نشر موقع "آف.بي.ري" الروسي تقريرا، تحدث فيه عن الطريقة التي يفكر من خلالها الشخص الناطق بلغتين في آن واحد. والجدير بالذكر أن حوالي نصف سكان العالم يستخدمون لغة ثانية في حياتهم اليومية، على غرار سويسرا وسنغافورة، التي تعدّ مناطق ثنائية اللغة، حيث يتحدث سكانها لغتين أو أكثر.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن البعض يعتقد أن الشخص "ثنائي اللغة" يتميز بقدرته على استخدام كلتا اللغتين بشكل سلس وسهل، على حد السواء، لكن الواقع أثبت عكس ذلك. ففي أغلب الحالات، يمتلك الأشخاص ثنائيو اللغة لغة مهيمنة (اللغة الأم) ولغة ثانية يستخدمونها بطلاقة، ويبذلون بعض الجهد للتمكن منها. وقد تطرق العالم النفسي الإسباني، ألبرت كوستا، وزملاؤه إلى ظاهرة ثنائية اللغة، في مقال صدر في مجلة الاتجاهات الحالية في العلوم النفسية.
وأضاف الموقع أن كوستا وزملاءه يعملون في برشلونة، وهي مدينة تزخر بثنائيي اللغة، حيث يتحدث العديد من الأشخاص الإسبانية والكتالونية. وذلك ما دفع الفريق إلى الاهتمام بمعرفة ما إذا كان التحدث بلغة ثانية يؤثر على عملية اتخاذ القرار. وقد توصل ألبرت كوستا إلى أن التحدث بلغة ثانية لا يتطلب مجهودا كبيرا، كما لا يمثل عائقا على مستوى عملية اتخاذ القرارات.
وبينت الصحيفة أنه، وفي وقت سابق، كان العلماء يعتقدون أن الأفكار مجرد كلام يدور في داخلنا. وبما أن كل لغة تفسر العالم المحيط بها بطريقتها الخاصة، فقد افترضوا أن اللغة التي نتحدث بها تحدد الطريقة التي نفكر بها. في الواقع، تعرف هذه النظرية بالحتمية اللغوية. وقد بادر معظم علماء النفس واللغويون المعترف بهم بتفنيد هذه النظرية.
وأفاد الموقع بأن ألبرت كوستا وزملاءه عمدوا إلى دراسة كيفية اتخاذ الأشخاص للقرارات أثناء استخدامهم للغتهم الثانية، بصرف النظر عن طبيعة تلك اللغة. وقد كان الهدف الرئيسي من القيام بهذه الدراسة معرفة مدى تأثير التحدث بلغة ثانية على قدرة الشخص في اتخاذ قرارات سليمة. وفي هذا السياق، ركز الباحثون على عملية صنع القرار باللغة الثانية في ثلاثة مجالات: القرارات المتعلقة بالخسائر والأرباح والمخاطر، السبب والنتيجة، والمسائل الأخلاقية.
وذكر الموقع أن معظم الأشخاص يفضلون المحافظة على الأشياء التي يملكونها، بدلا من المخاطرة للفوز بأشياء أخرى. في الأثناء، أثبتت العديد من الدراسات أن الأفراد يولون تقييم الخسائر أهمية كبرى مقارنة بالأرباح، وذلك ما يعرف "بالنفور من المخاطرة"، حيث يعد هذا الأمر بمثابة حدس فطري يؤثر على عملية صنع القرار. من هذا المنطلق، توصل ألبرت كوستا إلى أن الشعور بالخوف إزاء المخاطرة يختفي في صفوف الأشخاص ثنائيي اللغة، حيث يعتمدون على المنطق بدلا من الحدس.
وأوضح الموقع أن الإنسان عادة ما يكون في حاجة إلى معرفة أسباب حدوث بعض الأمور؛ لذلك غالبا ما يميل إلى خلق تفسيرات سببية تشعره بالسيطرة على الوضع، حتى لو لم تكن بين تلك الأسباب والأحداث التي يمر بها أي علاقة. في الواقع، يقع الأفراد، في معظم الأحيان، ضحايا لمختلف أنواع المغالطات المنطقية بشأن العلاقات السببية، عند محاولة اتخاذ قرار ما. لكن استخدام لغة ثانية أكثر تعقيدا يسمح للإنسان باتخاذ قرارات منطقية.
وبين الموقع أن الحدس والعاطفة يهيمنان على عملية صنع القرارات ذات الطابع الأخلاقي. فعلى سبيل المثال، تخيل نفسك على جسر للمشاة فوق خط للسكة الحديدية، ويوجد خمسة عمال على طريق السكة الحديدية، في حين تسرع شاحنة باتجاههم. في الأثناء، يوجد رجل ضخم يقف أمامك على الجسر فوق الطريق مباشرة، وفي حال دفعته من أعلى الجسر، ستتوقف الشاحنة ويموت الرجل الضخم. ولكن ستنقذ حياة العمال الخمسة. فهل يمكنك القيام بمثل هذه الخطوة؟
في الحقيقة، قلة من الأشخاص يمكنهم القيام بذلك، حيث سيبررون هذا التصرف من منظور نفعي، حيث يعود بالفائدة على عدد أكبر من الأشخاص. في المقابل، سيرفض أغلب الأشخاص القيام بذلك، وسيتخذون قرارا من منظور أخلاقي بحت، يقوم على رفض القتل، حتى لو كان ذلك سينقذ المزيد من الأرواح.
وأشار الموقع إلى أن استخدام الأفراد للغتهم الثانية يعمل على تحويل عملية التفكير من الحالة الحدسية إلى الحالة العقلانية، ما يدفعهم إلى اتخاذ قرار منطقي يقوم على التضحية بشخص واحد من أجل إنقاذ خمسة أشخاص. في الواقع، يظهر التحول من التفكير الحدسي إلى التفكير العقلاني عند استخدام الأفراد للغتهم الثانية بشكل جلي في جميع الحالات الثلاث: تقدير الخطر، والسببية، والأخلاق.
وفي الختام، نوه الموقع إلى أن عملية تصوير الدماغ تظهر نشاط مناطق الدماغ نفسها على مستوى قشرة الفص الجبهي عند استخدام اللغة الثانية، وأثناء التفكير العقلاني، على حد السواء.
انتهی/