خرجت وثيقة "مناطق تحفيف التوتر" لتُصبح قيد التنفيذ. وبين الحديث عنها وعن إمكانية تطبيقها، يجب تقييم ما تعنيه على ساحة الأزمة السورية ونتائج ذلك إقليمياً ودولياً. فهل يُمكن القول أن روسيا وإيران نجحا في فرض أوراق سياسية جديدة ضمن هذا الصراع؟ وهل خسرت أمريكا وحلفاؤها؟
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء-بدأ سريان اتفاق آستانة بشأن مناطق وقف التصعيد في سوريا، كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن المذكرة الخاصة بإنشاء مناطق وقف التصعيد ستدخل حيز التنفيذ في منتصف ليل السادس أيار. وهو ما لحقه تعليق استخدام الطائرات الحربية الروسية في تلك المناطق. فيما تشمل مناطق وقف التصعيد أربعة مناطق، وهي المنطقة الأولى وتضم ريف إدلب والمناطق المحاذية، بالإضافة الى مناطق شمال شرق ريف اللاذقية، وغرب ريف حلب وشمال ريف حماة. المنطقة الثانية تمتد شمالي ريف حمص، وتشمل مدينتي الرستن وتلبيسة والمناطق المحاذية لها. المنطقة الثالثة تشمل الغوطة الشرقية. أما المنطقة الرابعة فتمتد في جنوب سوريا في المناطق المحاذية للحدود الأردنية في ريفي درعا والقنيطرة.
ماذا تضمنت الوثيقة وماذا يعني وقف التصعيد؟
يمكن الإشارة لذلك عبر ما تضمنته الوثيقة حرفياً، في التالي:
أولاً: بحسب فحوى الوثيقة، فإن روسيا، إيران وتركيا هم المسؤولون عن مراعاة نظام وقف الأعمال القتالية في سوريا ويُشار لهم بـ "الضامنون".
ثانياً: دعت الوثيقة الى إنشاء مناطق تخفيف التوتر بهدف وضع حد فوري للأعمال القتالية وتحسين الحالة الإنسانية بهدف تهيئة الظروف المواتية لعملية النهوض بالتسوية السياسية للازمة في سوريا.
ثالثاً: تخفيف التوتر في هذه المناطق يقتضي ضبط الأعمال القتالية بين الأطراف بما في ذلك استخدام أي نوع من الأسلحة والقيام بتوفير وصول إنساني سريع وآمن وبدون إعاقة تحت سيطرة الضامن، وتهيئة الظروف اللازمة لتقديم المعونة الطبية للسكان ولتلبية الإحتياجات التجارية أو المدنية الأخرى للمدنيين واتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة المرافق الأساسية الإجتماعية والمعيشية وتوفير الظروف لعودة آمنة للاجئين.
رابعاً: ستشمل مناطق تخفيف التوتر نقاط تفتيش تتشكَّل من ممثلي الجيش السوري وجماعات المعارضة المسلحة التي انضمت إلى نظام وقف الأعمال القتالية. وتهدف هذه النقاط لضمان حرية تنقل المدنيين العُزَّل وإيصال المساعدات الإنسانية فضلاً عن الأنشطة الإقتصادية ومراكز المراقبة لضمان تنفيذ أحكام نظام وقف الأعمال القتالية.
خامساً: مسؤولية الضامنين القيام بضمان التزام الأطراف بالإتفاقات واتخاذ جميع التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد التنظيمات الإرهابية، وغيرهما من المجموعات والمنظمات التي أدرجتها الأمم المتحدة على هذا النحو خارج مناطق التوتر، ومواصلة العمل لإدراج جماعات "المعارضة المسلحة" التي لم تشارك حتى الآن في التسوية السلمية في نظام وقف الأعمال القتالية.
سادساً: على الضامنين القيام في غضون 5 أيام بتشكيل فريق عامل مشترك معني بالتوتر يشار إليه باسم "الفريق العامل المشترك" على مستوى الممثلين المأذون لهم، بهدف تحديد حدود نزع السلاح ومناطق التوتر فضلاً عن حل المسائل التشغيلية والتقنية الأخرى المتصلة بتنفيذ المذكرة ويتعين على الضامنين أن يتخذوا التدابير اللازمة لاستكمال تعريف خرائط مناطق التوتر والمناطق الأمنية بحلول 22 أيار الجاري. على أن يُقدم الفريق العامل المشترك تقاريره إلى الاجتماعات المتعلقة بتسوية الأزمة في سورية في إطار عملية آستانة.
تحليل ودلالات
بناءاً لما تقدم يمكن قول التالي:
أولاً: خسرت واشنطن مرة أخرى في مساعيها السياسية والدبلوماسية، حيث أن أمريكا كانت تطالب دوماً بتشكيل "المناطق الآمنة" الجوية والتي تهدف الى منع الحلفاء من القيام بالطلعات الجوية المُستهدِفَة للتنظيمات الإرهابية. وهو ما كانت تُبرره واشنطن بحماية المدنيين لكنها كانت تسعى لتمكين التنطيمات الإرهابية من السيطرة على جغرافيا عسكرية أكبر!
ثانياً: تتعدى خسارة واشنطن حجم الأزمة السورية لتصل الى خسارتها على المستوى الإقليمي (الشرق الأوسط) والدولي. فأمريكا لم تكن حاضرة في المفاوضات وإن حاول البعض الحديث عن أن تركيا تُمثِّل واشنطن، لكن ذلك يُخفي حقائق عديدة تتعلق بأن تركيا تختلف في مصالحها مع واشنطن في سوريا، ولو كان هناك بعض القواسم المشتركة. كما أن الفشل الأمريكي الآخر يتعلق بغياب تأثير الدول الخليجية الحليفة لواشنطن والتي يتقاتل أتباعها من الجماعات الإرهابية حالياً في سوريا لا سيما قطر والسعودية.
ثالثاً: بالنسبة لتركيا فهي قد تلقت صفعة جديدة على الرغم من كونها جزءاً من الإتفاق والذي يمكن تفسير دور تركيا فيه كالساعي لدورٍ ما، ليس أكثر. فهي كانت من المؤيدين لأمريكا وليس لروسيا في طرحها حول هذه المناطق. حيث أن أنقرة تشارك واشنطن في فكرة المناطق الآمنة، بهدف تمكين سيطرتها على بعض النقاط وجعلها تحت حكمها (بشكل مباشر أو غير مباشر) واستغلال ذلك لأهدف تتعلق بالمصالح التركية (إيواء المهجرين وإدارة خطر التنظيمات الإرهابية)، بالإضافة الى جعلها ورقة للتأثير على النظام السوري.
رابعاً: يمكن القول أن روسيا نجحت في تحقيق عدة أهداف من خلال الوثيقة. وهي الأهداف التي تتجانس مع الرؤية الإستراتيجية التي تسعى موسكو لتحقيقها عبر التعاظم الروسي في المنطقة ومن خلال الأزمة السورية. بالإضافة الى سعيها لدعم الحليف السوري. وهو ما يعني أن روسيا استطاعت تحقيق كل ما عجزت عنه أمريكا وسبق أن ذكرناه. ما سينعكس بالنتيجة على أوراق القوة التي باتت تمتلكها موسكو في علاقتها مع الغرب، بالإضافة الى انعكاس ذلك على رفع قوة الحلف بينها وبين طهران.
خامساً: بالنسبة لمحور المقاومة، فإن فكرة المناطق الآمنة بحسب الطرح الأمريكي كانت مرفوضة. بل إن النوايا الأمريكية لم تكن خفية على الجانب الإيراني وحلفائه ضمن المحور. لذلك كان السعي دوماً لجعل أي فكرة نظرية لمناطق آمنة، فكرة قادرة على كبح الجموح الأمريكي وتأمين مصلحة الشعب السوري. وهو ما يمكن القول أنه تحقق بنسبة كبيرة من خلال هذه الوثيقة. والتي يمكن اعتبارها محاولة لترجمة الطروحات النظرية في المفاوضات الى مراحل عملية تساهم في التحول المطلوب لإعادة الإستقرار والأمن الى سوريا. حيث أن الجانب الإيراني لم يسعى يوماً لأكثر من تحقيق مصلحة الشعب السوري ومنع التهديدات التي قد يُمثلها سقوط الدولة السورية إستراتيجياً.
يمكن القول أن الواقع المعقد لسوریا سيبقى الحكم في نجاح هكذا مبادرات. لكن يوماً بعد يوم تتضح نية المتقاتلين على الأرض السورية. فيما يبقى الهدف المرجو، مصلحة الشعب السوري، والتي نتمنى أن لا تكون الضحية، أمام واقعٍ من المصالح المتشابكة والمتناقضة بين أطراف الصراع!
المصدر/ الوقت