تبذل السعودية جهوداً جبارة لمحاولة تلميع صورتها لدى الغرب، التي تشوهت بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في أكتوبر الماضي بقنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية، على يد فريق متخصص في الاغتيالات يتبع مخابرات المملكة ومرتبط بولي العهد محمد بن سلمان.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - الحادثة التي يمر عليها اليوم 2 فبراير 4 أشهر كاملة، سلطت الضوء على سجل حقوق الإنسان داخل المملكة ودورها في حرب اليمن، الأمر الذي دفع إلى إدانات دولية على نطاق واسع، وأجبر حكومات غربية على وقف مبيعات السلاح للرياض.
وبعد أن أعلنت تركيا أن الرياض غير متعاونة في قضية التحقيق، سعت أنقرة جاهدة لتدويل التحقيق وهو ما نجحت فيه نسبياً، حيث كلفت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أجنيس كالامارد، وهي مقررة أممية حول عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، بالتحقيق في الجريمة ووصلت إلى تركيا يوم الاثنين (28 يناير 2019) لهذا الغرض.
ومع انتهاء أعمال كالامارد في إسطنبول يوم السبت (2 فبراير 2019)، تكون قضية خاشقجي قد أتمت شهرها الرابع دون أن تصل يد العدالة إلى من أصدر الأمر المباشر بالقتل، في حين أصبحت المحققة الدولية على قناعة بتورط ولي العهد السعودي شخصياً في الجريمة.
ونقلت صحيفة "حرييت" التركية عن مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ياسين أقطاي، قوله: إن "لجنة الأمم المتحدة ترى أن ولي العهد السعودي هو المسؤول الرئيسي عن مقتل خاشقجي".
تساؤلات تثار على الصعيد الدولي اليوم، حول الأسباب التي جعلت الكشف عن ملابسات القضية يأخذ كل هذا المدى الزمني رغم وضوح تفاصيلها، وهل هناك محاولات لصرف المسؤولية عن ولي العهد السعودي خدمة لمصالح إقليمية.
مساومات دولية
وعلى الرغم من مضي أربعة أشهر على الجريمة، لا يزال العالم ينتظر الإجابات حول تفاصيلها الوحشية، التي لا تزال غير معلومة حتى الآن، بما في ذلك مصير جثة خاشقجي الذي لم يعرف حتى اليوم.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس زيدان خلف، يرى أن إطالة أمد الكشف عن الحقيقة الكاملة أمر متعمد، ويجري بتنسيق وتعاون ما بين الرياض وواشنطن.
وقال في حديثه لـ"الخليج أونلاين": إن "المملكة تماطل عبر إطالة أمد التحقيقات، ولولا الضغط الدولي لمدت تحقيقاتها الى أعوام أملاً أن ينسي التقادم الزمني العالم وقع الجريمة، وهو في الحقيقة أمر تحقق بشكل نسبي للأسف".
وأضاف: "المسار الثاني للمماطلة كان بتوجيه التهمة إلى بعض أدوات التنفيذ، فالعسيري والقحطاني لا يزالان حرين طليقين، بل إن تقارير تحدثت عن ممارسة الأخير مهامه المعتادة بحرية"، مستدركاً أن الرياض "تأمل بذلك أن يتم توجيه التهمة بعيداً عن محمد بن سلمان عبر تقديم بعض أكباش الفداء".
وتابع خلف حديثه بالقول: "ما جرى في القنصلية السعودية ليس لغزاً، فالحقائق الأساسية معروفة لكبار المسؤولين الأتراك والأمريكيين، ولدى أنقرة تسجيل صوتي للحظات خاشقجي الأخيرة، وهي التسجيلات التي استمعت لها مديرة وكالة المخابرات الأمريكية جينا هاسبل، وأنا لا أذيع سراً إذا قلت إن أمريكا تتنصت على كل العالم، وأن معرفة الحقيقة تأخذ بضعة أيام إن لم أبالغ وأقول بضع ساعات، والدليل على ذلك تسريب المخابرات الأمريكية جانباً من حوار الأمير خالد بن سلمان سفير المملكة في واشنطن مع ولي العهد، والذي تحدثا فيها عن رصد خاشقجي وتوجيهه إلى قنصلية إسطنبول".
وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن "ما يعيق المؤسسات الأمريكية عن كشف الحقيقة هي المصالح الإسرائيلية فقط، فثمة قناعة في واشنطن وتل أبيب أن شخصاً غير بن سلمان لن يكون مستعداً لتقديم تنازلات وتطبيع الأوضاع وتهيئة المنطقة لصفقة القرن المشؤومة"، مشيراً إلى أن "حمايته لا تقتصر على الرئيس ترامب كما يبدو ظاهر الأمر، بل تتعداه للمؤسسات الأمريكية التي أصدرت بيانات واضحة تدين بن سلمان كما هو الحال مع الكونغرس، وتقرير المخابرات الأمريكية، والإدانة متحققة بالدليل القاطع، لكن ما بعد الإدانة هو ما يجري المماطلة فيه لإنقاذ بن سلمان مهما كان الثمن".
مسار القضية
وقُتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ورفضت الرياض بداية الاعتراف بذلك، لكنها عادت واعترفت بوقوع الجريمة بعد 18 يوماً من النفي والإنكار، تحت ضغط تسريبات الصحف التركية والأمريكية لتفاصيل الجريمة التي رصدتها استخبارات البلدين.
وأعلنت النيابة العامة في منتصف نوفمبر، أن من أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه)، في المقابل صعدت أنقرة ضغوطها، وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، وسعود القحطاني المستشار السابق لولي العهد محمد بن سلمان، للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.
ومرت القضية قبل وصولها إلى أدراج المحاكم السعودية ومنصة الأمم المتحدة بعدة مراحل، تراوحت شداً وجذباً بين أنقرة والرياض، وترقب ورصد من قبل المجتمع الدولي؛ وهو ما انعكس تبايناً في المواقف.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة، إلى محاكمة 18 مشتبهاً به سعودياً في إسطنبول، وقال: "كل أولئك الذين لعبوا دوراً في جريمة القتل يجب أن يعاقبوا"، ولم يشر أردوغان صراحة إلى الأمير محمد بن سلمان.
وأكد أن جريمة القتل خُطّط لها قبل تنفيذها بأيام، وطالب بالكشف عن المسؤول الذي أعطى الأوامر إلى المشتبه بهم.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سجل موقفاً متقدماً في الدفاع عن عدم تورط القيادة السعودية بالجريمة، ففي 17 أكتوبر الماضي علق على الاتهامات الموجهة لها قائلاً: "مرة أخرى نجد أنفسنا أمام موقف أنت مذنب حتى تثبت براءتك".
وبعد إعلان النائب العام السعودي يوم 20 أكتوبر، أن التحقيقات الأولية أظهرت أن المناقشات بين خاشقجي والأشخاص الذين قابلوه أدت لوفاته، قال الرئيس الأمريكي إن الإعلان السعودي بشأن وفاة جمال خاشقجي "خطوة جيدة وكبيرة ذات مصداقية."
وأشار إلى أن "القيادة السعودية كانت صادقة معنا فيما يتعلق بهذه القضية"، مؤكداً أن "أطرافاً ثالثة شاركت في التحقيقات السعودية، وأن التفسير السعودي موثوق به".
وفي 3 يناير 2019 أعلنت النيابة العامة السعودية عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، لكن الأمم المتحدة اعتبرت المحاكمة "غير كافية"، وجددت مطالبتها بإجراء تحقيق "شفاف وشامل".
ولعل التقرير الذي تعده كالامارد وسينشر في نهاية مايو المقبل، قبل جلسة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في يونيو المقبل، سيكون موقفاً دولياً متقدماً، يضع الأسرة الدولية أمام مسؤولياتها في حماية حقوق الإنسان وحق التعبير بحرية، ويجعل أنقرة تفكر في خياراتها التالية في إطار ما يؤكد مسؤولوها بشكل دائم، وفي أكثر من مناسبة، أنها ستذهب إلى أبعد مدى ممكن في عملية التدويل.
انتهی/