تتزامن حرب التهديدات الكلامية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران مع توارد تقارير، وتسريبات صحافية، تؤكد أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجري اتصالات مكثفة هذه الأيام لتشكيل تحالف أمني عسكري جديد مع دول الخليج الفارسي العربية، إلى جانب مصر والأردن، بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، وإنشاء شبكة دفاع صاروخية، ووضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - القمة التي من المقرر أن تُعقد في واشنطن يومي 12 و13 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل بطلب من الرئيس ترامب، وحضور زعماء الدول الثمانية المدعوة، تهدف إلى تأسيس "حلف ناتو" عربي سني الطابع، ومقتصر على الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة.
اللافت أن هذا الحراك يتزامن مع تقرير أسترالي تنبأ بعمل عسكري ضد إيران في المستقبل المنظور، ونقل عن مسؤولين أستراليين قولهم إن واشنطن مستعدة لقصف منشآت نووية في إيران ربما في الشهر المقبل.
الضجة الإعلامية التي نجمت عن اتهام سعودي لحركة "أنصار الله" الحوثية بمهاجمة ناقلتي نفط في البحر الأحمر يوم الأربعاء الماضي، وإصابة إحداها إصابات خفيفة، واتخاذ قرار بوقف شحن النفط السعودي عبر بوابة باب المندب حتى يتحقق الأمن فيه، ربما تصب في مصلحة التمهيد لتأسيس هذا الحلف الجديد بإشراف أميركي، لأن السعودية ودولة الإمارات تريدان تدخلاً دولياً لتأمين هذا المضيق الاستراتيجي الذي تمر عبره 5 بالمئة من التجارة العالمية، وأكثر من 5 ملايين برميل من النفط يومياً، وإجهاض التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الأكثر أهمية أيضا.
***
هناك عدة نقاط رئيسية لا بد من التوقف عندها في إطار أي محاولة لقراءة ما بين سطور هذه الخطة الأميركية:
ـ الأولى: ما هو موقف مصر والأردن على وجه التحديد من هذا التحالف، وهل ستنضمان إليه في حال إعلان قيامه؟ وهل سيشارك البلدان في قمة تشرين الأول (أكتوبر) القادمة في واشنطن؟
ـ الثانية: ما هي علاقة إسرائيل بهذا الحلف الجديد، وهل ستكون عضواً فيه؟ وكيف سيكون طابع هذه العضوية، سرياً أم علنيا؟
ـ الثالثة: كيف سيتم إزالة عقبة الأزمة الخليجية التي قد تقف حجر عثرة في طريق هذا الحلف، وهل ستتخلى دولة قطر عن علاقتها المتميزة مع إيران، وتقطع كل أواصر تحالفها معها تلبية لشروط أميركية سعودية إماراتية في هذا الشأن.
ـ الرابعة: هل جاء الإعلان رسميا عن تخصيص مبلغ مليار ونصف المليار دولار لتوسيع قاعدة العيديد العسكرية الأميركية في قطر بهدف جعلها أحد المرتكزات الرئيسية للحلف العربي الأميركي الجديد؟ ورسم دور رئيسي لها في أي حرب قادمة ضد إيران؟
ربما يكون من السابق لأوانه، بالنسبة إلينا، طرح أي إجابات حول معظم هذه الأسئلة في ظل حالة التكتم على التفاصيل المتعلقة بالمخطط الأميركي في هذا المضمار، ولكننا لا نستبعد أن تكون حرب التهديدات الأميركية الإيرانية المتبادلة تهدف إلى إثارة حالة من الذعر والرعب في أوساط الشعوب العربية، والخليجية منها بالذات، تبرر الانخراط في هذا الحلف الجديد، ودفع تكاليف العضوية كاملة.
المسألة الأخرى التي تستحق التوقف عندها، مستلزمات الانخراط في هذا الحلف، تنفيذ برامجه العسكرية والسياسية، العسكرية من حيث البرامج التدريبية، والدرع الصاروخية التي سيتم بناؤها، والسياسية المتعلقة بالانخراط في حصار اقتصادي غير مسبوق من المتوقع فرضه على إيران في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وابرز اعمدته منع تصدير النفط الإيراني، ووقف كل اشكال التبادل التجاري مع طهران.
هذا "الناتو العربي السني" المقترح الذي ستكون إسرائيل طرفا رئيسيا فيه، سواء بشكل علني او سري، سيكرس حالة الانقسام الحالية، والفرز الطائفي في المنطقة، وتعبئة "السنة" لخوض حرب ضد إيران "الشيعية" وحلفائها في المنطقة، وحركات المقاومة بالذات، في لبنان وفلسطين المحتلة، لمصلحة إسرائيلية بحته، وتهدئة مخاوف مستوطنيها.
***
لا نستبعد أن يكون هذا الحلف الطائفي الجديد وسيلة جديدة لحلب مئات المليارات من الدول الخليجية تحت ذريعة تعزيز قدراتها الدفاعية استعدادا للحرب ضد إيران، فهذه الدول التي لا تستطيع رفض طلب ترامب، وربما تخرج من اجتماع قمة واشنطن المقبل بخزائن فارغة، او مثقلة بالديون، بسبب ضخامة الفاتورة العسكرية الأميركية المطلوب منها تسديدها دون نقاش.
الأشقاء الخليجيين يساقون إلى حرب إقليمية عظمى سيكونون حطبها، والممولين لها، وهي حرب غير مضمونة النتائج، وحتى لو انتصرت فيها أميركا، فإن انتصارها سيكون دماراً للمنطقة ونهضتها الاقتصادية، ومدنها المزدهرة، وقتل مئات الآلاف من أبنائها، فإيران سترد حتماً، ولن تقف مكتوفة الصواريخ.. والأيام بيننا.
رأي اليوم - عبد الباري عطوان