يستمر الجدل في تونس حول حظر النقاب، منذ إصدار رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، يوم الجمعة المنقضي 05 يوليو/تموز 2019، منشورا حكوميا يقضي بموجبه "منع كل شخص غير مكشوف الوجه من دخول المؤسسات والمنشآت العمومية والإدارات".
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- ويستند الرئيس في ذلك إلى مبررات أمنية "في إطار الحفاظ على الأمن العام وحسن سير المرافق العمومية وضمان التطبيق الأمثل لمتطلبات السلامة". ولا يسري هذا القرار على الشوارع والأماكن العامة اعتبارا لتطلب ذلك قانونا خاصا يصادق عليه مجلس نواب الشعب.
حظر النقاب يأتي بعد أيام قليلة من الأحداث الإرهابية التي شهدتها البلاد في الأسبوعين الماضيين بعدما هز تفجيران انتحاريان منفصلان قلب العاصمة في كل من شارع شارل ديغول ومنطقة القرجاني يوم الخميس 27 يونيو/حزيران 2019، أسفرا عن مقتل شخصين وجرح آخرين. لحق ذلك إفشال مخطط إرهابي آخر كان يستهدف تجمعا سكانيا عشية الثلاثاء المنقضي، بعد تمكن الوحدات الأمنية من القضاء على عنصر إرهابي كان يرتدي حزاما ناسفا في حي الانطلاقة المحاذي لحي التضامن أكبر حي شعبي في تونس، المدعو "أيمن السميري"، والذي ثبت لاحقا أنه العقل المدبر للهجومين الانتحاريان السابق ذكرهما.
ورغم نفي وزارة الداخلية الشائعات والتصريحات بشأن ارتداء الانتحاري الذي فجر نفسه للنقاب، إلا أن الحادثة اعتبرت سندا ومبررا مشروعا لقرار رئيس الحكومة الأخير القاضي بحظر النقاب، وهو ما قسم الشارع التونسي والأطياف السياسية والنقابية إلى مؤيد يرى في القرار حفظا للأمن، ورافض يعتبره مسا بالحريات الفردية التي يكفلها دستور تونس.
ضرورة أمنية
وفي هذا الإطار، يرى رئيس كتلة حركة مشروع تونس بمجلس نواب الشعب حسونة الناصفي "أن القرار خطوة إيجابية تصب في مصلحة البلاد، خاصة في حالة الطوارئ التي تمر بها تونس منذ سنوات والحرب المستمرة على الإرهاب".
وأضاف الناصفي إلى وكالة "سبوتنيك"، أن الحكومة مطالبة في الوقت الراهن بحماية مواطنيها وتغليب المصلحة العامة، قائلا "نؤكد في كتلتنا على مزيد تدعيم هذا القرار الترتيبي ليصبح نصا قانونيا وتوسيع مجال المنع ليشمل كل الفضاءات العامة التي يرتادها المواطنين بما في ذلك الحدائق العامة المنتزهات".
ولفت الناصفي النظر إلى أن حزبه قد قدم سنة 2016 مقترح قانون يقضي بمنع ارتداء النقاب وإخفاء الوجه في الفضاءات والمؤسسات العمومية وحتى المؤسسات الخاصة والمحال التجارية والمدارس والجامعات ووسائل النقل وغيرها من الأماكن العامة، وتضمن مشروع القانون مقترحات لأنواع العقوبات التي يمكن أن تسلط على كل من لا يحترم هذا القانون.
وبسؤاله عن إمكانية أن يمس هذا المشروع من حرية اللباس، رد الناصفي أن النقاب "أصبح مَنفذا ووسيلة للتخفي يستخدمها الإرهابيون في أكثر من مناسبة"، لذلك "لا يمكن أن نتحدث عن المس من الحريات أو الحد منها لأن هناك أولويات وحياة مواطنين ولخص قوله في عبارة "الوطن أولى من كل حرية أخرى".
تأييد ظرفي
شق ثان يعتبر أن قرار حضر النقاب يمكن تفهمه في إطار وقت ظرفي اعتبارا لما تمر به البلاد من حالة توتر أمني وتهديدات إرهابية تقتضي تقديم تنازلات ولو على حساب الحريات الفردية.
وفي هذا السياق صرح رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، أن الرابطة لديها موقف قار في علاقة بالحريات الفردية، لكن "الوضع الراهن، مختلف فوجود أناس بوجوه غير مكشوفة في أماكن عمومية أو غير عمومية يمكن أن يشكل تهديدا أمنيا". مضيفا أن المعادلة الصعبة بين الحق الشخصي والمعادلة الأمنية تفرض ترجيح الكفة للثاني استنادا إلى منطق الأهمية والأولوية.
ويؤكد مسلم في الآن ذاته، أن مبدأ مناصرة حرية اللباس قائم، مشددا على ضرورة احترام حرية المرأة وعدم استعمال جسدها وخصوصياتها لأغراض أخرى. مذكرا أن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان قد تصدت قبل الثورة لقرار منع الحجاب في حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي ورفضت أن يكون النقاب مصدر تهديد أو تطرف. مؤكدا أن الدستور التونسي يضمن حرية المعتقد واللباس في إطار الدفاع عن الحريات الفردية.
تضييق على الحريات الفردية
في المقابل، تعالت أصوات أخرى تندد بقرار حظر النقاب باعتباره تعديا صارخا على حقوق الإنسان وعلى الحريات الدينية، خاصة وأن تونس تمثل نموذجا عربيا متفردا في الترويج للحريات المشتركة والحفاظ على الديمقراطية.
ويتمسك الناشط السياسي راشد الخياري بموقفه من هذا القرار الذي يمس من حرية الأفراد في الملبس، ويهدد حرية النساء المسلمات، وأكد الخياري أنه تواصل مع أكثر من 20 محاميا من أجل رفع قضية لتعطيل العمل بهذا القرار لتعارضه مع الفصل السادس من الدستور التونسي، والذي ينص على حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية.
وأضاف أن منشور حظر النقاب "غير شرعي اعتبارا لكون رئيس الحكومة اتخذ القرار دون العودة إلى مجلس نواب الشعب، الجهة الدستورية الوحيدة المخول لها تمرير مثل هذه القرارات".
ووصف الخياري الدواعي الأمنية بأنها "مجرد ذرائع واهية وسبل ملتوية لتحقيق غايات سياسية ضيقة خاصة وأن تونس قادمة على معترك انتخابي في الأشهر القليلة القادمة".
و أضاف الخياري أن هذا المرسوم ما هو إلا نسخة أخرى من المنشور 108 المعمول به في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي ينتهك حرية اللباس وحرية الاختلاف بمنع ارتداء الحجاب والنقاب داخل المؤسسات التابعة للدولة، والذي صدر سنة 1981 في فترة حكم الرئيس الأول لتونس بعد الاستقلال الحبيب بورقيبة وتواصل العمل به في عهد بن علي.
جدل قانوني
ومن الناحية القانونية، يؤكد المحامي صادق كريم، أن القراءات في هذا الموضوع تتباين، "فمن ناحية أولى ينص الدستور التونسي على أن جميع التونسيين متساوون في الحقوق والحريات، كما يضمن حرية المعتقد والضمير واستنادا لذلك فإن منشور حظر النقاب يعد تعديا على القانون وتضييقا على الحريات".
ومن ناحية ثانية يمكن الإقرار بمشروعية هذا القرار، استنادا إلى حجج موجودة أيضا في الدستور والتي تجيز وضع ضوابط وقيودا على الحريات الفردية في الحالات الضرورية بهدف حماية حقوق الغير وفقا لما يقتضيه الأمن العام للبلاد، وهو ما ينطبق على الوضع الراهن الذي تمر به البلاد.
جدل قانوني، يجزم كريم أنه كان سيُحسم في حال وجود المحكمة الدستورية التي تخول إمكانية الطعن في عدم دستورية القوانين والمناشير الحكومية والأوامر الترتيبية.
ويذكر أنه في سنة 2014، أصدر وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو أوامر تقضي بالمراقبة المكثفة لكل من يرتدي النقاب باعتباره تهديدا للأمن العام.
ولم يسمح في تاريخ تونس بلبس النقاب، إلا بعد ثورة 14 من يناير/كانون الثاني 2011 بعدما أسقط العمل بالمنشور 108 المانع لارتداء الحجاب والنقاب في مؤسسات الدولة، وهو ما رفع نسبة النساء المحجبات والمنقبات في تونس بشكل لافت.
ومنذ إصدار رئيس الحكومة يوسف الشاهد لمنشور حضر النقاب، انظمت تونس إلى قائمة الثلاث دول العربية التي تمنع ارتداء النقاب في الهياكل والمنشآت التابعة للدولة، وهي الجزائر والمغرب ومصر.
انتهى/