بعد حوالى ثمانية اشهر من تقطيع جثته وتغييبها والضجة التي اثيرت حول هذه الجريمة البشعة آنذاك ، وخمدت بعد الدعم الصريح الذي ابداه سمسار الادارة الامريكية للبقرة الحلوب، عاد ملف قتل الصحفي السعودي جمالى خاشقجي الى الواجهة ثانية اثر التقرير الاخير الذي اصدرته ، مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحالات القتل والإعدام خارج نطاق القانون.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- أنييس كالامار ، اشارت في تقريرها الذي خلص إلى أن قتل خاشقجي يشكل "جريمة قتل خارج نطاق القانون"، وأن الرياض وشخص ولي العهد السعودي مسؤولان عنها ، الى توفر أدلة موثوق بها تستدعي المزيد من التحقيق بشأن المسؤولية الفردية للمسؤولين السعوديين، بمن فيهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان .
التقرير شكل صدمة للسعودية التي كانت تعول على حلفائها للتقليل من وطأته ، بل وانقاذها من هذه الورطة التي تسبب بها اميرها الغر كما هو الحال في الملفات السياسية الاخرى التي تولى مسؤوليتها ، ولذلك وبمجرد انتشاره بادر وزير الدولة للشؤون الخارجية ، عادل الجبير الى التشكيك في مصداقيته عبر كيل الاتهامات والتحذيرات لمعديه في محاولة يائسة للتاثير على الراي العام والمنظمات الدولية واستجداء الحكومات الحليفة .
لكن المحاولة باءت بالفشل لحد الان حيث كانت الجمعية العامة للامم المتحدة ومنظمة هيومن رايتس ووتش سباقة في دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بالشروع في تحقيق جنائي كامل في اغتيال خاشقجي، على النحو الذي أوصت به كالامار. ولم تكتف هيومن رايتس ووتش بهذا القدر بل طالبت مجلس حقوق الإنسان بإنشاء آلية لمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، مؤكدة أن على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دعم العقوبات على أعضاء القيادة السعودية المسؤولين عن هذه الانتهاكات المستمرة لا سيما ولي عهدها.
الولايات المتحدة وكما هو ديدنها حاولت وعلى لسان احد مسؤوليها بالخارجية ، امتصاص الصدمة عبر التصريح بأنها تدرس تقرير كالامار دون أبداء أي موقف بشأنه سوى بعض الدعوات العامة لوقف الانتهاكات . لكن مشرعين بارزين في هذا البلد كان لهم راي آخر، حيث اعربوا عن قلقهم من أن تكون مصالح الرئيس دونالد ترامب المالية هي التي تحرك السياسة الأميركية تجاه دول بعينها . أما رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام فقد ذهب الى ابعد من ذلك حين اكد بأن جريمة قتل خاشقجي تمت بتوجيه من أشخاص مقربين من ولي العهد السعودي ، وأن الأمر تم بعلم وبموافقة هذا الأخير.
تقرير كالامار شكك ايضا في المحاكمة التي تجريها السعودية نظرا الى فشلها في الوفاء بالمعايير الإجرائية الدولية وبالمعايير الموضوعية، وهو ما اثبتته الانباء التي اشارت الى اطلاق سراح المتهمين الرئيسيين بالملف ، داعية إلى تعليقها وبدء مجلس الأمن بتدشين تحقيق جنائي وذلك لإعداد ملفات قوية عن كل المتهمين والتوصل لآليات من أجل مساءلة رسمية.
وكان خاشقجي قتل على أيدي عملاء سعوديين في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، داخل قنصلية بلاده باسطنبول وقطعت جثته اربا اربا وتم اخفاء اثار الجريمة . السلطات السعودية أقرت، بعد أن أصدرت العديد من التصريحات المتناقضة، بجريمة قتل خاشقجي لكنها حاولت تحميل الفريق المباشر كامل المسؤولية عن الجريمة لابعاد الشبهات عن الامير الغر الذي لا يشك اي أحد في تورطه حتى ترامب نفسه .
اذا ، عاد ملف "خروف العيد" – كما يصف القتلة خاشقجي وفق تسجيلات جديدة تم الحصول عليها وتقشعر لها الابدان - الى الواجهة ، لكن تحقيق العدالة لازال بعيد المنال ، نظرا لوجود سمسار في الادارة الامريكية لا يعير القوانين والمواثيق الدولية أي اعتبار ولا يفكر سوى بالارباح ، فضلا عن اموال البترودولار .
احمد سعيد / العالم
انتهى/