شكلت فترة ما بعد تحرير مدينة حلب من قبل الجيش السوري وحلفائه، مرحلةً مفصلية في التحالفات والصراعات القائمة بين التنظيمات المسلحة منذ بدء الحرب على سوريا. فقد شهدت الايام الماضية معارك محتدمة بين مختلف تلك التنظيمات، تصاعدت وتيرتها مع فشل مساعي الاندماج بين "احرار الشام" و"فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، لا سيما في ريف إدلب. تلك المعارك التي تصدّر فيها تنظيما "أحرار الشام" و"فتح الشام" المشهد، تطورت لتصبح صراعًا وجوديًا بينهما، فالتشكيلات الجديدة التي أُعلن عنها خلال الساعات الماضية، وانقسامها بين مؤيدٍ للأحرار ومبايعٍ لما عُرفَ بـ"هيئة تحرير الشام"، تُثبت ان الساحة "الجهادية" في سوريا، امام تغيرات جذرية سيندثر على إثرها تنظيماتٌ كثيرة.
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- التطورات المتسارعة جاءت بعد فشل اجتماع عقد بين قائد "فتح الشام" أبومحمد الجولاني، وعدد من قادة الفصائل في الشمال السوري، من وقف القتال المندلع بين "فتح الشام" وحلفائها، وفصائل أعلنت انضمامها إلى حركة "أحرار الشام الإسلامية"، هي "ألوية صقور الشام، وجيش الإسلام - قطاع إدلب، وجيش المجاهدين، وتجمع فاستقم كما أمرت، والجبهة الشامية - قطاع ريف حلب الغربي".
وجاء ذلك بعد رفض "جبهة النصرة" توحيد الفصائل المسلّحة الذي دعت إليه حركة "أحرار الشام" معتبرةً أنه ليس الحلّ الأمثل لوقف الاقتتال في ما بينها.
وجاء بيان النصرة بالتزامن مع إعلان تنسيقيات المسلحين فشل التوصل إلى اتفاق خلال الاجتماع الذي جمع أمير الجبهة أبو محمد الجولاني مع عدد من قادة الفصائل في الشمال السوري. وقالت النصرة في بيانها إن "الحل يكون بوضع كل المقدّرات تحت قيادة واحدة تذوب فيها أغلب الفصائل تحت قيادة أمير واحد"، وبالتالي "توحيد قرار السلم والحرب للساحة ككل"، معتبرةً أنّ "التجمعات الفصائلية أثبتت فشلها أكثر من مرة ومن العبث أن نعيد تلك التجارب"، وفق تعبيرها. وذكرت تنسيقيات المسلحين أن الجولاني عرض اندماج أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي والنصرة، ونقلت عن الجولاني تصميمه على الاستمرار بـ"مشروع التغلب" ومواصلة عدوانه.
بعد ذلك، أعلنت فصائل مسلحة في الشمال السوري الاندماج في تشكيل جديد، أطلق عليه اسم "هيئة تحرير الشام"، يقودها الأمير السابق لحركة "أحرار الشام الإسلامية" هاشم الشيخ، الملقّب بـ"أبوجابر الشيخ"، ويفتي لها دعاة وشيوخ في مقدمتهم القاضي العام في "جيش الفتح"، السعودي عبدالله المحيسني.
وفي التفاصيل، أصدرت عدة فصائل عسكرية، منها "لواء الحق" و"حركة نور الدين الزنكي" و"جبهة أنصار الدين" و"جيش السنة" إلى جانب "جبهة فتح الشام"، بيانًا مشتركًا أعلنت من خلاله اندماجها الكامل وتشكيل جسم عسكري جديد حمل اسم "هيئة تحرير الشام" تحت قيادة أبو جابر هاشم الشيخ، القائد السابق في حركة أحرار الشام الإسلامية.
الفصائل أكدت في بيانها أن الاندماج "جاء نظرًا لما تمر به الثورة السورية من مؤامرات تعصف بها واحتراب داخلي يهدد وجودها وحرصًا على جمع الكلمة ورص الصف"، فيما دعت بقية الفصائل للاندماج في التشكيل الجديد ليكون هذا التشكيل "نواة تجمع مقدرات الثورة وتحفظ خط سيرها من أجل تحقيق أهدافها المنشودة بإسقاط النظام المجرم"، على حد وصف البيان.
وجاء في بيان الإعلان عن التشكيل الجديد، أن "جبهة فتح الشام"، و"حركة نورالدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة"، يعلنون حل فصائلهم "واندماجها اندماجًا كاملًا ضمن كيان جديد تحت مسمى هيئة تحرير الشام، بقيادة المهندس أبوجابر هاشم الشيخ".
وأضاف البيان "ندعو جميع الفصائل العاملة في الساحة لإتمام هذا العقد، والالتحاق بهذا الكيان جمعًا للكلمة وحفاظًا لمكتسبات الثورة والجهاد، ليكون هذا المشروع نواة تجمع مقدرات الثورة، وتحفظ خط سيرها، وتحقق أهدافها المنشودة بإسقاط النظام المجرم، وليعيش أهل الشام بعزة وكرامة في ظل شريعة الرحمن".
في غضون ذلك، تحدثت تنسيقيات المسلحين أنّ أبو محمد الجولاني "أمير جبهة فتح الشام" سيكون القائد العسكري العام لهيئة تحرير الشام.
ولفتت بعض تنسيقيات المسلحين إلى أنّ أبو جابر الشيخ انشقّ مع مجموعة من حركة "أحرار الشام" لإعلان تشكيل "هيئة تحرير الشام"، وعلى رأس المنشقين المتحدث العسكري باسم حركة أحرار الشام أبو يوسف المهاجر.
كما اعلن القائد العسكري السابق لـ"احرار الشام" ابو صالح طحان انضمامه لـ "هيئة احرار الشام"، وذلك في تغريدةٍ له قال فيها: "لأننا قد قطعنا على أنفسنا عهدًا بأن نكون مع الجماعة حيث كانت، نجدد البيعة لأميرها الشيخ أبي جابر وأننا لن نكون إلا سيوفًا للحق بأيديهم".
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم أحرار الشام "لم تدخل أي من تشكيلاتنا العسكرية ضمن هيئة تحرير الشام.. وإنّ استقالة هاشم الشيخ وأبو يوسف المهاجر جاءت بصفة شخصية وعضوياتهم معلقة منذ مدة".
على صعيدٍ متصل، أعلن أبرز شيوخ ودعاة السلفية الجهادية "عبدالرزاق المهدي، وأبو الحارث المصري، وأبويوسف الحموي، وعبدالله المحيسني، وأبوالطاهر الحموي، ومصلح العلياني"، انضمامهم إلى "هيئة تحرير الشام".
وقال بيان مشترك صدر عنهم، إن انضمامهم إلى التشكيل الجديد، جاء "لنبدأ مرحلة جديدة من مراحل هذه الثورة المباركة، تطوى فيها صفحة الخلافات، وتعود فيها -بإذن الله- الانتصارات". وكان القائد السابق لحركة "أحرار الشام" هاشم الشيخ، وفي خطوة مفاجئة، قد أعلن قبل نحو أسبوع، عن حل "جيش الأحرار" الذي أسسه من 16 لواء وكتيبة في صفوف "أحرار الشام"، في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2016، وعدّه البعض انشقاقًا عن "أحرار الشام".
وقال في تعميم للفصائل، نشره الشيخ على حسابه في "تويتر"، إن على الفصائل المكونة لـ"جيش الأحرار" العودة إلى وضعها السابق قبل تشكيل الجيش، و"السمع والطاعة" لقائد "أحرار الشام" علي العمر، مؤكدًا أنه اتفق مع الأخير على طي صفحات الخلافات والابتعاد "عن الانتقام ومحاسبة الفاسدين والعابثين".
ومع الإعلان عن "هيئة تحرير الشام"، غرّد الشيخ على حسابه في "تويتر"، قائلًا "أعلن استقالتي من حركة أحرار الشام الإسلامية وأتمنى لإخواني في الحركة التوفيق لما يحبه الله ويرضاه".
وفي سياقٍ متصل، قالت مصادر ميدانية إن "جبهة فتح الشام" اعتقلت عددًا من عناصر "ألوية صقور الشام" المنضم حديثًا لـ"حركة أحرار الشام الإسلامية"، من بينهم ابن القيادي أبو عيسى الشيخ في ريف إدلب. وأوضحت المصادر أن "فتح الشام أسرت قرابة 25 عنصرًا، بينهم ابن القيادي أبو عيسى الشيخ في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، بعد عملية التفاف على موقعهم في قرية الرويحية".
ومن جهته، أكّد القائد العام لـ"ألوية صقور الشام" أبو عيسى الشيخ في تسجيل صوتي أن "ابنه محمد أسر مع مجموعة من العناصر من قبل المجرم الجولاني وأتباعه ".
عباس الزين - وكالة اوقات الشام