مصاديق الاستدارة الكاملة للسياسة الاماراتية، ازاء ما يجري في منطقتنا، وخاصة ازاء العدوان الذي تشارك فيه بشكل فاعل، ضد الشعب اليمني، تتوالى بشكل متسارع، بدءا من تغريدات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، ومرورا بتصريحات وزير الخارجية عبدالله بن زايد، وانتهاء بأنباء تقليص الامارات لوجودها العسكري في اليمن.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- قرقاش، المعروف بمواقفه "الصقورية" ازاء علاقة بلاده مع الجيران، غيّر نبرته، وغرد حول ضرورة تسوية التوترات في الخليج الفارسي سياسيا، وايلاء الازمات التي تواجه المنطقة اهتماما جماعيا، بينما تراجع عبدالله بن زايد عن اتهامه المتسرع لايران بوقوفها وراء تفجيرات الناقلات ، واعلن من موسكو، ان بلاده لا تُحمّل اي دولة مسؤولية تلك التفجيرات، فيما نقلت وكالات انباء غربية ومنها رويترز، انباء عن سحب الإمارات بعض قواتها من ميناء عدن ومن الساحل الغربي لليمن وبالتحديد من الحديدة، بسبب ما اسمته هذه المصادر، بالتهديدات الأمنية الناتجة عن تزايد التوترات بين امريكا وإيران.
التصريحات والمواقف والاجراءات التي اتخذتها الامارات خلال الايام القليلة الماضية، تصب في صالحها قبل كل شيء، فالامارات تقترب، ولاول مرة ومنذ سنوات، من الواقع وتتحرر من الاوهام ، فالحديث عن الحلول السياسية لازمات المنطقة ، وعدم الاندفاع بهذا الشكل المتهور في الحرب الاقتصادية التي تشنها امريكا ضد ايران، والكف عن الامعان في قتل وتجويع ومحاصرة الشعب اليمني المسلم بهذا الشكال الفظيع، هي مواقف يفرضها الواقع، رغم انها جاءت متأخرة.
اسباب عديدة كانت وراء الوهم الذي عاشه بعض مسؤولي الامارات خلال السنوات الماضية، منها استضعاف اليمنيين، والثاني الثقة العمياء بامريكا، الاول جعل الامارات تتمادي في غيها وتواصل العدوان على الشعب اليمني، من دون ان تتوقع اي ردة فعل لهذا الشعب على الجرائم التي ترتكبها في اليمن، ولكن الضربات الموجعة التي وجهها الجيش اليمني واللجان الشعبية الى عمق دول العدوان، ومنها الامارات، حررت مسؤولي الامارات من بعض الوهم الذي يعانون منه.
اما الثقة العمياء بامريكا، والتي كانت السبب الثاني خلف الوهم الاماراتي، فقد اهتزت بدورها هزا عنيفا، بعد اسقاط طائرة التجسس الامريكية العملاقة والباهظة الثمن "غلوبال هوك" بصاروخ من صنع ايراني، بمجرد دخولها في الاجواء الايرانية، فالامارات، وهي تعيش حالة الوهم، اعتقدت جازمة ان امريكا سترد على ايران هذه المرة لا محالة، بعد ان امتنعت في المرات السابقة عن اتخاذ اي اجراء عسكري ردا على تفجير الناقلات، فاذا بها تتفاجأ، بتصريحات ترامب حول اسقاط ايران للطائرة عن طريق الخطأ!، داعيا طهران مرة اخرى للتفاوض.
حديث ترامب عن عدم اهمية الخليج الفارسي لبلاده، بعد ان اصبحت امريكا اكبر منتج للنفط في العالم، ودعوته للصين واليابان الى تحمل المسؤولية في حماية السفن التي تحمل نفوطها من المنطقة وعدم الاتكال على امريكا، هي بدورها ساعدت على دفع الامارات من الخروج من نفق الوهم الذي حشرت نفسها فيه.
الرد الايراني الحازم والقاطع والشجاع على انتهاك الطائرة الامريكية للاجواء الايرانية، وطيران الطائرات المسيرة اليمنية فوق المطارات والمنشات الاماراتية الحيوية، والتقاطها صورا واضحة لهذه الاهداف، وعجز امريكا عن توفير الحماية لخطوط الملاحة، ولا حتى لطائراتها وقواتها، يجب ان يشكل دافعا قويا للامارات، في ان تفكر مليا، كما بدات تفكر الان، من ان مسؤولية امن منطقة الخليج الفارسي، هي مسؤولية دول المنطقة ذاتها، ولا مصلحة لاي دولة من دولها في تعرض هذا الامن للخطر، وهو امن لطالما تلاعبت به امريكا، عبر خلق الفتن والاضطرابات ، من اجل تسويق اسلحتها وحلب دولها، دون اي مبرر.
ماجد حاتمي / العالم
انتهى/