فلسطين بين الحنين والعودة

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۹۹۶۵
تأريخ النشر:  ۲۲:۵۶  - الاثنين  ۲۱  ‫أبریل‬  ۲۰۲۵ 
القوى الاستعمارية استطاعت خلق كيان "عابر للزمان والمكان"، شكّل الأداة الرئيسة لمشاريعها في المنطقة، وبدأت بعد ربيعها الاستعماري المشؤوم تحويل هذا الكيان إلى مركز استعماري.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباءلا تكاد تمر ساعة منذ استئناف المجزرة الصهيونية في غزّة من دون أن نسمع مبادرة أو خبراً أو تسريب معلومات عن تهجير الفلسطينيين أو جزء منهم إلى خارج فلسطين، وحرمانهم من حق العودة إلى بلادهم التي يمكن أن تضم إلى الكيان الصهيوني أو تحوّل إلى منتجع للأثرياء على طريقة الريفيرا الفرنسية. هذا المطلب الاستعماري – الصهيوني تحوّل إلى مطلب رسمي عربي مشفوعاً بعبارات سياسية تجميلية مثل تحويل المقاومة إلى حزب سياسي، أو تحويل الفلسطينيين إلى تجمعات سكانية معزولة. يتبنى بعض المثقفين العرب هذا الطرح مشفوعاً باعتبارات إنسانية شعارها الرئيس إيقاف المجزرة.

على النقيض تماماً اعتمدت فكرة قيام الكيان الصهيوني المفهوم التوراتي "عاليا أو العودة إلى صهيون"، ويرتبط هذا المفهوم بأسطورة عودة اليهود من بابل إلى فلسطين بعد سقوط الدولة البابلية، وسماح الملك الفارسي كورش بهذه العودة.

وجدت القوى الاستعمارية الطامعة في توسيع أسواقها في هذه الفكرة حصان طروادة الذي يمكن من خلاله الدخول إلى جسد الإمبراطورية العثمانية (الرجل المريض) بهدف بسط سيطرتها تحت شعار حماية الأقليات الدينية. خلال السنوات العشر التي سبقت المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 أقام المستوطنون اليهود القادمون من أوروبا الشرقية تسع عشرة مستوطنة، كانت أولها مستوطنة "بتاح تكفا" التي أقيمت على موقع قرية ملبي الفلسطينية عام 1887.

كانت الرأسمالية الناشئة قد وصلت إلى مرحلة من التطور لا بد معها من تدمير جميع الإمبراطوريات القائمة بصفتها آخر مظاهر النظام الإقطاعي، والانطلاق نحو مفهوم الدولة القومية الأوروبية التي كانت حاجة ضرورية لاستكمال بناء النظام الرأسمالي.

لم تحتل فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين أولوية في المشروع الرأسمالي إلا بعد الحرب العالمية الأولى، واكتشاف النفط في المنطقة والذي أصبح المادة الرئيسة لإدارة مصانع المركز الرأسمالي، وإمكانية بروز تراكم للثروة في المنطقة ما يحوّلها إلى سوق مستقبلية مهمة.

كان لا بد من دعم "العاليا" اليهودية بحدث معاصر يطلق الشرارة لتحويل الوعد بالدولة الذي أطلقة بلفور عام 1916 إلى دولة حقيقية بشروط العصر الاستعماري الرأسمالي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، فكانت الهولوكوست بكل ما رافقها من مبالغات وتضخيم. يكفي أن تعتنق الديانة اليهودية لتصبح جزءاً من التاريخ اليهودي من "العاليا" البابلية وحتى الهولوكوست وتمتلك حقاً في العودة بناء على الوعد الإلهي التوراتي، ووعد بلفور الاستعماري. 

ترافق إنشاء الكيان في فلسطين مع إنشاء مجموعة من الأنظمة المرتبطة بالمشروع الاستعماري في الدول المحيطة. هذه الأنظمة التابعة والمرتبطة عضوياً بالمشروع الاستعماري وجدت نفسها مضطرة للتنازل عن جميع الثوابت الوطنية مقابل الحفاظ على عروشها ومصالحها.
هذا الاستسلام منح الكيان الطارئ فرصة التحرك بحرية ضمن جغرافيا المنطقة، حارب جميع الدول المحيطة به وهزمها واحتل أجزاء من أراضيها، اعتدى جوياً على الدول الأبعد عن جواره فقصف العراق وتونس، من دون أن يجرؤ نظام عربي على التصدي له بشكل جدي.

لقد استطاعت القوى الاستعمارية خلق كيان "عابر للزمان والمكان"، شكّل الأداة الرئيسة لمشاريعها في المنطقة، وبدأت بعد ربيعها الاستعماري المشؤوم تحويل هذا الكيان إلى مركز استعماري يقود مجموعة الدول الدائرة في الفلك الاستعماري.

لم يجد المخطط الاستعماري مقاومة رسمية تذكر فسرعان ما انخرطت الأنظمة الرسمية العربية في مشاريع السلام التي تصاعدت تدريجياً من اتفاقية "كامب ديفيد"، مروراً باتفاقيات أوسلو ووادي عربة وصولاً إلى السلام الإبراهيمي والناتو العربي، اللذين يمكنان المركز الرأسمالي من تحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية بأقل التكاليف وبشكل خاص التكاليف العسكرية. 

لم يعكر صفو هذا الاطمئنان الاستعماري سوى ظهور نواة حركات مقاومة، حاولت كسر جليد التواطؤ الرسمي وخلق حالة ثورية في الشارع العربي تنظر إلى المستقبل بعين غير عين النظام الرسمي العربي المستسلم. رغم تحالف النظامين الرسمي العربي والاستعماري ضد هذه المقاومة فإنها استطاعت تحقيق نجاحات مهمة في مواجهة المشروع الاستعماري، فأسقطت اتفاق 17 أيار في لبنان، وحررت الجنوب اللبناني، وأسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبعده صفقة القرن، وعطلت حتى الآن مشروع السلام الإبراهيمي. 

اعتقد التحالف العربي – الاستعماري أن الفوضى التي خلفها "الربيع العربي" المشؤوم تمنحه فرصة جديدة لإعادة تفعيل مشروعه، لكن فتية من غزّة قرروا كسر خط التاريخ الرأسمالي، وتجاوز الخطوط التي رسمها قبل 75 عاماً وصنعوا ملحمة السابع من أكتوبر ليعلنوا أن علاقة الفلسطيني بأرضه ليست حنيناً إلى فردوس مفقود يزوره كسائح بعد إنجاز السلام الموعود، بل هي نضال وتضحية في سبيل العودة مهما كان ثمن هذه العودة غالياً.

عودة الفلسطيني إلى أرضه تهدد الجميع، من الجالس في المكتب البيضاوي في واشنطن، إلى الباحث عن نصر نهائي في "تل أبيب"، مروراً بأصحاب العروش المهزوزة في النظام الرأسمالي العربي.

لهذا السبب لم يكن الرد على شكل حرب، بل على شكل مجزرة شارك فيها الجميع بكل ما يقدر عليه. القوى الاستعمارية بسلاحها ونفوذها السياسي، والعدو الصهيوني بآلة القتل المجرمة، والنظام الرسمي العربي بالتخلي عن الفلسطينيين وفتح أبواب بلدانه للتجارة مع العدو. هذا النظام الذي كان يرسل إلى سادته رسالة مفادها "نحن هنا" نعتقل، ونطارد داعمي المقاومة، ونطالب بنزع سلاح المقاومة، ونجرم من يسعى لدعمها، ونحوّل الأبطال إلى مجرمين، ونحمّل المقاومة أوزار الضعف والتخاذل الرسمي العربي عبر تاريخ القضية الفلسطينية.

لقد وضعت عبقرية لحظة السابع من أكتوبر كل هؤلاء وراءها، فهي اللحظة التي قالت إن هذا الكيان طارئ على المنطقة زماناً ومكاناً، وأن الأمة من محيطها إلى خليجها تشاركها النظرة نفسها، وهي مستعدة للانخراط في المعركة من اليمن إلى العراق ولبنان، ومهما كانت نتائج المواجهة الحالية، فهي تمرين على القادم و "أننا سننتصر". 
انتهی/

الكلمات الرئيسة
رأیکم