فنزويلا ليست ليبيا ولا العراق.. والتدخل الأمريكي العسكري فيها محكوم بالفشل

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۵۰۱۲
تأريخ النشر:  ۰۹:۱۵  - الأَحَد  ۲۷  ینایر‬  ۲۰۱۹ 
بعد أن دمرت الولايات المتحدة الأمريكية معظم دول الشرق الأوسط، ابتداء من العراق ومرورا بسورية وليبيا وانتهاء باليمن، ها هي تريد تكرار سيناريو التدمير، وفرض الحِصارات نفسها في أمريكا الجنوبية، ابتداء من فنزويلا التي فرضت عليها حصارا تجويعيّا خانقا انتقاما من سياساتها الاشتراكية الداعمة لقضايا الحق في العالم، ومحاولة لإرهاب الآخرين في المنطقة الذين يفكرون في تبني نهجها الاستقلالي، ومعارضة الهيمنة الأمريكية.

فنزويلا ليسَت ليبيا ولا العِراق.. والتَّدخُّل الأمريكيّ العَسكريّ فيها مَحكومٌ بالفَشلطهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب الذي ادّعي كذبًا مًعارضته للتدخل العسكريّ في العِراق، ولأسبابٍ انتخابيّة صرفة، ها هو يُحاول السير علي نهج جورج بوش الابن، وغزو فنزويلا، وتغيير نظام الرئيس المُنتخب نيكولاس مادورو، خليفة هوغو شافيز، الذي تحدّي أمريكا وهيمنتها، وانحاز للفُقراء في جميع أنحاء العالم، خاصَّةً في أمريكا وبريطانيا، عندما أرسل إليهم النفط مجّانًا، ودعم الشعبين الفِلسطينيّ والإيرانيّ، علاوةً علي السوري، في مُواجهة الحِصارين الأمريكيّ والإسرائيليّ، وأدان المُؤامرة في سورية وقبْلها في العِراق.

نعم، اقتصاد فنزويلا في حالةٍ من الانهيار، والناتج القوميّ انخفض إلي النِّصف العام الماضي، ونسبة التَّضخُّم وصلت إلي حواليّ مليون في المِئة، ولكن هذا الانهِيار لم يأتِ بسبب سُوء الإدارة مثلَما يُروّج “الخُبراء” الذين يقِفون في خندق أمريكا، وإنّما لسببِ الحِصار الخانِق والمُحكَم.

علّمتنا تجارب العِراق وليبيا واليمن وقِطاع غزٍة أنّه عندما تضع الحُكومات الأمريكيّة خُططًا لتغيير الأنظمة التي تُعارض هيمنتها، وترفض سيطرتها علي أسعار النفط، وتُقاوم الغطرسة الإسرائيليّة، تلجأ إلي الحِصار الاقتصاديّ، لإضعاف الأنظمة الوطنيّة المُستَهدفة وتضَع الزُّعمَاء، والمجموعة المُحيطة بهم، علي قوائِم الإرهاب، لإرهابها، وزعزعة استقرارها الداخليّ، تَحريضًا لشُعوبها علي الثورة والتَّمرُّد، وبِما يبرر التدخل العسكريّ ويُسَهِّل مَهمّاته.

فنزويلا ليست ليبيا أو العِراق، لأنّ الظروف تغيّرت، وأمريكا لم تعد صاحبة الكلمة العُليا في العالم، القادِرة علي استِصدار قرارات من الأُمم المتحدة ومجلس أمنها لتبرير جرائمها، وتوفير الغِطاء الأُممي لها، وما حَدث في مجلس الأمن بالأمس مِن سُقوط مُهين لمشروع القرار الأمريكيّ بالاعتِراف بالرئيس الانتقاليّ الجديد خوان غويدو إلا التَّأكيد الأوضَح لِما نقول.

اليوم هُناك الثنائي الروسيّ الصينيّ المَدعوم مِن قِويً إقليميّة عُظمي مِثل إيران وتركيا والمكسيك والهند وجنوب أفريقيا، والقادِر علي النُّزول إلي ميدان التَّحدِّي بكُل قوّة وصلابة، في وَجه مشاريع الهيمنة الأمريكيّة.

أمريكا ستَجِد صُعوبةً كبيرةً لتنفيذ مُخَطّطها في تغيير النظام في فنزويلا، وفرض رجلها غويدو رئيسًا، لأنّ المؤسسة العَسكريّة الفنزويليّة تدعم الرئيس مادورو وتعتبره الرئيس الشرعيّ، وتَرفُض الانقِلاب الأمريكيّ، وكذلِك هو حال المحكمة الدستوريّة العُليا.

أن يقوم غويدو بزيارة سرية إلي الولايات المتحدة، ويُعرّج علي حُلفائها، أو بالأَحري عُملائها، في البرازيل وكندا وكولومبيا والأرجنتين، ويعود ليُعلِن نفسه رئيسًا، وتَبادُر إدارة ترامب بالاعتِراف به خلال دقائق فهذا نَوعٌ جَديدٌ مِن “الانقِلابات” غير المسبوقة، ألم يُطالِب الرئيس ترامب وزير دفاعه جيمس ماتيس ومُستشاره للأمن القوميّ السابق إتش آر ماكماستر بوضع خُطّة لغزو فنزويلا واغتِيال الرئيس بشار الأسد.

مَن هو الاتحاد الأوروبي حتّي يُوجِّه إنذارًا إلي الرئيس مادورو بضَرورة إجراء انتِخابات حُرّة ونزيهة في غُضون ثمانية أيّام وإلا سيتم سحب الاعتِراف بِه كرئيسٍ ومَنحِه لخَصمه زعيم المُعارضة، هل الاتّحاد الأُوروبي يملك شرعيّة دوليّة في هذا المِضمار، وهل أصبَح بَديلًا عن الأُمم المتحدة؟ وهل ما زِلنا نعيش في القرن التاسع عشر زمن الاستِعمار الأُوروبي؟

نعم.. هُناك مليون نازح فنزويلي هاجروا إلي دول الجِوار بسبب الأوضاع المعيشيّة الصعبة في بلادهم، ألا يُذكّرنا هؤلاء بعشرة ملايين لاجِئ ونازح سوري، وثلاثة ملايين ليبي، ومجاعات وأوبئة تَحصُد أرواح الشعب اليمني، وقبلها مِليونا لاجئ عراقيّ إلي سورية والأُردن، ولا يُمكِن أن ننسي اللاجئين الفِلسطينيّين، ألم يُهاجِر هؤلاء نتيجةً للتَّدخُّلات والحِصارات والحُروب الأمريكيّة الإسرائيليّة التي تدعمها ودول الاتّحاد الأوروبي؟.

نَقِف في خندق مادورو في مُواجهة هذه المُؤامرة الأمريكيّة دون أيّ تَردُّد، ليسَ لأنّه رئيس مُنتَخب حصل علي 67 بالمِئة مِن الأصوات في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة (أيّار الماضي)، وإنّما أيضًا لأنّه رفض الهيمنة الأمريكيّة، وانحازَ إلي الفُقراء، وطالَب بأسعار عادلة للنفط، ولا يَملُك قُصورًا أو طائرات فارِهَة، ويعيش حياةً بسيطةً، ويرتدي الملابس التي يَرتديها شعبه، ولم يُغَيِّر قميصه الأحمر، مِثل مُعلّمه شافيز، وفَوق كُل هذا وذاك وقَف دائمًا في خندق القضايا العادلة وعلي رأسِها قضيّة العرب الأُولي، ورفض الحُروب والحِصارات الأمريكيّة في المِنطَقة.

المشروع الأمريكيّ انهَزم في سورية والعِراق وفي إيران، وقمّة ترامب في وارسو انهارَت قبل أن تبدأ، والحِصار النفطيّ علي إيران يتآكَل، وصفقة القرن ماتَت وتَحلَّلت، وإسرائيل تعيش قلقًا وجوديًّا بسبب صواريخ المُقاومة، ولهذا نحن علي ثِقةٍ بأنّ أيّ تَدخُّل عسكريّ أمريكيّ في فنزويلا سيَفشل ويُعطِي نتائج كارثيّة ستَرتَد دَمارًا علي أصحابِه، فهذه الغطرسة الأمريكيّة يَجِب أن يتم وضع حدّ لها وفي أسرع وقتٍ مُمكِن، وإلا فإنّ عالمنا سيَتَّجِه نحو فوضي دمويّة.. وربّما تكون الأزَمَة الفنزويليّة الحاليّة هي البِداية.. والأيّام بيننا.

راي اليوم : عبد الباري عطوان

انتهى

رأیکم