فرنسا نحو الإستبداد!

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۸۸۱۲
تأريخ النشر:  ۰۹:۵۸  - الثلاثاء  ۲۶  ‫مارس‬  ۲۰۱۹ 
لم تقع أعمال عنف واسعة النطاق في 23 من آذار (مارس)، اليوم التاسع عشر من أيام الاحتجاج الأسبوعية التي تنظمها «حركة السترات الصفر» منذ انطلاقتها. لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد قرر للمرة الأولى اللجوء إلى الجيش للمساعدة على حفظ النظام.

فرنسا نحو الإستبداد!طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - لم يحدث ذلك في التاريخ المعاصر، إذا استثنينا مرحلة حرب الجزائر، إلا عند قمع إضرابات عمال المناجم سنة 1947، التي سحقتها شرطة الوزير الاشتراكي آنذاك، جول موش.

أثار هذا القرار سجالات حادة. لا يقتصر الأمر على استنفار جنود غير مهيّئين لمهام حفظ النظام، بل الأنكى أنهم جزء من القوات المشاركة في عملية «الحراسة» المخصصة لمكافحة الإرهاب وليس للإسهام في مواجهة حركة احتجاج اجتماعي. رغم ذلك، فإن المسؤول العسكري عن منطقة باريس، الجنرال برونو لو راي، رأى أن الجنود «لديهم وسائل متعددة للتعامل مع الاحتمالات شتى، وأن بإمكانهم حتى استخدام الرصاص الحي في حال تعرض حياتهم أو حياة الأشخاص الذين يقومون بحمايتهم للخطر».

الجيش، من جهته، يبدو متردداً، وعلى الأغلب لم يتم التشاور مع قيادته قبل اتخاذ هذا القرار. عسكري سابق قال في مقابلة مع موقع «ميديابار»: «كيف يستطيع المسؤول العسكري عن منطقة باريس التصريح بأن الجنود سيقومون بالرد إن تعرضوا للتهديد؟ علينا التذكير بحقيقة بديهية، هي أن مهمتنا ليست إطلاق النار على المواطنين». وهو يؤكد، وقد بلغ من العمر 85 عاماً، أن حرب الجزائر تركت في نفسه جروحاً عميقة: «لقد أرسلت للقيام بمهام حفظ نظام ضد متظاهرين يدافعون عن حقوقهم. كنت في مواجهة نساء وأطفال. كانت اللحظات الأسوأ التي قضيتها خلال حياتي المهنية. كيف نستطيع احتواء التظاهرات عندما نكون مسلحين ببنادق؟ وحدها الأنظمة الديكتاتورية تقتل المتظاهرين».

رئيس حركة «فرنسا المتمردة»، جان لوك ميلانشون، تساءل من جهته: «ماذا بعد؟ هل يطلق الجنود النار؟ إنه دور الشرطة! مهما كانت الظروف، لا يستطيع الجيش ولا ينبغي أن يحل في مكان الشرطة»، قبل أن يوجه كلامه إلى فرنسوا بايرو، وزير يمين الوسط السابق، والمؤيد لماكرون: «لقد جننتم!».

لا يمكن فهم اللجوء إلى الجيش سوى أنه إجراء تصعيدي جديد من سلسلة إجراءات قمعية تتعرض لها «السترات الصفر» منذ بدايتها. فبحسب الصحافي دافيد دوفرين، الذي أسّس موقعاً لتعداد حالات العنف البوليسي ضد الاحتجاجات، تم التبليغ عن 565 حالة، بينها 227 إصابة في الرأس و22 إصابة في العين و5 قطع لليد وقتيل واحد. ويبدو أن استخدام البندقية القاذفة للكرات الدفاعية، الممنوعة في الكثير من البلدان الأوروبية، يفسر عدد الإصابات وطبيعتها.

المقلق أيضاً هو القرارات العديدة التي اتخذت، والتي تحدّ من حرية التظاهر. فبعد التصويت على قانون يعطي المحافظين حق اختيار الأشخاص الذين يسمح لهم بالتظاهر، تم إصدار مرسوم يتيح فرض غرامة على أي متهم بالمشاركة في تظاهرة ممنوعة. وقد أنزلت غرامات باهظة بأشخاص كانوا موجودين في أماكن مُنع فيها التظاهر.

توالت أيضاً الاعتقالات العشوائية. «رابطة حقوق الانسان» رأت أن «السلطة التنفيذية قد شرعت، عبر خطوات متتالية وبتهميش جميع السلطات الموازية، في استخدام أساليب قمع وسيطرة مبالغ فيها تهدد الطبيعة الديموقراطية لنظامنا السياسي». الإجراءات التي كانت تقتصر على ميدان مكافحة الإرهاب باتت تشمل اليوم جميع الاحتجاجات الاجتماعية. هذا ينطبق مثلاً على القمع الشرس لتحركات طلبة المدارس الثانوية. فخوفاً من انضمامهم إلى احتجاجات «السترات الصفر»، لجأت السلطة في ظرف أسبوع واحد إلى اعتقال 3000 منهم، وهو أمر لا سابق له بالنسبة إلى غير الراشدين. ويُظهر فيديو انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، يذكّر بمشاهد حرب الجزائر، كيفية اعتقال عناصر الشرطة عدداً كبيراً من شبان «مانت لا جولي» وهم يجثون على رُكَبهم وأياديهم خلف رؤوسهم.

احتج ماكرون على نقد «مجلس حقوق الإنسان» في الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي لفرنسا لاستخدامها المفرط للعنف، معتبراً أنها تُعامل كأنها دولة مارقة من دول الجنوب. لكنه رفض التطرق إلى مضمون هذا النقد الذي تبنّته أيضاً «منظمة العفو الدولية»، في تقرير شديد اللهجة حيال باريس أصدرته أخيراً، وهو أن سلطتها تسعى إلى إعادة النظر في حق التظاهر.

آلان غريش / جريدة الأخبار

انتهى/

رأیکم