يُلاحَظ في هذه المرحلة توافق رأسَي السلطة التنفيذية في لبنان على التنكر لخيار المقاومة، أو التخلي عنه، كوسيلة لحفظ السيادة ومواجهة الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية في مقابل التمسك بخيار الاعتماد على الشرعية الدولية.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- كما بات واضحاً، لم يعد من الممكن الفصل بين الاتفاق، الذي أدى إلى وقف إطلاق النار بين لبنان والكيان الإسرائيلي، عن المسار السياسي الذي أنتج عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وبعده تشكيل حكومة لبنانية في وقت قياسي، إذا تمت مقارنته بمخاضات التشكيل التي حكمت واقع إعادة إنتاج السلطة التنفيذية في لبنان بعد عام 2005.
وحتى لا يُسجَّل علينا أننا وقعنا في فخ نظرية المؤامرة، التي تُظهر تفسيراتها الحالية إمكان تواطؤ بعض أركان السلطة في لبنان مع الراعي الأميركي لاتفاق وقف إطلاق النار لناحية إمكان تضمُّن الاتفاق بنوداً غير معلنة، أو غير منصوص عليها، ترتبط بتنفيذ أجندات أميركية وإسرائيلية تتعلق بحزب الله وسلاح المقاومة وإعادة الإعمار، يصبح من الضروري محاولة تقدير التهديدات التي تحيط بالواقع اللبناني ومدى جاهزية السلطة والدولة في لبنان لمواجهتها، وبالتالي ضرورة تقديم السلطة اللبنانية المُنتَجة حديثاً المقاربات التي يمكن أن تساعد على انتقال لبنان إلى مساحة الأمان، التي من الممكن أن تكفل عدم حدوث انفجار داخلي يجعلنا في خانة الدول المصنفة فاشلةً.
من حيث المبدأ، يظهر التسويق لإعادة إنتاج السلطة في لبنان على أنه سيشكل مدخلاً لانتقال الدولة من حالة الفشل والفوضى إلى حالة التأسيس الممنهج، والقادر على إعادة رسم أطر العلاقة بين السلطة والمجتمع من ناحية، وبين الدولة والخارج من ناحية أخرى، على أسس طبيعية سليمة ستتوافر استثنائياً لدى لبنان الدولة الفاقدة أياً من مرتكزات النشأة الطبيعية، التي أدت إلى ظهور الدولة الحديثة في الغرب. فالتصريحات، التي يواظب عليها المعنيون في الدولة اليوم، والتي توحي بانقلاب على مسار سياسي فاشل حكم الدولة اللبنانية منذ ما بعد الطائف، توحي بتوفر الأدوات اللازمة لإعادة بناء الدولة وإصلاح العلاقة بين السلطة والمجتمع، بالتوازي مع تبني سياسة الإنكار المتعمَّد لمعوّقات بناء الدولة تاريخياً، إن على المستوى الداخلي فيما يتعلق بطبيعة النظام الطائفي والمحاصصة، أو على مستوى التفاعل مع الخارج، أي ما يتعلق بما يفترضه الكيان الإسرائيلي والغرب دوراً لازماً يجب على لبنان التزامه.
يُلاحَظ في هذه المرحلة توافق رأسَي السلطة التنفيذية في لبنان على التنكر لخيار المقاومة، أو التخلي عنه، كوسيلة لحفظ السيادة ومواجهة الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية في مقابل التمسك بخيار الاعتماد على الشرعية الدولية، واستجداء الضغط الدولي على الكيان من أجل إلزامه بعدم الاعتداء على لبنان والانسحاب من أراضيه، على نحو يشكل انقلاباً على المسار الاستراتيجي، الذي نجح في مراحل سابقة في تحرير الأرض وإرساء معادلات كانت كفيلة، لفترة طويلة، بلجم الكيان الإسرائيلي، ومنعه من تحقيق مشروعه التاريخي في لبنان. في هذا الإطار، تجب الإشارة إلى أن النتائج السلبية، التي أدى إليها العدوان الأخير على لبنان، لم تكن نتيجة فشل استراتيجية المقاومة في المواجهة، بحيث إن الكيان الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي أعلنها، وإنما نتيجة تقاطع المشاريع الغربية مع الإسرائيلية مع بعض أهداف قوى الإقليم لناحية إرساء واقع إقليمي يتخطى في حدوده ما يتم تسويقه اليوم لبنانياً.
انتهی/