هل تستطيع "إسرائيل الجديدة" تمويه قيم الغرب مجدَّداً؟

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۹۶۷۸
تأريخ النشر:  ۱۶:۲۱  - الثلاثاء  ۳۱  ‫دیسمبر‬  ۲۰۲۴ 
هل يمكن أن تتقاطع الحركة، التي تحاول السيطرة على الفضاء العام في "إسرائيل"، مع الدول الغربية وما تحاول تقديمه وتصويره للعالم، وما تمثله من تقدم علمي لا حدود له؟!

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباءيمكن إدراج العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، في إطار العلاقات العضوية، لا الآلية، التي تحدث عنها الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي، إميل دوركهايم، إذ إن من الصعوبة الفكاك بين هذه الكيانات السياسية، نظراً إلى حجم تداخل المصالح وتشابكها. 

ومن نافلة القول أن مسؤولي "إسرائيل" لا يفوّتون فرصة من أجل تأكيد هذه العلاقة ووضعها في إطار أوسع، وهو "الأرضية الحضارية المشتركة". وضمن هذا السياق، وليس آخره، كان خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس، خلال حرب الإبادة في غزة. 

في ذلك الخطاب المستهجَن، من حيث الزمان والمكان والمضمون، شدّد نتنياهو على أن انتصار "إسرائيل" سيكون أيضاً انتصاراً للولايات المتحدة، و"كي تنتصر قوى الحضارة يجب أن تبقى الولايات المتحدة وإسرائيل متحدتَين". وأضاف أن ما يحدث في الشرق الأوسط من تطورات "ليس صراع حضارات، وإنما صراع بين الهمجية والحضارة".

لكن، هل كلام نتنياهو يتوافق مع واقع "إسرائيل"، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، والذي تسيطر عليه الحركة الصهيونية الدينية، بفروعها وتفرعاتها؟

ما نحن في صدده، في هذا المقال، هو التركيز على شريحة بعينها ـ ضمن هذه البوتقة ـ وهي "الحردلية"، كتيار آخذ في التغلغل والتوسع. والحردلية مصطلح مشتقّ من كلمتين: الحريدي (أي المتزمت دينياً) والليئومي (أي الصهيوني القومي، الذي ينشغل بالسيادة اليهودية السياسية على "أرض إسرائيل"). 

يعرّف الباحث الرئيس في المركز الفلسطيني للدارسات الإسرائيلية، الدكتور وليد حباس، تيار الحردلية بالقول "إنه يقع في المنطقة بين تيار المتزمتين الدينيين، أو الحريديم (الذين يتقاطعون مع الحردليين في هويتيهم الدينية والثقافية) وتيار الصهيونية الدينية، ذي الأيديولوجيا اليمينية الاستيطانية (الذي يتقاطع مع الحردلية في الهوية السياسية، بصورة كبيرة، وفي الهوية الدينية، بصورة نسبية". 

وسؤال المستقبل هو: هل يمكن أن تتقاطع هذه الحركة، التي تحاول السيطرة على الفضاء العام في "إسرائيل"، مع الدول الغربية وما تحاول تقديمه وتصويره للعالم، وما تمثله من تقدم علمي لا حدود له؟!
سياسياً وعسكرياً

بدايةً، يرى عالِم الاجتماع الإسرائيلي، جدعون أران، أن الحردلية هي الانتقال من "الصهيونية الدينية" إلى "الدينية الصهيونية". أمّا الترجمة الفعلية لهذا الكلام، في أرض الواقع، فهي أن أي قرارات تتخذها الأحزاب السياسية المحسوبة على الحردلية يجب أن تدعم فتاوى دينية تجعل الممارسات السياسية "فريضةً دينية"، لا مكان للتساهل معها.

ولأن الحردليين يؤمنون بفكرة السيادة اليهودية على "أرض إسرائيل" الكاملة، فهم يسعون للمشاركة الفعّالة في الحياة السياسية الإسرائيلية، عبر الانخراط في مؤسسات "الدولة" و"احتلالها" من الداخل. والمؤسسة العسكرية ليست استثناءً، فالانضواء في جيش الاحتلال يعني بالضرورة المحافَظة على "السيادة اليهودية" على "أرض إسرائيل"، والتي تُعَدّ، بالنسبة إليهم، إحدى الفرائض الدينية، التي يعني التخلي عنها أن العقاب الإلهي، من وجهة نظرهم، آتٍ لا محال. 

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن حدود أي نقاش سياسي لا تتعدى ما يؤمن به هؤلاء، ويعني أن زمن تفكيك المستوطنات الإسرائيلية ولّى، ومعه ذهبت القرارات الدولية أدارج الرياح، وإلا فإن "العصيان العسكري" سيكون سمةَ المرحلة المقبلة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ لا عودة إلى الوراء. وعليه، فإن غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان في دائرة الخطر. 

من أجل تقريب الصورة أكثر، من يمثل الحردليين اليوم؟ بتسلئيل سموترتش وحزبه "تكوما".

يُعَدّ وزير المالية سموترتش من أبرز السياسيين، الذين ينتمون إلى هذا التيار، الذي بدأت ملامحه الأولى تتشكّل في سبعينيات القرن الماضي. هذا الوزير، الذي لا يوفر فرصة أو حدثاً إلا ويدعو إلى محو قرى فلسطينية عن بكرة أبيها، فقط ليتمكن من استكمال مشروعه الحردليين الاستيطاني الإحلالي. ورأيناه يقول، من دون مواربة، إن "حدود أورشليم تمتد إلى دمشق". 
ثقافياً

يقول الدكتور وليد حباس: "هم أقرب إلى السلفية في محاكاتهم حياة اليهود القدماء، يحيث إنهم يفضّلون الانغلاق الثقافي، الذي يجنّبهم إثم الانخراط والتأثر بالحياة ذات الطابع الأوروبي الحداثي. وبالتالي، يرفضون الانفتاح على القيم الليبرالية، مثل المساواة واحترام التعددية والمفهوم الحديث للديمقراطية". 

من هنا، بدأ ظهور تيار من الفنانين الحردليين، الذين يرفضون التشبه بـ"الأغيار"، بصرف النظر إن كانوا يتبعون العالم الشرقي أو العالم الغربي، وبالتالي يسعون للتشبّث بهويتهم اليهودية، بحيث يكون كتاب التوراة المرجع لأي إنتاج فني. 
اجتماعياً

أول إرهاصات هذا التيار وأفكاره بدأ مع إصدار الحاخام الرئيس لمستوطنة كيشت، في الجولان السوري المحتل، شلومو أفنير، فتوى مثيرة للجدل: لقد نادى بعدم جواز الاختلاط بين الشبان والشابات في حركة الشبيبة الصهيونية. وفي ذلك، تضاد مع قيم المساواة الليبرالية، التي لا يزال يتمسك بها البعض في "إسرائيل". فكانت الفتوى بداية الافتراق، ثقافياً واجتماعياً، عن تيار الصهيونية الدينية وولادة الحردلية.

وهنا، نذكر، على سبيل المثال، ما تنص عليه كتيبات إرشادات الحشمة لدى الحردليين، بحيث يجب على النساء أن يُطِلْنَ أكمامهن حتى المعصم، ويجب أن تصل "تنّورة" إحداهنّ إلى الكاحلين، إن لم يكن إلى الرصيف (من مقال حمل عنوان " مجموعة متعصبة بشكل خاص من المجتمع الصهيوني الديني في إسرائيل آخذة في النمو. وهذا ما يعنيه ذلك!"، "هآرتس"، 13 تموز/يوليو 2024).

يجنح الحردليون، وهم طلاب توراة في الأساس، إلى الحياة البسيطة والتقشف، تشبّهاً باليهود القدامى. هم أقرب إلى حياة القدس (أكبر تجمع لهم) من الحياة في "تل أبيب". وينزع أصحاب معدلات الولادة المرتفعة إلى المهن المتواضعة، كالتعليم والتربية، ذات المداخيل المحدودة (بحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء لعام 2022، فإن الأُسر "المتدينة للغاية" تتكون من 4.8 أشخاص في المتوسط، وهو رقم أعلى كثيراً من الأُسر الدينية العادية، 3.8، والعلمانية، (3.2.

ما ذكرناه ليس إلا نقيضاً للصورة التي تحاول "إسرائيل" ترويجها لدى الغرب، وهي حياة الانفتاح والرفاهية، مع الإشارة إلى أن أحد معتقدات هؤلاء هو ضرورة إفناء المسيحية في فلسطين المحتلة (المصدر: البصق على المسيحيين عادة يهودية فاقمتها "الحردلية"، "عرب 48"). 
علمياً

بخلاف الحريديم، تعلُّمُ التوراة، بالنسبة إلى الحردليين، لا يتطلب التفرغ الكامل. لذلك، قد نراهم يذهبون إلى الجامعة، ولكن لن نراهم يتسكعون في قسم العلوم الإنسانية، على حد تعبير الصحافي الإسرائيلي، داني بار أون.

ومن الأمور اللافتة، يحرم حاخامات التيار الحردلي مد شبكة الإنترنت داخل المنازل. 

وخير دليل على المستوى العلمي لهذه الفئة تصريحُ بتسلئيل سموترتش، الذي قال، لدى تعيينه على رأس وزارة المالية، رداً على سؤال بشأن رؤيته المستقبلية لإدارة ميزانية الدولة: "كلما طبقنا التوراة بحرفيتها، وطورنا يهوديتنا، منّ الله علينا بالخير والوفرة".

ما نسبة الحردليين داخل الصهيونية الدينية؟

بحسب استطلاع للرأي، أجراه مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، في نيسان/أبريل الفائت، هناك ارتفاع حاد خلال العقد الماضي في نسبة المتدينين، الذين يطلقون على أنفسهم اسم "الحردلي". لقد أصبحوا يمثّلون 28% من جمهور الصهيونية الدينية، بعد أن كانوا لا يمثلون أكثر من 12% في عام 2014 ("هآرتس"، المصدر نفسه).

أي ثقل للحردليين في المجتمع الإسرائيلي؟ 

من الصعوبة معرفة الثقل الحقيقي لهم، إلا أن تأثيرهم يمكن تلمسه من خلال تصريحات المسؤولين والمستوطنين والإعلام وغير ذلك. فما هو مؤكد أن هذا التيار يسعى للتغلغل داخل التنظيمات والمدن من دون إعطاء قدر كبير من الاهتمام للإطار الذين يتوارون بين ثناياه. فهم، كما يحلو لهم تسمية أنفسهم بـ"التوراتيين القوميين"، هدفهم التأثير وتنفيذ ما وعدهم به إلههم الخاص. 

فأيّ موقف للغرب "العلماني الحداثي الليبرالي" من هذه الشريحة الآخذة في الاتساع؟ 

الأعوام المقبلة كفيلة بإعطائنا الأجوبة!
انتهی/

الكلمات الرئيسة
رأیکم