طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - انقسم اجتماع الاتحاد البرلماني العربي الـ29 الذي استضافه البرلمان الاردني يومي الاحد والاثنين الماضيين، حسب مصادر خاصة في الكواليس وقبل صدور البيان الختامي، الى محورين: الاول بقيادة السعودية والامارات ومصر ومعهم البحرين ويطالب بنص يعتمد في مسالة التطبيع والاتصال مع "اسرائيل" على مقررات الجامعة العربية.
والفريق الثاني بالتعاون ما بين لبنان والاردن يحظر التطبيع على المستوى الشعبي.
ما هي تفاصيل الخلاف العربي؟
بحسب ما نقلته وسائل إعلام أردنية، فقد كانت البداية عندما تقدم الوفد البرلماني الإماراتي، خلال جلسة مناقشة البيان الختامي للمؤتمر، بورقة تلاها رئيس البرلمان المصري علي عبد العال، طالب فيها بمراجعة صياغة البند الثالث عشر للمؤتمر، المتعلق برفض التطبيع مع "إسرائيل"، ليدعم المطلب فوراً رئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله آل الشيخ، في حين اشتعل الخلاف وارتفعت الأصوات الرافضة للمقترح الثلاثي.
اذ تمسَّك عاطف الطراونة، رئيس مجلس النواب الأردني ورئيس الاتحاد البرلماني العربي، بنصِّ بندِ وقف التطبيع مع "إسرائيل" الوارد في مسودة البيان الختامي، مهاجماً فكرة تغيير البند، ومشدداً على أن "الشعوب العربية ترفض التقارب والتطبيع مع "إسرائيل"، وهو قرار للبرلمانيين العرب الذين يمثلون إرادة الشعوب". ووسط التصفيق الحار من قِبل رؤساء الوفود البرلمانية العربية الأخرى، أبرزها الفلسطيني والسوري واللبناني، رفض الطراونة المقترح المصري-السعودي-الإماراتي، مؤكداً أن البند سيبقى كما هو دون مسٍّ أو تغيير.
من جهته،اعتبر عضو مجلس النواب الأردني، نقيب المحامين الأسبق "صالح العرموطي"، أن المؤتمر التاسع والعشرون للاتحاد البرلماني العربي، الذي حمل عنوان "القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين" لم يرق إلى مستوى الحدث وما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
وتساءل العرموطي "إذا أراد المؤتمر أن يوقف التطبيع فلماذا لم يرد في بيانه الختامي إشارة لطرد السفراء الإسرائيليين من الدول العربية التي لديها سفراء من "إسرائيل"؟.
وأضاف العرموطي "لا يوجد خطاب قوي.. لا يوجد خطاب يرتقي إلى ثقافة المقاومة.. لا توجد إدانة للدول التي أقامت علاقات مع العدو الصهيوني.. لا يوجد طرد للسفراء الإسرائيليين في الدول العربية التي لديها سفراء مع إسرائيل".
وأكد النائب الاردني: "من يطالب وقف أشكال التطبيع عليه أن يوقف اتفاقية الغاز وناقل البحرين والاتفاقيات التي عقدت مع العدو الصهيوني سواء في الأردن أو مصر أو في دول الخليج (الفارسي) الآن".
وبحسب "الأناضول"، لم يتضح شكل الصيغة التي اقترحتها الدول الثلاث، لكن الورقة التي تلاها عبد العال دعت إلى إعادة صياغة البند بما يتماشى مع قرارات الجامعة العربية، إلا أن مصادر أردنية قالت إن الدول الثلاث طالبت صراحة بـ "حصر البند بوقف تطبيع الشعوب مع المحتل الإسرائيلي دون الحكومات". فيما دعا رئيس مجلس الشورى السعودي آل الشيخ إلى إزالة هذه التوصية باعتبارها صيغت بشكل دبلوماسي، وقال إن هذا الموضوع من مسؤولية السياسيين وليس البرلمانيين، على حد تعبيره. وفي نهاية الجدل بقيت الفقرة كما هي، ونجح الأردن في تثبيت البند الذي يدعو إلى وقف التطبيع مع "إسرائيل" وجميع أشكال التقارب معها.
وهاجم رئيس البرلمان الكويتي، مرزوق الغانم، التطبيع مع "إسرائيل" بقوة، معتبراً أن بلاده الكويت ترفض مجرد الحديث أو التسويق لتطبيع العرب مع إسرائيل، معتبراً أنه في "خانة الحرام السياسي". وقال الغانم إنه "يدعو وبكل وضوح، إلى تأكيد أن يكون في البيان الختامي للمؤتمر رفض للتطبيع". وتابع: "مجرد الحديث عنه والتسويق لهذا الموضوع يجب أن نصنفه نحن، كممثلي الشعوب، في خانة الحرام السياسي والممنوع الأخلاقي".
غضب واسع من موقف السعودية وحلفائها
واستنكرت الأوساط البرلمانية والشخصيات السياسية العربية موقف السعودية من التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، خلال اجتماع البرلمانات العربية. وأجمعت ردود الفعل على أن رفض الوفد السعودي لمقترح وفد الكويت بإدخال فقرة في البيان الختامي ترفض وتُحرّم التطبيع يُعَدُّ سابقة خطيرة وخيانة علنية لثوابت العرب والمسلمين والتزامهم حيال الشعب الفلسطيني.
كما استنكر سياسيون فلسطينيون الموقف المصري والإماراتي المساند للسعودية، لاسيما اعتراضهم على مقترح رئيس البرلمانِ اللبناني نبيه برّي بادخال فقرة "القدس عاصمة فلسطين" بدلا من القدس الشرقية.
سياسيون ومحللون أغضبهم الموقف الرسمي لبعض الدول العربية من التمسك بالتطبيع، ووصفوا موقف السعودية ومصر والإمارات بأنه "مخزٍ وكارثة سياسية خطيرة"، مؤكدين أن دفاع تلك الدول عن التطبيع بهذا الشكل يكشف وجهها الحقيقي، وأن التطبيع بالنسبة لها بات سلاحها الوحيد للتقرب من"إسرائيل".
واعتبر القيادي في حركة "حماس"، حسن يوسف، أن أي دعوة عربية لتطبيع علني أو سري مع "إسرائيل" تعد "خيانة وطنية" لها نتائج سياسية كارثية على القضية والمشروع الوطني الفلسطيني.
ويوضح يوسف أن أي علاقات عربية أو إسلامية مع دولة الاحتلال، في ظل جرائمه التي يرتكبها بشكل يومي بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، يعد بمنزلة "الطعنة في ظهور الفلسطينيين الذين يقدمون الشهداء والتضحيات لإنهاء هذا الاحتلال، والدفاع عن شرف الأمتين العربية والإسلامية".
ويلفت القيادي في حركة "حماس" إلى أن حرص بعض الدول العربية على أن يبقى التطبيع مع دولة الاحتلال قائماً دون مساس أو تحريم، يعد ضوءاً أخضر للتقرب من كيان الاحتلال وإقامة العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية معه بصورة علنية بعد مغادرة المرحلة السرية.
وذكر أن "تبني تلك الدول لمبدأ التطبيع رغم كل مخاطره على الفلسطينيين وحتى الشعوب العربية والإسلامية، يعطي كذلك ضوءاً أخضر للاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في جرائمه واعتداءاته، ويساعد في أن تتوغل دولة الاحتلال في المنطقة العربية بمخططاتها الخبيثة التي تستهدف الجميع".
ويضيف يوسف: "هذا الموقف عكس فعلياً التوجه العربي الجديد والحقيقي تجاه دولة الاحتلال، وقد فضح مدى لهاث تلك الدول خلف إرضاء "إسرائيل" والارتماء في حضنها الدافئ، وذلك حفاظاً على كراسيهم ومناصبهم السياسية، التي يبيعون كل شيء من أجلها حتى إن كانت القضية الفلسطينية".
وحذر كذلك من تماشي باقي الدول العربية والإسلامية مع مواقف الدول المطبعة وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، مؤكداً أن ما يجري في الساحة العربية مخالف تماماً لما تم الاتفاق عليه في القمم التي دعت لاعتبار "إسرائيل" عدواً واليوم أصبحت حليفاً وصديقاً.
ويشير إلى أن القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها بفعل "الموقف العربي المتواطئ" ضدها، لافتاً إلى أن الدول العربية تعتبر قضية فلسطين "عقبة أمام التطبيع العلني، لذلك هي تسعى تدريجياً لتهميش تلك القضية وتجاوزها للوصول إلى تل أبيب وإقامة التحالفات معها".
السعودية حسمت أمرها
بدوره رأى المحلل السياسي حسن عبده أن السعودية قد حسمت أمرها تجاه تحالفها مع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التوجه لن تعود عنه.
واعتبر أن معارضة السعودية ومصر والإمارات لرفض التطبيع مع "إسرائيل"، في الاجتماع العربي الذي عقد في العاصمة الأردنية، ليس مفاجئاً، وقد سبقه الكثير من الخطوات من طرف السعودية على وجه الخصوص في تقربها من "إسرائيل"، وهو رسالة للجميع بالنهج الجديد الذي سيُتبع خلال الفترة المقبلة.
وأضاف المحلل السياسي: "الدول العربية قطعت على نفسها عهداً بالتقرب من دولة الاحتلال عبر طرق التطبيع الذي تسلكه منذ سنوات، وهذا الطريق لن يتوقف مهما كانت الظروف التي تعترضه، وهذا الموقف الذي ظهر في قمة عمان قد نقل تلك اللقاءات والعلاقات التي كانت تجري بسرية للعلن، وكشف عن التوجه الجديد والحقيقي لتلك الدولة في علاقاتها مع إسرائيل".
مرحلة الحوار في الخفاء قد ولَّت بلا رجعة
إلى ذلك، تشهد الفترة الأخيرة حالة من الحمّى لدى بعض الدول العربية، لأجل التطبيع مع "إسرائيل"، إذ اعتبر مؤتمر "وارسو" الدولي حول الشرق الأوسط، الذي عُقد الشهر الماضي (فبراير/شباط 2019) في بولندا، "نقطة تحوُّل مفصلية" في العلاقات العربية-الإسرائيلية، بحسب تعبير بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي وصفها تحديداً بـ"نقطة تحول تاريخية". إذ كان من أبرز المشاهد اللافتة للانتباه مشهد ظهور صور لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو يتبادل الابتسامات والضحكات مع قادة دول عربية خلال المؤتمر الذي دعمته وباركته واشنطن، التي دعت فيه لتمكين العلاقات العربية-الإسرائيلية وتوحيدها، لمجابهة إيران.
كما شهد المؤتمر مصافحة دافئة بين وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله، ونتنياهو، الذي جاء بعد رحلة تاريخية أخرى قام بها في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عندما اجتمع مع السلطان قابوس بن سعيد، ضمن فعاليات أول زيارة من نوعها منذ أكثر من عقدين لعُمان.
ويؤكد محللون أن مرحلة الحوار في الخفاء بين دول عربية وتل أبيب قد ولَّت بلا رجعة. وتقيم "إسرائيل" علاقات دبلوماسية رسمية مع دولتين عربيتين فقط: مصر والأردن، على مدى عقود من الزمان. في حين ظلت الدول العربية مترددة حتى الآن في إظهار العلاقات العلنية مع "إسرائيل"؛ خوفاً من الإحراج الداخلي، لكن هناك دلائل متزايدة مؤخراً على قرب علانية العلاقات بين هذه الدول -التي تعد السعودية والإمارات والبحرين أبرزها- مع "إسرائيل".
انتهى/