لعل اغلب المحللين والخبراء والمراقبين اتحفونا بمقالاتهم وتحليلاتهم وناقشوا الامور التي يريدها الرئيس الاميركي دونالد ترامب من الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي تنازل عنها الواحدة تلو الاخرى بفعل مقاومة ايران وحنكتها، ولكن قلما بحث هؤلاء عن: ماذا تريد طهران من ترامب ومن اوروبا؟
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- قلنا في مقال سابق، ان طهران حققت نصرا دبلوماسيا، في فيينا يوم الجمعة الماضي، حيث عقد اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، وحددناه بالدبلوماسي، لأنه لم يرقَ بعدُ الى واقع ملموس يلبي طموحات ايران، ولكنه كان خطوة الى الامام اذ حصلت الجمهورية الاسلامية الايرانية على تأكيد من الاطراف المتبقية في الاتفاق النووي (بعد انسحاب ترامب منه) على ضرورة تنفيذ ما وقعوا عيه والتزموا به ضمن الاتفاق، خاصة من الثلاثي الاوروبي (ألمانيا وبريطانيا وفرنسا).
هذا الامر أكد عليه عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية الايراني في الشؤون السياسية، وهذا يعني ان مطالب طهران لم تتم تلبيتها حتى الآن من قبل اوروبا. فماذا تريد طهران من اوروبا؟
بالحقيقة ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تريد حقوقها المشروعة التي اعترفت القوى الست العالمية، خلال المفاوضات النووية الماراثونية التي استغرقت عدة سنوات، وتكللت بالتوقيع على الاتفاق النووي، في 2015، اي انها تريد الانتفاع من فوائد هذا الاتفاق في تحقيق التواصل الطبيعي بما فيها التبادل التجاري الذي يليق بمكانتها مع دول العالم دون اي قيود. لكن ما حصل كان مخيبا للآمال بشكل كبير، فانسحب ترامب من الاتفاق، واوروبا تماطل منذ سنة، ولم تحصل منها ايران الا على الكلام والوعود.
لذلك فإن ايران وبالحرف الواحد، وبكل وضوح، تريد من اوروبا ان تدفع اميركا على العودة الى الاتفاق النووي، الذي حظي بتأييد مجلس الامن الدولي، واعتبر وقتها اكبر انجاز للدبلوماسية في إنهاء واحدة من اعقد القضايا التي دوخ الغرب بها العالم لأعوام طويلة، رغم سهولة الحل لو توفرت الارادة لديه.
وتريد ايران من اوروبا ان كانت عاجزة عن إعادة ترامب الى الاتفاق، ان تضمن على الاقل انتفاع الجمهورية الاسلامية الايرانية من فوائد الاتفاق النووي، وخاصة في المجال الاقتصادي والتعامل بحرية مع دول العالم دون اية قيود. ولا نظن ان هذا ايضا اوروبا قادرة عليه، فهي عاجزة امام اميركا، كما انها مسلوبة الارادة امامها، الا ان تحصل معجزة وتنقلب اوروبا على حليفها الاستراتيجي في الضفة الاخرى من الاطلسي.
وأما ما تريده ايران من ترامب، فهي تريده ان يعود الى الاتفاق النووي، وأن ينهي حالة العداء المتأصل لدى الادارة الاميركية ضد الشعب الايراني، ويضع حدا للحظر الجائر غير المبرر، وأن يعترف بالجمهورية الاسلامية الايرانية قوة اقليمية لها وزنها، ولا يمكن لأي مشروع سياسي في المنطقة ان ينجز بدون مشاركتها فيه ومباركتها له. وإن لم يكن ترامب قادرا على إنهاء العداء، فعلى الاقل، تريد طهران منه، ان يحترم ارادتها واستقلاليتها، وأعتقد ان هذا الامر سيلبيه ترامب، طوعا او كرها. نظرا لما تملكه ايران من خيارات ونظرا لتعاملها بحنكة وصبر ايجابي منطلق من موقف قوة، فضلا عن الرد الحاسم فيما اذا تجاوز خطوطها الحمراء، مثلما فعلت في إسقاط طائرته التجسسية المسيرة الاكثر تطورا والاعلى ثمنا. فهل سيتعظ ترامب؟ نأمل ذلك.
انتهی/