تتبدّل الإجابات على هذا التساؤل مع كلّ تحوّل جديد في السياسات الأميركية، يطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلاناً بسحب قواته، من شرق سورية وشمالها فيتعجّب المتابعون.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - يتردّد تارة أخرى فيشكك المنتقدون، يتدخل اركان ادارته بين داعٍ للتفكر ملياً بالانسحاب وبين رافض له وآخر مهلّل. فهل هناك انقسام فعلي في الإدارة الأميركية؟ وماذا تريد واشنطن من هذه السياسات؟ لم يسبق لقوة عظمى أن انسحبت من منطقة تحتلّها إلا تحت ضغط لم يعد يسمح لها بالبقاء، وهو في سورية، نجاح الحلف السوري ـ الروسي الإيراني وحزب الله من تحرير سبعين في المئة من سورية بما يشمل المدن الكبرى وعاصمة الدولة والسواحل البحرية.
هذا يعني سقوط مشروع إسقاط الدولة السورية او تفتيتها، خصوصاً من الجهة الغربية من الجولان السوري المحتل والكيان الإسرائيلي.
وبما أن هذا الهدف الأميركي ـ الإسرائيلي ـ الخليجي ولىّ إلى غير رجعة ولم يعد ممكناً بسبب موازنات القوى الجديدة، بات على واشنطن التعامل مع نتائجه وهما مسألتان مركزيتان: الأولى لجم الاندفاعة الروسية من سورية الى الإقليم المجاور والثانية، تقليص حجم الدولة السورية وسلبها من النفط والغاز، وتتحول من دونها الى دولة تقوم على الخدمات والترانزيت كلبنان.
لذلك كانت الخارطة الملوّنة التي كان المستشار الرئاسي بولتون يجول بها على تركيا والدول العربية وعصابات المعارضة و»إسرائيل».
تبدأ الخطة بضرورة إعادة سحب تركيا بشكل كامل الى المحور الأميركي، وهذا يعني بلغة السوق السياسية ضرورة ضرب العلاقة التركية ـ الروسية. فهذه هي الوحيدة التي تعيد تركيا الى الحظيرة وتلجم الاندفاعة الروسية، فكيف يكون ذلك.
بحث الأميركيون طويلاً عن عرض يُرضي مطامع أردوغان ويزعج الرئيس الروسي بوتين في آن معاً. وهو طرح «المنطقة الآمنة» عند الحدود السورية التركية لجهة الشمال، بطول 450 كيلومتراً وبمساحة تبلغ 14400 كيلومتر. تضاف إليها جهات ثلاثين ألف كيلومتر مربع أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مساحة لبنان.
بالمقابل، توافق تركيا على ما تبقى من خريطة بولتون الملونة، وتبدأ بمنطقة يسيطر عليها التحالف الدولي برعاية أميركية، ومن الممكن هنا وضع بضعة آلاف من قوات «وارسو» العربية مقابل جنوب المنطقة التركية الحدودية، على أن تليها قوات سورية الديموقراطية الكردية، حتى الحدود مع العراق، إلى جانب بعض بؤر «داعش» إذا تطلب السيناريو الأميركي وجودها.
ويحاول الأميركيون ضمن هذا السيناريو المحافظة على وجودهم في قاعدة التنف عند زاوية الحدود المشتركة بين الأردن وسورية والعراق. وإذا ما جوبهوا بمعارضة سورية قوية، فلن يمانعوا من إعادة قاعدة النتف بضعة كيلومترات الى الوراء ما بين الحدود الأردنية ـ العراقية، ويحافظون بذلك على وظيفتها بمراقبة الطرق بين سورية وكامل حدودها مع محافظة الأنبار، على أن يتولى الكرد مراقبة طرق سورية الى العراق من مناطقهم الجنوبية والشرقية.
ما هي تداعيات هذه الخطة الأميركية؟ او ماذا تريد واشنطن منها؟
الهدف الأول تصديع العلاقات الروسية ـ التركية، على قاعدة أن موسكو لن تقبل إلا بسيطرة جيش الدولة السورية على المنطقة الآمنة. وهذا ما سارع إلى إعلانه وزير خارجيتها لافروف الذي أكد على حق الدولة السورية بإدارة كامل أراضيها، خصوصاً في الحدود الشمالية، إلا أن الترك لاهثون وراء الاقتراح الأميركي، ومهللون لأنه يؤمن لهم 30 الف كيلومتر مربع من السيطرة على أراضٍ سورية بتغطية أميركية كاملة مدعومة هذه المرة من الحلف الأطلسي، وشهادة من الرئيس الفرنسي ماكرون الذي أدهش الجميع بتأكيده أن قوات بلاده الفرنسية باقية في سورية والعراق طيلة 2019 وحتى هزيمة «داعش».
يتبيّن أن خطة بولتون السحرية تريد ضرب العلاقات التركية ـ الروسية وإعادة جذب الكردي بسيناريو جديد يحول دون عودتهم الى إطار السيادة السورية، وإطالة أمد الأزمة السورية إلى أطول مدة ممكنة تمهيداً لبناء آليات عربية من الخليج ( الفارسي ) والأردن ومصر.
فهل تتدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة؟ ويقع الكرد في أخطاء أوهام جديدة قد تكون قاتلة هذه المرة؟ وماذا عن الدولة السورية؟
هناك عوامل قد تحدث انهيار العلاقات بين بوتين وأردوغان وتتعلق بعلاقات اقتصادية عميقة تقوم على خطوط غاز روسي ضخمة تحيي الاقتصاد التركي وبناء مفاعل نووي هو الأول من نوعه في تركيا وشراء منظومة دفاع جوي أس 400 بالإضافة الى استيراد وتصدير وسياح يضيفون مئة مليار دولار الى اقتصاد تركي منهك. مع الانتباه الى أن روسيا وتركيا تنسقان عسكرياً في البحر الأسود وبعد التراجع الأميركي. بما يفترض عدم توغل أنقرة بعيداً في استعداء موسكو، وهي المصدومة ايضاً من سياسات ترامب الهوائية، لذلك فقد تقبل نشر قوات عازلة ترضى عنها روسيا وتفصلها عن المشروع الأميركي.
كما أن هناك اجنحة كردية فتحت حواراً عميقاً مع القيادة السورية حول مستقبل شرق الفرات والشمال السوري بعد رحيل الأميركيين عنهما. لجهة الدولة السورية فليس لديها إلا استراتيجية واحدة تعمل عليها إنما بشكل تدريجي لانها تعلم مقدار القوى المتورطة في الأزمة السورية، لذلك تضع خططاً متنوعة تقوم على رفض أي تنازل عن أي أرض سورية مهما كانت قوة الدول التي تحتلها.
يبدو أن مرحلة التصدي للجموح التركي بدأت ما يستدعي تعميق حلف الدولة مع الكرد بالتعاون مع الروس والحلفاء لتشكيل بنيان عسكري رادع..
فهل يَسقط مشروع بولتون الملوّن؟ وتتراجع تركيا الى حدودها؟
هذا ما يشير إليه صمود الدولة السورية مع تحالفاتها ويكشف التراجع الأميركي الذي يحاول وقف تقلص دوره في كامل الشرق الأوسط انطلاقاً من الميدان السوري.
وفي ابراهيم / البناء
انتهى/