مع سقوط نظام الديكتاتور "صدام حسين" قبل 14 عاماً دفنت الكثير من الأسرار التي ما زال بعضها يظهر للعلن، وأصبحت تفاصيل حياة عائلة "صدام" سراً غامضاً، ومن الواضح أن أقارب "صدام" اختاروا العيش على هامش الحياة السياسية وبعيداً عن الأضواء.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- تمكنت صحيفة "إيلموندو" الإسبانية من عقد لقاء حصري مع أحد أحفاد رئيس نظام البعث البائد الديكتاتور صدام، الذي قرر للمرة الأولى كسر حاجز الصمت والتحدث عن تفاصيل حياته بعد 14 سنة من سقوط حكم جده الديكتاتور والمجرم الاعتى في تاريخ العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن حسين ناصري حفيد صدام، البالغ من العمر 22 سنة، يتابع دراسته، في الوقت الراهن، في مجال التسويق بإحدى الجامعات النخبوية الأميركية بالأردن، التي تعتبر ملاذاً لكبار قادة الدول.
وفي الأثناء، استرجع حسين ناصري ذكريات دقيقة للأحداث التي جدّت قبل ذلك اليوم الربيعي المشؤوم (بحسب تعبيره)، حين كان جده، "صدام" يُخطط للهروب، في حين كان يختبئ في غرفة محصنة تحت الأرض.
وفي هذا الصدد، أفاد حسين ناصري بأنه "منذ انطلاق الغزو إلى تاريخ مغادرتنا النهائية لبغداد، لم نتوقف يوماً عن تغيير عنوان إقامتنا، فور مغادرتنا العاصمة اضطررنا للتوجه نحو المناطق الشمالية للبلاد حتى وصلنا قرية ربيعة، التي تقع بالقرب من مدينة الموصل على الحدود مع سوريا، ومن هناك تمكنا من عبور سوريا لنحطّ الرحال في الأردن".
وتطرق الشاب إلى الأماكن التي اجتازها أثناء رحلته الوعرة رفقة عائلته، حيث كانوا عُرضة للعديد من المناوشات خلال مرورهم، خاصة أنهم يتنقلون بمساعدة مجموعة من السيارات الخاصة بعائلة صدام.
وفي هذا الإطار، قال حسين ناصري، "لقد غادرت البلاد برفقة أمي رنا، وإخوتي أحمد وسعد ونبأ، بالإضافة إلى عمتي رغد وأبناء عمي".
وأضاف حسين ناصري، "عشت في العراق حتى سنة 2003، "ظلت عبارات جدي الطيبة والمواعظ التي كان يقدمها لنا أثناء لمّ شمل العائلة، راسخة في ذاكرتي إلى اليوم، بالإضافة إلى ذلك، كانت لي ذكريات جميلة مع أقاربي أثناء الاحتفالات ومأدبات الطعام، كان جدي دائماً ما يُولي أهمية قصوى لكل فرد من أفراد العائلة، فضلاً عن أنه كان قادراً بنظرة واحدة على تبليغ مراده لكل فرد منا".
وتابع حفيد ديكتاتور العراق حديثه عن ذكرياته، حيث أوضح أن "جده كان يحبذ جمع كل أفراد العائلة، كبيرها وصغيرها، بغية تشجيعهم على الالتزام بالفكر القومي والأخلاق، حتى أكثر من حثه لهم على الدراسة".
وفي سنة 2003، بعد أشهر من تواريه عن الأنظار في بغداد، تم القبض عليه في مزرعة بالقرب من مسقط رأسه تكريت حيث كان يختبئ لعدة أشهر. ويقول وتابع ناصري "اعتقال جدي لم يمنعنا من التواصل معه، حيث كان يوجهنا وينصحنا عن طريق المحامين الذي يزورونه في السجن"، على حد تعبيره.
وتابع حديثه قائلاً، "مازلت أتذكر آخر لقاء جمعني بخالي قصي وعدي قبل أسبوع من انطلاق الحرب، أعتقد أنهما آنذاك كانا يدركان أن الأسوأ قادم لا محالة، وأن لحظة وداعهم آتية ولا مفر منها".
الجدير بالذكر أن قصي وعدي حسين، اللذين كانا مؤهلين حينها لخلافة والدهم قد قُتلا في حادث تراجيدي في غارات شنتها القوات الأميركية في الموصل في تموز 2003، عقب أن وشى بهم صاحب البيت حيث كانوا يختبئون. وقد تم دفنهما بعد ذلك في مقبرة تقع بالقرب من مدينة تكريت.
وفي هذا الإطار، بيّن حسين ناصري، أن "الشيء الوحيد الذي أتذكره في تلك الفترة، أن قصي، الذين كان مكلفاً، آنذاك، بقيادة الحرس الرئاسي، دأب على تفقد أحوالنا ليتأكد ما إذا كان كل شيء على ما يرام أم ل،. على ما أعتقد كان ذلك اللقاء الأخير الذي دار بيننا قبل مقتله".
تشبث بالمجد الغابر
على العموم، لا يزال أحفاد الديكتاتور المقبور "صدام" متشبثين بما يعتبرونها "أمجادا" لجدهم، علماً بأنهم يعيشون الآن منقسمين بين عمّان والدوحة.
ومنذ سقوط نظام صدام، سعى ملِكا البلدين إلى ضمان "الشيك الذهبي" لفائدة عائلته وفي هذا الإطار، ذكر حسين ناصري أن "العائلة المالكة الأردنية استقبلتنا مباشرة بعد وصولنا إلى البلاد، لقد كانوا كرماء جداً معنا ووفروا لنا منزلاً للإقامة فيه، ولكن إثر ذلك انقطعت العلاقة معهم تماماً".
من ناحية أخرى، اعترف الشاب، "في الواقع، كانت المدة التي قضيتها في الأردن أطول من تلك التي عشتها في العراق، لكن أودّ لو أعود يوماً ما إلى بلدي. لطالما واجهت البلاد ولا تزال تواجه العديد من الحروب،...".
واعتبر ناصري ان "كل الوقائع التي تلت تلك الفترة ليست نتيجة لسوء تصرف الإدارة، فالجميع يعلم أنها كانت مؤامرة مفتعلة من قبل العديد من الدول التي لها مصالح معينة في البلاد"، معتبرا أن "العراق أصبح اليوم لا يعكس سوى الموت والإرهاب، فهو عبارة عن خراب ودمار تفوح منه رائحة الدم في كل ركن من الدولة".
عقب سؤاله عن التفاصيل الغامضة لتاريخ عائلته المصغرة خاصة تفاصيل حادثة قتل والده حسين، تحولت نظرة الشاب إلى نظرة شاردة.
في الواقع، لقد تزوجت رنا صدام بحسين كامل، الذي بدوره كان شقيق زوج ابنة صدام رغد، في سنة 1986، وبعد تسع سنوات، هرب كلا الزوجان من بغداد إلى عمّان متحدين بذلك صدام، وإثر 12 شهراً، قرر كلا الزوجين العودة إلى بغداد بعد أن قدم لهم النظام جملة من الضمانات قصد حمايتهم، ليتم بعد ذلك إعدامهما بأمر من الزعيم صدام.
وفي هذا الصدد قال الشاب، إن "حيثيات هذه القضية معروفة لدى العموم، وعلى الرغم من كل ذلك، كل ما يمكنني قوله هو أن والدي كان ذكياً جداً. لقد كان عمري حينها سنة ونصفاً. حقيقة، أنا أفضّل عدم التحدث في هذا الموضوع".
ومن المثير للاهتمام أن نهاية والد حسين ناصري الوحشية لم تؤثر على انبهاره بجده صدام، علماً بأنه لم يكن يتوقع أن ينتهي الأمر بجده بالمحاكمة والاعدام.
وختاماً، أفاد ناصري قائلاً "أنا أعلم جيداً أن جدي قد اقترف، فعلاً، العديد من الأخطاء، مثله مثل أي شخص آخر، فليس هناك أي شخص معصوم من الخطأ، على العموم، لا يستطيع أحد محاسبته اليوم، فلو كنت مكانه لما استطعت القيام بما قام به في ظل تلك التوترات الإقليمية والتهديدات التي كانت تعيشها البلاد آنذاك".
يذكر ان الديكتاتور نظام "صدام" البائد ارتكب أفظع المجازر بحق الشعب العراقي حتى انه استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه وقتل الآلاف وأعدم آلافا أخرى من معارضيه، وتسببت سياسته في اجتياح الكويت الى فرض حصار مميت على العراق جعل ابناء هذا البلد الغني بالنفط يتضورون جوعا في حين عاش "صدام" وعائلته حياة الترف والبذخ التي بلغت حد الجنون في بعض الاحيان كحالة "عدي صدام حسين".
المصدر: السومرية