كيفية التعامل مع الظروف المواتية للتطرف والإرهاب

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۱۱۲۰۱
تأريخ النشر:  ۱۸:۵۵  - الأَحَد  ۲۳  ‫أبریل‬  ۲۰۱۷ 
بقلم: محمد جواد ظريف
نشرت صحيفة الرأي الكويتية مقالا بقلم وزير الخارجية الايراني
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- نشرت صحيفة الرأي الكويتية اليوم الأحد مقالا بقلم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف.

وفیما یلی نص المقال الذی نشره وزیر الخارجیة الایرانی في صحيفة الرأي الكويتية:

يجري الحديث كثيراً اليوم عن التحدي الهائل الذي يواجهه المجتمع الدولي والمتمثل بالإرهاب والتطرف، وعن مقاربات مكافحتهما واحتوائهما، على أمل القضاء عليهما.

وبغض النظر عن المكان الذي تقف فيه كل دولة من هذين التحديين التوأمين، وبغض النظر عن جوهر السياسة الرسمية لهذا البلد أو ذاك، فإن المجتمع الدولي بأسره يتقاسم قناعة مشتركة بأن هذه المشاكل تحتاج إلى معالجة عاجلة وبأنه يجب التخلص منها بأكبر قدر من الفعالية، وأشك في أن هناك أي تساؤل يطرحه أحد منا حول الحاجة الماسة لهذه المهمة الصعبة.

وبعيدا عن المجادلات التي لا تنتهي بين السياسيين، تبرز مشكلتا الإرهاب والتطرف، بوصفهما نتيجة طبيعية للفشل الجوهري في الوضع الدولي الراهن (والمستجد). وهذه الظاهرة لا تقتصر على أي جزء من العالم، وليست حكراً على دين واحد، كما أنه لا يمكن مكافحتها على الصعيد الإقليمي فقط أو من خلال الاعتماد الكبير على المعدات العسكرية.

بعد عقد ونصف العقد من الفشل الإجمالي في مكافحة الإرهاب خلال فترة ما بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر (2001)، فإن حقائق قبيحة على الأرض تدفعنا للنظر بعيون مفتوحة إلى هذه التحديات، من دون أوهام أو خداع للذات.

يجب أن يكون قد أصبح جلياً لدينا أن مواجهة ناجحة وفعالة لهاتين الظاهرتين السرطانيتين، تستدعيا اتباع نهج شامل واستراتيجية متعددة الجوانب تعتمد أولًا وقبل كل شيء، على فهم واع واعتراف بقدراتهما الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والظروف العالمية.

إن احتواء - وفي نهاية المطاف القضاء على - المنظمات الإرهابية المتطرفة على الأرض مطلوب بالتأكيد، ولكن ذلك يعتبر فقط كخطوة أولى ضرورية وكمكون من جهد هو أكبر بكثير. إن المشاكل ذات الطبيعة الدولية وذات الجذور العميقة تتطلب فهماً صحيحا وتعاونا عالميا حقيقيا في مواجهتها.

تفكيك بُني الافتراضات

للحد من المفاهيم الخاطئة ومحاولات التشويه وكثرة توجيه أصابع الاتهام نحو المواضع الخاطئة، وللوصول الى الظروف الاجتماعية والعالمية الحقيقية، لا بد من كشف زيف الافتراضات الخاطئة. ويبدو أن الالتفات الرسمي والسائد نحو الإرهاب والتطرف، سواء في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر، يظهر كمادة صمم تخصيصاً للاستهلاك المحلي، أو كمنطق لخطوط سياسية وإجراءات معينة. في هذه الحالة، فإنه ليس من المستغرب أن نسمع مستشار الأمن القومي لدولة إقليمية ذات أهمية ـ على سبيل المثال ـ يقول «سوف يدمر المتطرفون والقوات السورية بعضهما البعض في ساحات القتال في سورية». هذا الخط في التفكير والسياسة يفسر إلى حد ما لماذا وصل الوضع إلى المأزق الحالي. إن وجهات النظر قصيرة المدى للوضع المعقد ـ ناهيك عن انتهاج سياسات لخدمة مصالح ذاتية قصيرة الأمد ـ محكوم عليها بالفشل. وكما يرى الجميع، هذا ما حصل بطبيعة الحال، وليس فقط في سورية.

هناك أسطورة ثانية يجب فضحها. فمن السهل بالنسبة لنا في غرب آسيا إلقاء اللوم على الغرب كمتهم نهائي في مشاكلنا. لا يوجد نقص تاريخي هنا. الظلال الطويلة والذكريات المؤلمة والمستمرة، والمؤدية إلى الانقسام، والتراث المصنوع من «الخطوط المرسومة في الرمال» خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، لا يزال يتردد صداها في كثير من الدول ولا تزال تقض مضاجع كثير من المجتمعات في غرب آسيا.

في الوقت ذاته، فقد كان أكثر ملاءمة للغرب أن يقوم بإلقاء اللوم علينا - المسلمين في منطقة غرب آسيا - بغض النظر عن الاختلاف الموجود والخلافات وحتى النزاعات والصراعات. وربما كان التحول الأسهل للجميع هو توجيه أصابع الاتهام في كلا الاتجاهين، وفي داخل المنطقة. ولكن هذا غير دقيق وغير مفيد، ولاسيما أن عالمنا أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

الأسطورة الثالثة التي يجب تبيانها هي ما يُفترض من وجود علاقة مباشرة بين الديكتاتورية والتطرف، والتأكيد البديهي المتكرر أن الديموقراطيات لا تحار ببعضها البعض. ومع أن ذلك ينطوي علي اجتزاء للحقيقة، إلا أن الحالة الفعلية التي نواجهها اليوم هي أكثر تعقيدًا مما يمكن التعبير عنه، وهي تتحدى التفسيرات المريحة. عندما نرى أن أفراداً متعلمين ممن ولدوا في الغرب والذين ترعرعوا في كنف الديموقراطية،في المجتمعات الغربية الغنية، والذين يتحدثون اللغة الفرنسية أو الإنكليزية كلغة أم، ولكنهم يلوحون بقطع رؤوس الأبرياء من البشر في سورية والعراق على شاشات التلفزيون وعلى شبكة الإنترنت؛ عندها لا يمكن لأحد البحث عن ملجأ فيتصور سيناريوهات مبسطة والمشاركة في ألعاب اللوم الصحيحة سياسياً. الأطفال الذين تربوا في بيئات ديموقراطية يقتلون جيرانهم، فضلاً عن بعضهم البعض. ببساطة أضحى من غير المقنع إلقاء اللوم عن هذه الفظائع الدموية على ديانة معينة، أو بشكل حصري على نظام تعليمي أو حتى سياسي في أي مجتمع غرب آسيوي.

شروط التمكين

العالمية والداخلية والإقليمية

إن الحالة التي نجد أنفسنا فيها، بمستوى قبحها الفعلي، هي أشد خطورة من لعبة تقاذف المسؤولية بين بعضنا البعض. والحقيقة هي أنه في حين يمكننا الاعتراف بأن هناك الكثير من اللوم، فنحن بحاجة إلى الإقلاع عن عادة رمي الكرة دائماً في ملعب الجانب الآخر. إذا ما كنا على استعداد للبحث الصادق في ذواتنا، فإننا سنبدأ بطرح تساؤلات بسيطة لكنها خطيرة، مثلاً: ما الذي يصنع متطرفاً من شاب ولد ونشأ في فرنسا، أو بشكل مشابه، في أي من المجتمعات الأوروبية أو في أميركا الشمالية؟ حتى بقدر مماثل لشاب ولد ونشأ في أفغانستان أو سورية، أو اليمن أو ليبيا أو السعودية، أو في أي مكان آخر في منطقتنا؟ يجب علينا جميعاً أن نبدأ بالنظر إلى التطرف كمأزق مشترك ومشكلة إشاعة، وليست محصورة في منطقة محددة أو عرق، أو دين، أو مذهب.

نقص الأمل

بالنظر إلى بعض الشروط المواتية، فإن الأمل - أو في الواقع انعدام الأمل - هو أمر محوري في المعادلة. وهذا هو بالضبط ما يحدث عندما تثق بالحقائق الثابتة الافتراضات المتجانسة مزحزحة المشكلة موضوع البحث على صعيد المنطقة والمجتمع، متقدما كان أم ناميا، غربيا أو شرقيا، مسلما أو غيرذلك.

الحقيقة القائمة على نطاق واسع، وليس مجرد تكهنات نظرية أو حتى تحليل أكاديمي، هي أن القاسم المشترك الذي يربط جميع المتورطين بعنف متطرف هو أنهم يشعرون، وينظرون إلى أنفسهم كفئة مهمشة في مجتمعاتهم، وحتى على الصعيد العالمي.

وهم يعتقدون أنه ليس لديهم أي أمل في مستقبل أفضل. فهم لا يرون إمكانية فعلية وممكنة لتحقيق ذات منتجة في بيئة اجتماعية ملائمة ومواتية إنسانيا - سواء في المجتمعات الغربية التي أصبحت أشد انطواء وأكثر كراهية للأجانب، أو في المنطقة التي تعاني من قبضة التخلف وانعدام الاحتمالات لحكومة تمثيلية. إن موجة المشاعر القومية التي ظهرت في صناديق الاقتراع في السنوات الأخيرة من أوروبا وحتى أميركا قد لا تعكس، للأسف، سوى المزيد من اليأس الموصوف. ولكن في المنطقة، وحتي مع الاعتراف بوجود اختلافات كبيرة بين مختلف الدول على الأساليب العملية للانتخابات باعتبارها شكلا من أشكال التمثيل الشعبي، يمكن التسليم بسهولة أنه في عدد قليل جداً من الدول الواقعة غرب آسيا لدى عامة الناس إمكانية للتنفيس عن إحباطهم من خلال صناديق الاقتراع، أو من خلال صندوق أو حتى عبر أي آلية آخرى لا وجود لها في العديد من البلدان الأخرى في المنطقة.

التهميش والإقصاء والازدراء

في الدول الغربية التي تجري فيها العملية الانتخابية بشكل جيد عموما، المشكلة تأخذ اتجاها آخر أكثر تفاقما وخطرا. عندما تجد شريحة من السكان المهمشين بشكل ممنهج نفسها في الطرف الخاسر من اللعبة الاقتصادية والأسوأ من ذلك، ترى معتقداتها وقيمها ومقدساتها مستهدفة بشكل منتظم، لا يجب أن يكون مفاجئاً أن يتوجه البعض منهم، مهما كانوا أقلية صغيرة، إلى وسيلة أخرى غير الاحتجاج السلمي. وكما قال سياسي أوروبي ذات مرة: «في الغرب، إذا هاجمت السود، فأنت عنصري، وإذا هاجمت اليهود، فأنت معادٍ للسامية. ولكنك إذا هاجمت المسلمين، فأنت تمارس حريتك في التعبير». إنه أمر مثير للسخرية، ولكنه انعكاس صريح لحالة حقيقية تنطوي علي إشكالية: الهجوم المباشر على وجود وهوية السكان المستهدفين أو المجتمع المستهدف. في مثل هذه الحالة من المحتوم أن يُخلق استياء وغضب لا علاقة لهما بأي منظومة اعتقادية.

الدراسات والمراجع الحالية والغنية في مجال التحليل الاجتماعي بالإضافة إلى الخلاصات المدروسة جيدا في العديد من دراسات الحالة في المجتمعات المختلفة، بما في ذلك حالة معينة من الاضطرابات الاجتماعية في فرنسا قبل بضع سنوات، يعطينا صورة مقلقة لواقع التهميش والإقصاء الاجتماعي والثقافي والسياسي. وبالتالي مهمتنا هي تحقيق الفوز في سباق بين اليأس وإلهاب شعلة الأمل.

وكلما تعمقنا أكثر، كلما ذكرنا بوجود مجموعة غامضة من العوامل الفاعلة. بعض الذين ارتكبوا أسوأ الأعمال الوحشية باسم الإسلام لم يتبعوا تعاليم الإسلام حتى. فمن الغريب أن الشخص الذي دخل بقالة الكوشر (اليهودية) في باريس وبدأ بإطلاق النار على الناس عشوائيا كان بصحبة عشيقته - وعلاقته بها ليست بالضبط علاقة يمارسها رجل مسلم ناهيك عن متعصب. في نيس الفرنسية - حيث قامت شاحنة بدهس الرجال والنساء والأطفال - ارتكب هذا الاعتداء شخص كان معروفا بارتياده لحانات باستمرار. شُرب الكحول هو أيضا غير متوافق، كما يعرف معظم الناس، مع تعاليم الإسلام. لذلك، ما نواجهه هو مشكلة اجتماعية وثقافية، وليس فقط ظاهرة دينية.

إنها ظاهرة اجتماعية ناتجة عن حالة عميقة من الحرمان والإقصاء والتهميش في بيئة غنية ومتقدمة، بيئة عمليا لا توفر الأمن والاحترام والمشاركة والأمل للأفراد والجماعات والمجتمعات المحرومة. لا يمكننا التقليل من شأن أهمية مسألة الهوية - والتغاضي عن العواقب القبيحة وغير المقبولة متى ما وأينما ظهرت على شكل كدمات. هذا واحد من الشروط التي لا بد من التصدي لها ومعالجتها.

التدخل ونزعات الهيمنة

قضية أخرى للدراسة هي مشكلة مزمنة وقديمة وهي الغزو والاحتلال الأجنبي، وما جلبا في أعقابهما. القضية الأكثر إلحاحا هي حالة احتلال فلسطين لسبعين عاما تقريبا. وقد تفاقمت أكثر بسبب التدخلات السياسية والعسكرية المنتظمة من قبل الولايات المتحدة للحفاظ على ـ وتكريس وخلق ـ ما تريده من ترتيب وهندسة إقليمية منشودة و«نظام عالمي جديد».

وعندما أعلن الرئيس جورج بوش ظهور «نظام عالمي جديد» في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، استند إلى الوهم بأن الولايات المتحدة قد فازت في الحرب الباردة، بينما الواقع هو أن الاتحاد السوفياتي انهار نتيجة لظروف داخلية بشكل كبير. في عالم لا معني للعبة صفرية المجموع، الغرب لم يفز في الحرب الباردة، ولكن السوفيات خسروا بكل بساطة. إلا أن الوهم خلق عقلية وزخما دفع لاحقا إلي محاولة إضفاء الطابع المؤسساتي على الاحتلال المتصور من خلال الاشتباكات العسكرية المتكررة - التي حصلت مرة واحدة تقريباً في السنة في عهد الرئيسين بوش (الأب) والرئيس كلينتون، وليس فقط في عهد جورج بوش الابن. وقد نسي البعض العمليات السنوية تقريبا والرئيسية في العراق خلال التسعينات، وغزو الصومال، والهجوم على ليبيا وكوسوفو، وأماكن أخرى في أوروبا خلال العقد الأول للحرب الباردة. وكلها تعكس رغبة الولايات المتحدة في استخدام القوة العسكرية المتفوقة لإضفاء الطابع المؤسساتي الموقت على النظام العالمي المهزوز.

وصل هذا النمط من لجوء الولايات المتحدة إلى القوة العسكرية إلى ذروة جديدة معقد وما لمحافظين الجدد إلى واشنطن في 2001. مأساة حادث 11 سبتمبر، عجلت في غزو واسع النطاق لأفغانستان واحتلالها، وفي وقت لاحق في غزو واحتلال العراق. بالمناسبة، دمرت هاتان المغامرتان العسكريتان الأميركيتان، اثنين من أعداء إيران اللدودين: الطالبان في شرق البلاد والنظام البعثي في الغرب، ولكن بالنسبة لنا، والحكم عليها من منظور المدى الطويل وعلى صعيد المنطقة، فقد اُعتبرت تلك التدخلات رهانات سياسية مكلفة وكارثية ستؤدي حتما إلى عدم استقرار سيهدد جميعا لأطراف الفاعلة وصاحبة الحضور المشروع في المنطقة.

في فبراير 2003، قبل وقت قصير من الغزو الأميركي للعراق، وأثناء عملي كسفير وممثل دائم لإيران لدى الأمم المتحدة، ذكرت أمام مجلس الأمن: «نظرا لحالة المجتمع العراقي والمنطقة بأسرها، هناك الكثير من الأوراق غير المتوقعة، ولا يمكن لأي طرف أن يضعها مسبقا في حساباته بأي درجة من اليقين. ولكن هناك نتيجة واحدة هي شبه مؤكدة: التطرف يستفيد بشكل كبير من مغامرة غير مدروسة في العراق».

ووافقني عدد كبير من الزملاء في المنطقة على تلك الإدانة، رغم قلة من كانوا على استعداد لقول ذلك علنا. لم تلزمنا عبقرية للتفكير على هذا النحو. فحساب بسيط يعكس الحقائق الأساسية للفعل ورد الفعل في منطقتنا.

بات من الواضح الآن تماما أن هذين الرهانين الفاشلين شكلا جذور الأوضاع المأسوية الجارية التي نشهدها اليوم في أفغانستان والعراق وسورية. بعد 15 عاماً على غزو أفغانستان، هل هي أكثر أمنا اليوم مما كانت عليه في العام 2001؟ وبغض النظر عن الشعور بالرضا حيال رؤية هزيمة طالبان، تظل الحقيقة أن روح الشعب الأفغاني المجروحة والشعور العميق بالحقد ما زال يؤرق المجتمع الأفغاني الذي مزقته الحرب. استمرار حالة انعدام الأمن والصراعات الداخلية، والتي تزداد تفاقما بسبب أمور أخري بما فيها عدم وجود استثمار جاد في الاقتصاد الأفغاني، أدى إلى ازدهار اقتصاد المخدرات. وكانت النتيجة الصافية لغزو أجنبي هو استمرار العنف المستشري ونشاط إرهابي من دون رادع، بالإضافة إلى تجارة المخدرات التي لا تضاهى، موفرة الكثير من الهيرويين للعالم، الأمر الذي نتحمل نحن الإيرانيين عبء مواجهته.

المغامرة العسكرية في العراق أدت إلى سلسلة من الأحداث والأوضاع المستعصية التي تجتاح المناطق المجاورة الآن: ظهور وهجوم الجماعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة ودوامة غير مسبوقة وعديمة الرحمة من العنف الوحشي. أمثلة عديدة تبرز هنا من الأعمال الإرهابية الانتحارية في السنوات الأخيرة، بمافي ذلك الهجمات التي يشنها عناصر لا تتجاوز أعمارهم الـ 14 عاما، وهي تشير إلى غضب عميق الجذور بين الجماهير إزاء الاحتلال الأجنبي المحتقر. انها ليست مجرد مسألة التلقين الإيديولوجي وغسل الدماغ لمجموعة معزولة من المتعصبين. إنها حملة منظمة وممولة جدا حيث تستخدم أحدث أنظمة الاتصالات وتقنيات غسل الدماغ المتقدمة من أجل تجنيد وتدريب جحافل الانتحاريين المتحمسين. وما يسمى «عامل الجذب لدى الجماعات الإرهابية» هو في الواقع مربك ومحير. كما أنه يتحدى فهمنا المشترك للعالم الحديث.

وقد كتب العديد من المحللين عن الشعور العميق بالعجز والحقد الذي يعود أولا إلى القضية الفلسطينية التي لا تزال غير محلولة وفي الآونة الأخيرة إلى الاحتلال للأراضي العربية والإسلامية الأخرى. لذلك، فإننا نحصد ما زرعه الآخرون في هذه الأراضي التي تعاني على المدى الطويل عواقب تلك «الخطوط المرسومة على الرمال» قبل قرن من الزمن.

من المهم أن نستخرج استنتاجا أوسع من المغامرات العسكرية المشؤومة في منطقتنا. بكل بساطة، إن عصر الهيمنة قد ولى. فالتطورات العالمية في عصر ما بعد الحرب الباردة، لاسيما تعدد الجهات الفاعلة على الساحة العالمية، جعلت من المستحيل لأي قوة عالمية واحدة - مهما كانت مزاياها غير متكافئة من ناحية القوة العسكرية والاقتصادية والفكرية - أن تكون بمثابة قوة مهيمنة.

مجرد حقيقة أن الجهات الفاعلة غير الحكومية أصبحت مهمة ومحددة للجهات الأمنية، هي أحد الأسباب التي تسهم في زوال الهيمنة. وقد كلفت هذه النزعات بين عامي 1990 و2005 تريليونات من الدولارات لدافعي الضرائب الأميركيين كما كلف الجميع الكثير من الحزن والبؤس والموت. استمروا في تلقي خسائر فادحة في منطقتنا وخارجها في شكل من أشكال العنف المتطرف. ومن المؤمل أن القومية الموضوعة في غير محلها سوف لا تحاول إحياء هذه الاتجاهات الوخيمة مهما كانت أصداؤها الشعبية المبسطة جذابة ومغرية لجمهور الناخبين.

لا بد لجميع الأطراف الإقليمية أن تعترف وتقدّر أن الأمر نفسه ينطبق على نزعات الهيمنة الإقليمية. هذا هو الحال في منطقة غرب آسيا، التي تدفع بالفعل ثمنا باهظا بسبب طموحات الهيمنة العالمية بشكل خاص. ومن المتوقع أن قوى إقليمية أخرى تنضم لإيران في قبول هذه الصفة المميزة الأساسية لعصرنا.

المكونات الداخلية

لفهم ما حدث ويحدث على أرض الواقع في المجتمعات الواقعة في قبضة الصراع والعنف، من المؤكد أن التركيز على العوامل الخارجية فقط أو الاعتماد على نظريات المؤامرة هو أمر مضلل. يجب أن تكون الحقائق الجلية - والممكن ملاحظتها بوضوح - كافية في جميع الأنحاء: إنّ تمزق المجتمعات النامية بفعل الغزو والاحتلال، وعمليات التنمية التي تعاني من وضع حرج، فضلا عن تفشي وتفاقم الفقر مع كل عواقبه السلبية على النسيج الاجتماعي، بما في ذلك البطالة على نطاق واسع والآفاق القاتمة لمستقبل جيد ومعقول، تشير كلها إلى بيئة اجتماعية غير صحية وهي بمثابة أرض خصبة مؤاتية لجميع أنواع العلل الاجتماعية وتصاعد العنف السياسي المغذى من تلقاء ذاته.

فشل الدولة

إن أهم المكونات الداخلية للفسيفساء المعقدة أمامنا هو فشل منظومة الدولة في الاستجابة لطلب الجماهير الأساسي من أجل تحقيق الكرامة. وتظل الحقيقة القائمة هي أن بعضا من أسوأ الانتحاريين جاءوا من المجتمعات الأكثر ثراء في غرب آسيا، والبعض الآخر من العائلات الميسورة.

القصة الكاملة لمرتكبي حادث 11 سبتمبر باتت معروفة؛ 15 من أصل 19 أتوا من المملكة العربية السعودية، 2 من الإمارات العربية المتحدة، واحد فقط من مصر وآخر من لبنان. لذلك، فهنا لا يظهر أن الفقر والحرمان يختصران كل شيء.

ثم يصبح السؤال، لماذا أن الناس القادمين من خلفية ثرية يتحولون إلى نوع من السلوك «غير العقلاني» الذي يناسب المجرم المتهور؟ ووفقا للمحللين الذين يحاولون تفسير الزيادة غير المسبوقة في العنف والتي على ما يبدو لا معنى لها في هذا الجزء من العالم، فإن السبب الأساسي يكمن في الفشل التاريخي لمنظومة الدولة في التصدي ـ والاستجابة الفعالة ـ لتطلعات الشعب الأساسية.

ليس من الصعب فهم المنطق الكامن في ثورة الجماهير المحرومة ضد أجهزة الدولة غير الخاضعة للمساءلة وغير الفعالة بشكل عام في غرب آسيا، ثورة ضد منظومة الدولة بأكملها وعدم قدرتها على تلبية احتياجات وتطلعات السكان الأساسية. ويمكن بالتأكيد فهم - وتحليل - عدم قدرة وإحباط العالم الإسلامي لناحية تسوية الوضع الفلسطيني. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط. الكثير يمكن أن يقال ويكتب عن العيوب والنقائص المؤسساتية في هذه المجتمعات والتي تجسد المأزق الحالي. ولكن هذه القضايا ليست موضوع بحثنا هنا، إلا بقدر ما تؤثر على مشكلتي التطرف والإرهاب.

استراتيجية الإلهاء

إنّ إحباط جيل الشباب الذي يتمّ استخدامه بمهارة من قبل الديماغوجيين المتطرّفين ومموّليهم للوصول إلى العنف العبثي والهمجي ـ ولو كان موقتاً ـ ضدّ الأبرياء، موجّه حتماً ضدّ الأسس التي تقوم عليها دول المنطقة. ولذلك فإن محاولة نفي الخطر الوجودي الداخلي من خلال حرف الغضب تجاه الأعداء الخارجيين المختلقين محاولة مضلِّلة بشكل خطير.

وكما تقدّم، فإنّ بعض الحكومات في المنطقة قد خلقت المجموعات المتطرفة وسلّحتها وموّلتها، منها «داعش» والنصرة، مستخدمةً إياها في حروب بالوكالة في سورية والعراق دول أخرى. ومع أن هذه السذاجة الوهمية قد تسببت بمقتل مئات الآلاف، إلاأنها لم ولن تؤدي إلى النتيجة «المبتغاة» من «قتل السوريين والمتطرفين بعضهما لبعض في المعارك السورية».

في المقابل، تمّ خلقُ الوحوش الذين لا يكتفون بإراقة الدماء فحسب وإنما ينشرون مشاهد وحشيتهم لاستقطاب المزيد من المجنّدين. وقد صبّوا جامّ غضبهم على من أطعمهم وكبّرهم.

أيديولوجية الإقصاء

بعيدا عن أجهزة الدولة الفاشلة والمهمِلة واللامسؤولة، ومحاولاتها الرامية إلي حرف اهتمامها، ثمّة أيضاً عامل شبه أيديولوجي قائم على التفرقة والانقسام والكره وإنكار الآخر وعدم تقبّله. إلا أنّ هذا الفكر لا صلة له مطلقاً برسالة الإسلام الأصيلة والحقيقية كما جاء بها القرآن والسنة النبوية. ولكن للأسف، يوجد في المجتمع الإسلامي فكر قائم عل «التكفير» أو الرفض، وهو مخالف تماماً للتعاليم القرآنية الأساسية.

فالمجموعات التكفيرية ومنها القاعدة وطالبان و«داعش» والنصرة وحفنة من المجموعات الصغيرة والجديدة، يتمّ تمويلها بسخاء وبشكل كامل من مصادر البترودولار المعروفة. ولقد تمّ ذلك عبر شبكة عالمية من المساجد والمدارس الدينية سواء في المجتمعات الإسلامية أو في الدول الأخرى. إنّ هكذا ترويج للكره قد تمّ بيعه على نطاق عالمي وتحديداً للولايات المتحدة وحلفائها على مدى حوالى أربعة عقود من الزمن على أنه الإسلام «المعتدل» لمواجهة إيران «المتطرفة». وبذلك لم تتقبّله الولايات المتحدة وحلفاؤها في الدول الغربية فحسب، بل حفّزته وقامت بحمايته أيضاً.

ولكن التضليل التكفيري للإسلام لقي رواجا في دول غرب آسيا وخارجها نتيجةً لتجذّر الكره المنتشر بسبب المغامرات الأميركية الممتدة في أفغانستان والعراق، إضافةً إلى الإحباط المهيمن بسبب الأزمات المحلّية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وفي هذا السياق حوّل الديماغوجيون هذا الفهم الخاطئ للإسلام إلى جماعة منظمة جيّداً من المجموعات والقوى المختلفة - والتي بعضها يتمتّع بقدرات عسكرية لافتة، فضلاً عن الاعتماد على بقايا البعثيين في العراق - والشبكات المتوسعة التي تجنّد المهمّشين من الأقليّات المسلمة في دول الغرب.

ولـّد النمط المستمر من دورة الفعل وردّ الفعل إحساساً بوجود التهديد المباشر والمحتوم على أي مجتمع متطور أو ديموقراطي يفترض أن يكون محصّناً من ظاهرة كهذه. ولهذا السبب ـ والكيفية - فإنّ المشكلة المتفاقمة التي اُعتبرت وثيقة الصلة بمساحة ومنطقة وثقافة معيّنة، قد فرضت نفسها في المحفل الدولي على أنها مصدر تهديد عالمي فعّال عمليّاً يمتدّ من شرق آسيا إلى غربها وإلى شمال أفريقيا وأوروبا وحتى إلى أميركا الشمالية.

العامل الإقليمي

ثمّة بالتأكيد مكوّن إقليمي للعنف المتطرّف المنتشر حالياً، وخصوصاً في العراق وسورية. فسقوط صدّام حسين ونشأة الحكومة العراقية المنتخبة من الشعب ولّد مخاوف لدى بعض دول المنطقة حول اختلال التوازن في غرب آسيا لمصلحة إيران، وهذا ما يجب أن يتغيّر مهما كلّف الثمن، على الأقل بمنظور همهم. فتنظيم القاعدة في العراق، بقيادة الزرقاوي، ومن خلال زواجه المدبّر مع بقايا قادة حزب البعث، بقيادة عزّت ابراهيم الدوري، نشر عدم الاستقرار والعنف في عراق ما بعد صدّام حسين، وظهر لاحقاً على هيئة «داعش» وغيرها من المجموعات المشابهة لها.

لا يمكن تجاهل الدعم الإقليمي لهذه القوى من قبل الحلفاء المفترضين في الغرب. وقد تحوّل القلق في ما بعد إلى رعب بعد سقوط بعض الحكومات «الصديقة» في شمال أفريقيا وثورة اليمن. أما الأحداث التي تلتف تخطت العراق وأتت بالبؤس وإراقة الدماء إلى البحرين وسورية واليمن، ومن المقدّر لها أن تصل إلى أفغانستان ووسط آسيا. فسلسلة الفعل وردّ الفعل، بالإضافة إلى الأحداث والأقوال الأخرى - بغض النظر عن من المتسبب والمبتدئ أو من المذنب فيها - قد عادت بالفائدة على الإرهابيين المتطرفين، وهي تشكّل خطراً يتمثّل بالتصعيد والمواجهة.

البحث عن حلول صلبة

إنّ مجرّد وجود التهديد وطبيعته التي تبدو متصلّبة، كما هي الحال في العراق وسورية، قد أدّى إلى وعي جماعي متزايد في العالم، رغم كونه مختلف الدرجات، فضلا عن تزايد في التوافق الدولي على الحاجة الملحّة لمواجهة هذه الظاهرة وهذا التهديد. وإيران، التي هي نفسها أيضاً ضحية هذا الإرهاب منذ أول أيام الثورة، تؤمن بوجوب الرد الإقليمي والدولي الحاسم والشامل والمشترك على هذا الخطر وظروف نشأته. إن مبادرة «الحوار بين الحضارات»،التي اقترحتها إيران عام 1998 (قبل أحداث 11 سبتمبر وقبل انتشار أي فكرة عن «صراع الحضارات»)، ومبادرة «عالم ضدّ العنف والتطرف» التي اقترحها الرئيس حسن روحاني عام 2013، واللتين صادقت عليهما الجمعية العامة في الأمم المتحدة، تشخّصان بدقّة الظروف الاجتماعية والثقافية والعالمية المؤاتية التي ساهمت في نشأة العنف المتطرف وانتشاره. أما نجاحهما فيعتمد على تفاعل جميع الأطراف على الصعيدين الإقليمي والدولي.

أما في ما يخصّ المكوّن الإقليمي، فإنّ عدوان صدّام حسين على إيران في سبتمبر العام 1980 والحرب الباهظة الثمن التي طالت مدّة ثماني سنوات، قد علّمت الجميع في منطقة الخليج الفارسي الدرس الثابت أنهم يجب ألّا ينجرّوا إلى أي صراع عسكري آخر. وقد أملت إيران، على ما يبدو بلا جدوى، أن يتعلّم جيرانها من آثار الحرب الإيرانية - العراقية، أنّ الوحش الذي خلقوه لتدمير عدوّ مصطنع انتهى بهم إلى كابوس يؤرقهم. وقد أثبتت الحرب أيضاً ضرورة ترتيبات وآليات الأمن الإقليمي، الأمر الذي نصّت عليه الفقرة الثامنة من قرار مجلس الأمن في الأمم المتحدة رقم 598 الذي أنهى الحرب الإيرانية - العراقية. وما زال هذا القرار قابلاً للتطبيق في مجال تعزيز التعاون الأمني على مستوى المنطقة. وفيما يجب إضعاف هذه القوى مثل داعش وفروعها بشكل فعال وهزيمتها، فإنّ إعادة السلم والأمن إلى منطقة غرب آسيا وتحديداً منطقة الخليج الفارسي تتوقّف على تعزيز مجموعة من المبادئ المشتركة للفهم المتبادل والتعاون الإقليمي الأمني المشترك.

يعلمنا التاريخ - والأمثلة القوية من المناطق الأخرى، تحديداً في أوروبا وجنوب شرقي آسيا - أنّ دول المنطقة بحاجة إلى اجتثاث الحالة الراهنة المتمثلة في الانقسام والتوتر، والتوجّه نحو خلق آلية عمل متواضعة ـ ولكن واقعية ـ تبدأ من منتدى حوار إقليمي. ويجب أن يقوم هذا المنتدى على مبادئ معترف بها بشكل عام وأهداف مشتركة، وبخاصة احترام السيادة والتكامل الإقليمي والاستقلال السياسي لجميع الدول، وتقديس الحدود الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والحل السلمي للنزاعات، وعدم مشروعية التهديدات أو استخدام القوّة، وتعزيز السلم والاستقرار والتطور والازدهار في المنطقة.

ومن شأن منتدى كهذا المساهمة في تعزيز الفهم والتفاعل على مستوى الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والتوصل إلى الاتفاق على نطاق واسع من المواضيع التي تتضمّن إجراءات بناء الثقة والأمن، ومكافحة الإرهاب والتطرف والنزعات الطائفية، وضمان حرية الملاحة وتدفق البترول وغيره من الموارد، وحماية البيئة.

ومنتدى الحوار الإقليمي قد يطوّر أيضاً بشكل تلقائي المزيد من اتفاقيات عدم الاعتداء والاتفاقيات الأمنية الرسمية. وفي حين يجب أن يرتبط هذا الحوار بأصحاب المصالح الإقليميين، يجب استخدام إطارات العمل المؤسسية للحوار وخصوصاً على مستوى الأمم المتحدة. ودور الأمم المتحدة الإقليمي، المذكور مسبقاً في قرار مجلس الأمن رقم 598، من شأنه أن يساهم في تخفيف التوتر والقلق، وخصوصاً لدى الدول الأصغر، ويزوّد المجتمع الدولي بضمانات وآليات لحماية مصالحه الشرعية وربط أي حوار إقليمي بالمواضيع التي تتخطى حدود المنطقة بشكل متكامل.

التعديل المعرفي

إنّ الخوض في أساسيات الحالات الفعلية المختلفة في منطقة غرب آسيا - سواء على سبيل المثال في سورية أو في اليمن - بما في ذلك لماذا وكيف تطورت كل حالة إلى ما هي عليها لآن، هو خارج نطاق هذا المقال.

ومع ذلك، فإن ليس من الصعب فهم الأسباب والعوامل والسياسات التي ساهمت في تطوير وظهور هذه الحالات المأسوية. وكما قال أحد السياسيين الأميركيين ذات مرة: «للجميع آراؤهم الخاصة ولكن لا يحق لهم إيجاد حقائق خاصة بهم». فالحقائق في هذه المعادلة غير قابلة للجدل، وقد حان الوقت للجميع أن يتفقوا على الحقائق قبل محاولة التصدي للمشكلة.

مع الاستفادة من تجاربنا السابقة والنظر إلى الوضع العالمي الأوسع نطاقا، فإن من الضروري أن ندرك تماما الفرق بين وجهتي نظر متعارضتين في المقاربة بين الأزمات الإقليمية والدولية: عقلية اللعبة الصفرية المجموع zero-sum تأتي مقابل نهج المعادلة غير الصفرية non-zero-sum. وفي عالم معولم خضع كل شيء فيه للعولمة بدءاً من البيئة وانتهاء بالأمن، فإنه يكاد يكون من المستحيل إنجاز شيء على حساب الآخرين. إن مقاربات المجموع الصفري تؤدي إلى نتائج سلبية المحصلة. وفي عبارات أبسط، فالخيار الأوضح يكون بين سيناريو «الخسارة للجانبين» و«الربح للجانبين». فلا وجود لحل وسط.

ونتيجة لذلك، فلا حل عسكريا للصراعات في العراق وسورية واليمن والبحرين. وأؤكد هذا الأمر بشدة. فهي تحتاج إلى حل سياسي يستند إلى نهج ذا محصلة إيجابية، بحيث لا يتم استبعاد أي ممثل حقيقي - بصرف النظر عن أولئك الذين يقومون بأعمال العنف المتطرف - من العملية، أو يتم تهميشه في النتيجة. للأسف، هذا الأمر يبدو أسهل قولاً من أن يتم تطبيقه أو الاعتقاد به على أرض الواقع. ولكن يمكن للمرء اللجوء إلى الحكمة المأثورة: «حيث هنا كإرادة، هنا كوسيلة».

إن التطورات الإيجابية الأخيرة في لبنان في انتخاب رئيس جديد بعد عامين من المناورات السياسية المريرة، وفي «أوبك» حيث وضع جميع الأطراف خلافاتهم جانبا للتوصل إلى حل ينفع الجميع - بحيث تم تجنب نتيجة كارثية - تعكس درسا سياسيا بسيطا ومهما: لقد تخلت الأطراف المعنية عن توقعاتها المتطرفة ذات المجموع الصفري في سبيل التوصل إلى تسوية فعلية. عند النظر في حالات أخرى لا سيما سورية واليمن، يمكن للمرء أن يحذو حذو اللبنانيين ويأمل أن تكون عملية سياسية من ذاك النوع - أي عملية الأخذ والعطاء وعملية تتطلب التنازلات والتسويات - يمكن الاعتماد عليها لوضع نهاية للمآسي الحالية. وخير البر عاجله.

ورغم الصعوبات التي تنطوي عليها كل أزمة، توجد دائماً احتمالات الاستكشاف والتوصل إلى نتيجة مقبولة لجميع الأطراف المعنية في نهاية المطاف. بشكل أكثر وضوحاً، توجد دائماً وسيلة للوصول إلى الجواب الإيجابي: ولكن للقيام بذلك، لا بد من إعادة فحص المشكلة من أجل تحديد حقيقتها. حينما يتم تشخيص المشكلة من منظور المعادلة غير الصفرية، فإنه يكون قد تم اتخاذ أهم خطوة نحو حل المشكلة. لذلك فإن طبيعة التحدي بشكل مبدئي وقبل كل شيء تكون معرفية في الطبيعة والجوهر. فحالما تستعد الجهات المعنية لوضع ميولها جانبا والتفكير بطريقة مختلفة، ستتبعها السياسات والإجراءات.


المصدر:  صحيفة "الراي" الكويتية

انتهی/

رأیکم