الدبابات الإسرائيلية والمصير المر

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۹۰۷۷
تأريخ النشر:  ۲۳:۰۴  - الخميس  ۱۸  ‫یولیو‬  ۲۰۲۴ 
لطالما عرف سلاح المدرعات الإسرائيلي بقوته وسيطرته كوحدات برية مناورة، أكان ذلك في حرب الغفران في اوكتوبر 1973 او في اجتياح لبنان في العام 1982. إلا أنه ومنذ ذلك الحين وخصوصا في لبنان بدأت تتآكل هذه الأسطورة لتسقط كليا فيما بعد خصوصا في لبنان، عام 2006 ، وذلك في وادي الحجير في لبنان خلال حرب تموز والآن في داخل فلسطين المحتلة منذ 7 تشرين وعلى الجبهة الجنوبية في لبنان، جبهة المساندة لغزة.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- تغنى الجيش الغسرائيلي طويلا بقدرات دبابات مركافا وخصوصا النمودج الأحدث ميركافا-4، معتبرا أن هذا النوع من المدرعات من شأنه ان يسحق المدرعات المعادية؛ فقد جهزت هذه الدبابة بمدفع عيار 120 ملم، وقاذف رمانات عيار60 ملم ورشاش عيار 7،62 ملم  مما يعطيها قوة نارية كبيرة. تتميز مركافا-4 بتدريع تضميني ضد الصواريخ التي تطلق من الجو أما التدريع السفلي فهو يحميها من الالغام. تم تركيب على الدباب تلك نظام الإجراءات المضادة نوع تروفي. يعمل هذا النظام بواسطة الرادارات لكشف الصواريخ المضادة للدروع أو القذائف الصاروخية والقذائف، بحيث يرمى على التهديدات تلك مقذوفات متفجرة بمثابة إجراءات مضادة لتدميرها. ونظام الحماية ككل ملائم تماما لسيناريوات المعارك في الاماكن المبنية، دائما على حد زعم الجيش الإسرائيلي. وكان من المخطط أساسا زجها كجزء من التوغل الكبير في غزة.
وفي غزة وعلى طول خط الجبه والمواجهة مع المقاومة الإسلامية في لبنان لم تكن حسابات الحقل مطابقة لحسابات البيدر إذ أصيب سلاح المدرعات بمجمله لنكسة كبيرة. ففي غزة حيث استطاع مقاتلو حماس بواسطة أسلحة بسيطة مثل شواظ بنماذجها المختلفة وصواريخ ياسين 105، وعبوات الفدائي، والـتي بي جي، العبوات التلفزونية، العبوات الرعدية الخ، أن يلحقوا أضرارا جسيمة بالمدرعات التي استقدمها جيش الإحتلال من دبابات وناقلات جند وجرافات. أما في لبنان فالوضع بالنسبة للمدرعات المعادية مأساوي أكثر بكثير، إذ أن المقاومة تستخدم أسلحة متطورة أكثر بكثير كالصواريخ الموجهة وصواريخ الماس والصواريخ البالستية والراجمات والمدفعية الخ. مستهدفة عددا واسعا من المواقع والمراكز والثكنات، والتي تضم بالطبع أعداداً كبيرة من الدبابات. 
تأكيدا على ذلك، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في شباط الماضي عن تدميرها أكثر من 1100 آلية من مختلف الانواع واكثريتها على ما يبدو من الدبابات، بحيث شملت تلك الآليات 962 دبابة و55 ناقلة جند، 74 جرافة، 3 حفارات و14 آلي أخرى  والعدد الآن اكبر بكثير ولم تحسب بعد النتائج النهائية لخسائر الجيش الإسرائيلي من المدرعات في رفح. هذا الرثم ضخم جدا بالنسب للجيش الإسرائيلي الذي أعد عددا كبيرا من دبابات مركافا-2 ومركافا -3 للدخول إلى غزة فضلا عن دبابات مركافا -4. ومنذ أيام قليلة اعلن الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى أنه خسر في معركة غزة عددا كبيرا من الدبابات، وأن العدد المتبقي من الدبابات في الخدمة لا يلبي حاجات المجهود الحربي العام ناهيك عن النقص الكبير في الذخائر.
تستخلص من هذه الارقام العالية للخسائر عدة نتائج تكاد أن تكون صادمة، لأنها تعني مباشرة الجيش الذي يصنف الرابع في العالم. بادئ ذي بدء تشكل هذه الأعداد الضخمة من الإصابات صفعة مدوية لدبابة مركافا فخر الصناعة العسكرية البرية الإسرائيلية. فقد بانت العيوب الكثيرة لهذه الدبابة بعد ان تم استخدامها بشكل يومي وكثيف في الإشتباكات، الأمر الذي اكسب مقاتلي حماس خبرة ودراية في مواجهتها ولو بوسائل بدائية.تجدر الإشارة إلى أن المركافا استخدمت آخر مرة عام 2006 ولم تكن الظروف القتالية بهذه الضراوة والشراسة اللتين نشهدهما الآن. أليست هياكل الدبابات المدمرة في الشجاعية وتل سلطان في رفح إلا الدلالة الجلية والصارخة على فشل هذه الدبابة ميدانيا؟
الأمر الثاني الذي يجب التوقف عنده بين النتائج وقد يكون الأهم، هو التخبط الذي تعانيه الأركان الإسرائيلية وعدم ايجادها الخطط المرنة والمناسبة والبديلة والقابلة للتعديل، التي تجعلها تقتصد من حجم الإصابات أكان في الأرواح أم في العتاد وخصوصا الدبابات.جدير بالذكر هنا أن الدبابات تشكل السلاح الثاني الخاص بالمناورة البرية إلى جانب المشاة وهذان السلاحان هما الاساس في أي هجوم بري واحتلال أراض ويعملان سويا ولا تنفذ أي عملية برية واسعة دون مشاركتهما، فهما يتكاملان بكل ما لهذه الكلمة من معنى. نحن إذا امام فشل ذريع على مستوى إدارة الحرب التي أثرت بشكل سلبي جدا على المدرعات وبالطبع الدبابات. لقد زجت الدبابات ولو أنها مجهزة للحرب في الاماكن السكنية ، قي بقع مكتظة بالمباني وذات طرقات ضيقة مما جعلها اهدافا سهلة الإصابة والتدمير، وكان يجب على الأركان التنبه لهذا الخطر واستدراك الوضع عندما بدأت الأمور تتدهور.
الأمر الثالث الذي اثر على خسارة الدبابات وقد يكون من عيوب العصر ، الا وهو الإتكال المفرط على التقدم التكنولوجي وعدم التركيز بشكل متلازم على العامل البشري. يكتسب العامل البشري أهمية كبيرة لأنه هو، اي سلاح المشاة، من ينهي المعارك عبر احتلال الأراضي وعمليات انهاء جيوب المقاومة ومطاردة الفلول الخ. أما في المقلب الآخر، أي حماس في موضوعنا هنا، وهذا سر قوته، فالعناصر المقاتل وغرف العمليات وسلسلة القيادة، والقيادة والسيطرة، فهي لا تملك، بطبيع الحال، الوسائل التقنية المتقدمة، فبالتالي تجد نفسها مضطرة بخلق المعجزات بما تيسر لها من إمكانيات، فضلا عن العامل النفسي الذي يلعب بشكل كبير وهو الإيمان بقضية سامية وهي تحرير الأرض مهما كلف الامر من تضحيياتولو الارواح فتلك العناصر لا تقيم وزنا للموت، الأمر الذي يزيدها شراسة. 
رابعا تصريحات المسؤولين العسكريين عن تردي الأوضاع سيترك بصمة سلبية في أذهان العسكريين الإسرائيليين المنتشرين من جهة على خطوط ومحاور المواجهة مع المقاومة اللبنانية التي تمطرهم بشتى أنواع الصواريخ والمسيرات، ومن جهة أخرى، الذين يقاتلون في الازقة والمباني في حرب شوارع طاحنة مع المقاومة الفلسطينية التي لا تكن ولا تكل ولا تمل. كان يفترض على القيادة الإسرائيلية أن تتنبه للأمر ولا تترك عسكرييها عرضة لللقتل وذلك منذ الأيام الأولى للمعارك من بعد عملية طوفان الاقصى بحد ذاتها. هذه التصاريح من شانها ان تفقد الوحدات المقاتلة تركيزها وتخفض بالتالي جهوزيتها النفسية، الأمر الذي من شأنه أن يضرب الحس المقاتل خصوصا عند طواقم المدرعات لأن الآليات مقفلة ولا تؤمن النجاة السريعة لهم. 
واخيرا، جاءت كلمة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في كرى عاشوراء لهذه السنة، لتحدث زلزالا مدويا، إذ حذر السيد نصرالله الجيش الإسرائيلي من أي مغامرة في لبنان قائلا: "إذا دخلت دباباتكم إلى جنوب لبنان لن تعانوا من نقص في الدبابات لأنه لن يبقى لكم دبابات." إن مدلولات هذا الكلام. لأنها المرة الاولى التي يطق  فيها أي زعيم تهديدا بهذه الضخام مستندا إلى وقائع حسية يعاني منها الجيش الإسرائيلي في اهم سلاح بري لديه ربما، وهو المدرعات والدبابات.وهن، لم يلعب السيد نصرالله لعبة الحرب النفسية الموجهة ضد الجيش الصهيوني والتي يتقنها ببراعة، إنما وضع يده على جرح مؤلم داخل المؤسسة العسكرية. وهدد بما يمكنه ان يفعل وينجز، والمجتمع الإسرائيلي يصدقه ولا يصدق حكامه. قد تكون هذه التهديدات موجهة ايضا إلى المجتمع الإسرائيلي لان اولاده يخدمون في الألوية والفرق المدرعة وتعد هذه الخطوة بالتالي كنوع من الضغط على الأسر الإسرائيلية ليكملوا احتجاجاتهم علّ المستوى السياسي يتخذ قرارا بانهاء الحرب. إن السيد نصرالله، عندما يقول لن يبقى لكم دبابات، مهو لا يقصد الدبابات فحسب، بل يقصد الأطقم أيضا التي ستموت كلها.
هذه المشهدية ترسم صور قاتم عن سلاح بكامله في الحيش الإسرائيلي بعد أن كان مفخرة هذا الأخير طوال عقود من الزمن. هل ستذوق الدبابات المصير المر؟ ذلك رهن بنوايا نتنياهو ومكنوناته الدفينة التي تعسر علينا الإحاطة بها او حتى توقعها، ولو ان الحرب على لبنان مستبعدة في الوقت الراهن. 

انتهي/

بقلم: يوسف ألبرت صادق/ الكاتب و المحلل اللبنانی       


   
  

الكلمات الرئيسة
رأیکم