسلام المقاومة، بل ستبدأ حرب جديدة عنوانها التأكّد من إحباط كلّ إمكانية لنضوج ظروف تسمح للأمّة باستعادة حقوقها وكرامتها في المستقبل. سيتغوّل المستعمرون أكثر على مقدّرات الأمة، وسيتدخّلون في كلّ تفاصيل الحياة داخل المجتمعات العربية؛ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. "جيش" العدو الذي يتحرّك من دون رادع على أرض سوريا وفي سمائها، لن يجد رادعاً إنّ هو قرّر التحرّك بأيّ اتجاه من بغداد وحتى القاهرة. سيتراجع أيّ مشروع وطني أمام مدّ القواعد العسكرية الاستعمارية التي تنتشر على الأراضي العربية، سنخسر الحاضر، ونصبح أمّة بلا مستقبل.
لم يبقَ للأمّة من جدار تحتمي خلفه سوى المقاومة بما تمثّله وما تفعله. المجال الوحيد الذي نتفوّق فيه على عدونا هو امتلاك إرادة المقاومة، لذلك فإنّ المطلوب وطنياً هو صمود المقاومة بكلّ ما لديها من سلاح ورجال ومهما كان الثمن لأنّها أمل الأمة وملجؤها. والمطلوب أيضاً أن نتوقّف عن لوم المقاومة وتقديم النصائح لها، والالتفات إلى مجتمعاتنا واتخاذ كلّ الإجراءات الداعمة للفعل المقاوم والمهدّدة لمصالح المستعمرين بما في ذلك إسقاط المشاريع الاستعمارية القائمة على الإلحاق والتطبيع مع العدو.
من يطالب بنزع سلاح المقاومة خائن لأمّته وقضيته، ومن يروّج للرواية الصهيونية – الاستعمارية خائن لأمّته وقضيته، من لا يملك سوى الكلمة فليجعلها دعماً للمقاومة وخياراتها، ومن يملك أكثر من ذلك فليتقدّم بجهده ومعرفته إلى ميدان المواجهة. أما رجال الله في الميدان فنقول لهم ما قاله يوماً الشاعر مظفّر النواب للصامدين في حصار بيروت: "والله لا يطاوعني قلبي... لكن أقول استشهد".
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
انتهی/