أستراليا "الكومبارس" في لعبة الكبار

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۶۱۳۹۶
تأريخ النشر:  ۱۳:۴۵  - الخميس  ۲۳  ‫ستمبر‬  ۲۰۲۱ 
يستمر مسلسل التناحر الأميركي الصيني الذي ينطلق من إحدى أبرز النقاط اشتعالا، وهي بحر الصين الجنوبي، إلى الإحداثيات الجغرافية المكونة لهذه المنطقة، إذ تدخل دول كانت على الهامش سياسيا وجغرافيا وعسكريا لتشكل حجر الزاوية في تفجر مرتقب.

طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- تريد أستراليا، وهي الجزيرة الأكبر في العالم، والتي تتميز بمعدل تنمية بشرية واجتماعية مميز، وتعد أحد رواد عالم الشمال تنظيما ورؤى وبرامج، أن تؤدي دورا، بحسب رؤيتها، يؤرخ لوجود وحيثية تجعلها تدخل في مصاف الكبار، ولو على حساب استقرار استراتيجي متنام بعيد عن سياسة الأحلاف التي كانت بعيدة عنها لردح طويل من الزمن.
"أوكوس" هي إيذان ببدء حرب باردة جديدة أعلن عنها يوم 16 أيلول/سبتمبر، وأقطابها الصين وحلفاؤها من جانب، والولايات المتحدة وحلفاؤها من جانب آخر، وسيكون لها تأثير ضخم في الشرق الأوسط والعالم العربي قبل باقي المناطق. هذا التحالف له هدف محدد، وهو التعامل مع البيئة الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والتي تبدأ من السواحل الغربية للهند حتى السواحل الغربية للولايات المتحدة، وتجمع 24 دولة.
طموحات الصين شبه المعلنة هي السيطرة على منطقة بحر الصين الجنوبي لجعلها بحيرة صينية، وذلك بعدة طرق:
- للصين خلافات حدودية مع معظم الدول المطلة على هذا البحر، فضلا عن دول أخرى، وهدفها حسم الخلافات الحدودية بفرض الأمر الواقع، إذ تمنع مرور أساطيل الدول أو تعرقل ذلك بالحد الأدنى، وتقوم ببناء جزر اصطناعية.
- الطريقة الثانية تتمثل بتحقيق هدفها المعلن، وهو استعادة تايوان، وهي جزيرة لا يرغب تيار كبير فيها في العودة إلى الصين، إذ يعتقد الغرب أن اليوم الذي ستستعيد فيه الصين تايوان سيكون نقطة فارقة بين الصين والغرب، ما سيعزز الصين بتكنولوجيا متطورة جدا (أشباه الموصلات)، وهي على المستوى الاستراتيجي ستدافع عن نفسها بشكل فعال، ما يمكنها في ما بعد من السيطرة على مضيق ملقة، ما سيؤدي إلى نهاية الوجود الأميركي هناك.
هذا التحالف الثلاثي (الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا) له آفاق تعاون يتلخص في شيء واحد، وهو تعهد أميركي - بريطاني لدعم القدرات العسكرية الأسترالية، بحيث تصبح قادرة على ردع الصين. وقد أخذ تعزيز القدرات الأسترالية عدة أشكال:
أولا: تمكين أستراليا من امتلاك أسطول من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
ثانيا: تزويدها بقدرات صاروخية متطورة، كصواريخ "كروز" و"توما هوك"، وتعزيز قدراتها على الحرب السيبرانية واستخدام الذكاء الاصطناعي.
ثالثا: فتح الأراضي الأسترالية لمزيد من القوات الجوية الأميركية، واتخاذها قاعدة أخرى للتدخل السريع في المناطق المجاورة، لكن الإعلام ركز طبعا على البند الأول الآنف الذكر. وقد أخذ القدر الأكبر من اهتمام العالم لعدة أسباب:
أولا: هذا النوع من الغواصات لا يتوفر إلا لست دول في العالم (الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا والهند وفرنسا)، وستكون أستراليا الدولة السابعة، كما ستكون الدولة الأولى في العالم بتكنولوجيا مستوردة، إذ إن هذه الغواصات تعمل بالطاقة النووية، ولا تحمل أسلحة نووية، لكنها تستطيع حملها طبعا.
ثانيا: إن بدء التحالف بتمكين هذه الجزيرة ذات المساحة العملاقة من هذا النوع من الغواصات سيكسبها قوة عسكرية هائلة لخلفية أساسية، وهي مواجهة الصين عسكريا، والتي سيصعب عليها مواجهة نوع كهذا من الغواصات تعمل بالطاقة النووية، وتستطيع البقاء لشهور، وهي مزودة بقدرات صاروخية ويصعب تعقبها.
ثانيا: هذه الصفقة أدت إلى إثارة غضب فرنسا، وهو أمر بديهي، فالتحالف الثلاثي القائم على أسباب ثقافية وتاريخية ولغوية، وجه ضربة قاصمة لفرنسا التي اعتبرتها طعنة في الظهر، وخصوصا أن الأستراليين كانوا يعتمدون سياسة "ما بين بين" أو الحلول الوسط بين العملاقين الصيني والأميركي، ويحاولون قدر المستطاع تأمين سلامة المجاري المائية لتمرير الأنشطة الاقتصادية كافة.
وبعد إلغاء الصفقة بين أستراليا وفرنسا، والتي أسمتها فرنسا "صفقة القرن"، لما لها من منفعة كبيرة تنعش الاقتصاد الفرنسي، عاود الفرنسيون الحديث عن استقلال استراتيجي عن الولايات المتحدة، وعلت أصوات الديغوليين الجدد في دوائر القرار الفرنسية لحسم الأمور على الصعد كافة.
إن تحالف "أوكوس" جزء من تحالفات أخرى، كالتحالف الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، وتحالف العيون الخمس الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا، ولكن دولا عديدة أبدت امتعاضها من سياسة الاستثناء، مثل كندا ونيوزيلندا، إذ يبدو الشرخ عميقا ما لم تحاول الولايات المتحدة طمأنتها.
تبدو المنطقة على صفيح ساخن، إذ ينتظر العالم رد الفعل الصيني الذي يتميز دوما ببرودة جليدية ترد الصاع صاعين في أكثر من نقطة، وعلى أكثر من صعيد، ولكن الخناق يضيق، واللعب على وتر حساس يقترب رويدا رويدا من البحيرة الملتهبة.
هذه المرة، الأدوار الرئيسية على خشبة المسرح ستؤديها وجوه جديدة تعتمد على دعم القديرين والمخضرمين، والذين ما فتئوا يناوئون التنين الصيني لدفعه نحو مواجهة يختار لها المكان والزمان المناسبين، كما عودنا في السنوات الأخيرة. السباق إلى التسلح يأخذ إسقاطات مختلفة، ما سيجر إليه الكثير من القوى الدولية والإقليمية. المشهد قاتم. لنر وننتظر.

سامر كركي

انتهی/

الكلمات الرئيسة
رأیکم