حتى اللحظة ولوقت ليس بالقصير، ستبقى سوريا داخل الإشتباك رغم التحولات الجذرية المنتظرة بنتيجة معارك الأحياء الشرقية في مدينة حلب والتي سيتبعها بالتأكيد معارك لاحقة تهدف الى توسيع نطاق الأمان حول المدينة، وهو أمر اكثر من مؤكد وباتت كل الأطراف الإقليمية والدولية تعترف بتداعياته ونتائجه رغم عدم تسليمها بشكل نهائي بحتمية انتصار الدولة السورية والرغبة باستمرار الحرب، وهو ما يتبدّى بشكل واضح من خلال رفع الرئيس الأميركي باراك اوباما القيود عن ارسال الأسلحة الى حلفاء اميركا بمواجهة الإرهاب كما قال.
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- وان كان اوباما لا يعتبر الدولة السورية شريكًا في مكافحة الإرهاب، فهو بالتأكيد يعتبرها الإرهاب وهو امر لا تخفيه اميركا وستعمل بكل جهد لمنع الدولة السورية من تحقيق الإنتصار الناجز والنهائي حيث لا يزال هناك الكثير من العمل بإنتظار الجيش السوري وعلى امتدادات واسعة من الجغرافيا السورية.
إنّ رفع القيود عن توريد السلاح "للمعارضة المعتدلة" كما تسميها اميركا لن يؤثر بشكل مباشر على معركة حلب واريافها، ولكنه سيعزز وضع بعض الجماعات في المرحلة المقبلة وسيعرض الأسلحة التي سترسلها اميركا الى "جماعاتها المعتدلة" للوقوع في ايدي جبهة النصرة وجماعات اخرى كما حصل سابقًا مع اسلحة حركة حزم وغيرها.
وحتى لو تضمنت الأسلحة صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف كما يُشاع، فإنها لن تؤثر في عمل الطائرات الروسية والسورية إلّا بقدر محدود، وهو امر تقني بحت ليس مجال بحثنا الحالي وسنتعرض له لاحقًا ضمن بحث خاص.
يدرك باراك اوباما ان التأثير في معركة حلب بات من الماضي، ولكنه يُدرك ايضًا ان اميركا قادرة على التأثير في معارك المنطقة الشرقية وربما في الجبهة الجنوبية ايضًا، وعليه فإنه بالشراكة مع تركيا التي يبدو انها سحبت يدها بما يرتبط بمسلحي حلب، ان كانت الفرصة مؤاتية لكل من اميركا وتركيا للتأثير في المواجهة الشاملة المستمرة وخصوصًا بما يرتبط بمدينتي الباب وتدمر، وهذا ما يفسر تزامن انطلاق المعركتين حيث توجد اهداف مشتركة لكل من اميركا وتركيا في ابقاء ضغطهما قائمًا للحصول على مكتسبات ومصالح ترتبط بكل منهما.
بعد النتائج التي وصلت اليها معارك الأحياء الشرقية لمدينة حلب، تدرك تركيا اكثر من غيرها ان الأمل الوحيد لها في حفظ مكان ضمن التسوية المرتقبة يتمثل في تفعيل العمليات العسكرية على جبهة مدينة الباب، وهو امر ان حصل سيكون تحديًا مباشرًا لروسيا وتخطيًا للخطوط الحمراء المرسومة إلّا اذا كان هناك تفاهم تركي – روسي حول بعض التفاصيل المرتبطة بمعركة حلب ونتائجها، خصوصًا ان تركيا اعلنت ان تواجد قواتها في سوريا يرتبط بمكافحة الإرهاب ولا يتعداه الى اي أمر آخر.
التصريحات التركية قد تكون خداعًا ومناورات تعودنا عليها في السياسة التركية التي يعتبر الكثير من مسؤوليها انهم يخسرون خسارة مزدوجة في الموصل وحلب وانه عليهم ان يسعوا باتجاه التعويض عن هاتين الخسارتين بما يضمن لتركيا مصالحها، وهذا ما سيأخذنا ربما الى سيناريو مشابه لما حصل في مدينة جرابلس حيث سينسحب تنظيم داعش امام قوات "درع الفرات" المدعومة من تركيا.
في تدمر يبدو الأمر مرتبطًا بمسألتين، الأولى تتعلق بالسيطرة على مزيد من حقول الغاز بنتيجة الخسارات المتتابعة لتنظيم داعش في العراق والثانية ترتبط بكسر دفاعات الجيش السوري وحلفائه حول مدينة تدمر، واستعادة السيطرة عليها بما تشكله المدينة من مفتاح اساسي في معركة المنطقة الشرقية وتحديدًا معركة الرقة، وهو يرتبط برغبات اميركا في منع الجيش السوري من التأثير في هذه المعركة وهي رغبة تتقاطع مع الرغبة التركية ايضًا.
ولأن الجيش السوري يبدو غير مستعد لخوض معركة المنطقة الشرقية حاليًا، وهو امر تعرفه اميركا وتركيا، يبدو تحريك معركة الباب ومعركة تدمر مرتبطًا بأوامر اميركية - تركية ومحاولة التأثير في معارك ارياف حلب اللاحقة من خلال سحب الجيش السوري لبعض قواته في حلب وزجها بالقرب من مدينتي الباب وتدمر.
ان ما يحصل وسيحصل لن يكون عاملًا دائمًا بنتائجه لمصلحة اميركا وتركيا ولكنه سيؤثر بالتأكيد على سير المعارك، رغم قناعتي ان ما ستحققه معارك حلب من نتائج سيتجاوز بكثير ما يمكن ان تجنيه تركيا واميركا، حيث سيكون الجيش السوري بعد فترة لا تتجاوز الشهر قادرًا على تحريك عديد بشري كبير على اية جبهات محتملة سيتأمن من احتياطي قوات حلب والقوات التي كانت ترابط في مناطق حصلت فيها تسويات كبيرة في الغوطة الغربية وقدسيا والهامة والتل، اضافة الى جهوزية الفيلق الخامس – اقتحام قريبًا وهي كلها عوامل ستشكل عوامل ايجابية لمصلحة الجيش السوري يؤهله لخوض معارك كبرى وشاملة في ادلب ومعارك تثبيت وتقدم بطيء في الجبهتين الشرقية والجنوبية.
* عمر معربوني - بيروت برس