ظلت الحكومة التركية بزعامة رجب طيب اردوغان تناور في مسألة إقامة منطقة امنة او عازلة منذ عدة سنوات وتراوحت مواقفها بين القبول والتشجيع والسعي لأقامتها وبين رفض اقامتها بشكل مطلق.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - هذا الموقف المتناقض ما هو الا امتداد للمواقف التركية المتقلبة تجاه العديد من القضايا فمعلوم ان تركيا، ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، وهي تدعو إلى إنشاء منطقة عازلة أو آمنة في شمال سوريا، لمواجهة تدفق اللاجئين ومنع ظهور منطقة حكم ذاتي للأكراد على حدودها.
في 29 نوفمبر 2011، أعلن وزير الخارجية التركي حينها أحمد داود أوغلو أن بلاده قد تقرر، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، فرض منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، في حال ازداد تدفق اللاجئين الفارين من النزاع.
وأثارت وسائل الإعلام التركية فكرة إقامة منطقة عازلة لحماية المدنيين تجاه ما عرف ب"قمع النظام السوري".
وطرح المجلس الوطني السوري، الذي كان الائتلاف الرئيسي للمعارضة، الاستناد الى مساعدة خارجية لاقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي لحماية المدنيين في شمال سوريا.
وفي 26 يوليو 2012، اتهم إردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك، دمشق بأنها وضعت خمس مناطق في شمال سوريا في عهدة حزب العمال الكردستاني و فرعه السوري، حزب الاتحاد الديموقراطي للاساءة لتركيا.
وقال "منطقة آمنة، منطقة عازلة، كل ذلك يشكل جزءا من الخيارات التي لدينا".
وفي منتصف يوليو 2012، انسحب الجيش السوري دون قتال من بعض المناطق الكردية وانتشر المقاتلون المقربون من حزب العمال الكردستاني، مما أثار غضب تركيا.
وطلب وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو، في 30 اغسطس 2012 من مجلس الامن الدولي، اقامة مخيمات داخل الاراضي السورية من اجل ايواء اللاجئين السوريين الذين يحاولون الفرار من اعمال العنف الدائرة في بلدهم. إلا ان طلبه قوبل بالتحفظ.
وفي 9 اكتوبر 2014، طالب وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو بانشاء "منطقة آمنة، منطقة حظر جوي" وقال "إنها ضرورية لأسباب إنسانية ومن أجل نجاح العملية" ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وردت الخارجية الروسية بالقول إن إنشاء منطقة عازلة في شمال سوريا يتطلب الحصول على موافقة مجلس الأمن الدولي.
وحض إردوغان، في نوفمبر 2015، من جديد الاسرة الدولية على تاييد اقتراحه اقامة منطقة آمنة داخل الاراضي السورية.
وقال اردوغان "لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة اكثر للتوصل الى حل يشمل اقتراحنا لاقامة منطقة امنة لا ارهاب فيها".
وفي 13 فبراير 2017، أشار إردوغان إلى ان "هدفنا هو (اقامة) منطقة مساحتها اربعة او خمسة آلاف كلم مربع خالية من الإرهابيين".
وفي 25 يناير 2017، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلة بثتها محطة اي بي سي نيوز ان الحكومة الاميركية ستنشئ مناطق آمنة لاستيعاب النازحين السوريين.
وكانت مناقشة إنشاء مثل هذه المناطق قد جرت تحت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. لكن الجيش الأميركي شدد على أن تنفيذ الأمر يتطلب وسائل عسكرية كبيرة للغاية.
وأمر ترامب، في 19 ديسمبر، بشكل مفاجئ، بسحب نحو ألفي جندي أميركي ينتشرون في شمال شرق سوريا، في حين كانت تركيا توجه تهديدا بشن عملية عسكرية وشيكة ضد المقاتلين الأكراد، حلفاء واشنطن ضد تنظيم داعش الارهابي، الذين تعتبرهم أنقرة جماعة إرهابية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحزب العمال الكردستاني.
ودعا إلى إقامة منطقة آمنة عرضها أكثر من 30 كلم في سوريا على طول الحدود التركية، واعلن إردوغان أنّ قواته ستتولى إقامة هذه المنطقة بين الحدود التركية ومواقع الوحدات الكردية، التي تدعمها واشنطن.
وسارعت موسكو، أبرز حلفاء دمشق امس الاربعاء (16 يناير) إلى رفض هذا الاقتراح. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف "نحن على قناعة بأن الحل الوحيد والأمثل هو نقل هذه المناطق لسيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن السورية".
وذكر لافروف أن موسكو ستقيّم المبادرة التركية بشأن إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا على ضوء تطورات الوضع في سوريا عموما.
وأشار لافروف أن مسألة المنطقة الآمنة ستطرح على أجندة لقاء القمة المتوقع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في وقت لاحق من يناير الجاري.
وقال الوزير الروسي إن الأولوية في المسار السوري تكمن في الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة سوريا، مشيرا إلى أن تركيا والولايات المتحدة وغيرهما من أعضاء الأمم المتحدة وافقتوا على هذا الهدف.
وتابع: "بطبيعة الحال، ستكون المصالح الأمنية لدول المنطقة بما فيها تركيا جزءا من الاتفاقات التي سنسعى إليها".
وجاء هذا التصريح بعد يوم من إعلان أردوغان عن توصله إلى تفاهم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري من قبل تركيا بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا.
على الصعيد ذاته وحول التفجير الانتحاري الذي حصل امس الاربعاء في مدينة منبج السورية وقتل خلاله 20 شخصا بينهم 5 جنود أمريكيين قال أردوغان إن هجوم منبج ربما هدفه التأثير على قرار الانسحاب الأميركي من سوريا.
وأضاف أردوغان: "هذه الحادثة ربما هدفها التأثير على القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة والسيد (دونالد) ترامب. لكن لأنني رأيت عزم السيد ترامب في هذا الخصوص (الانسحاب من سوريا) أرى بأنه لن يتراجع بسبب وقوع العمل الإرهابي (في منبج). لأنه في حال حدث تراجع فإن هذا يكون انتصارا لداعش".
وأعلنت جماعة "داعش" الوهابية، مسؤوليتها عن التفجير الذي وقع الأربعاء، بمدينة منبج التي يسيطر عليها تنظيم "ي ب ك/ بي كا كا" شمالي سوريا.
وفي مسألة محاربة "داعش"، أكد أردوغان عزم بلاده تضييق الخناق على هذه الجماعة الارهابية باستمرار وإنهائها في سوريا.
وشدد على أن بلاده عازمة على القضاء على "داعش" وبقية التنظيمات الإرهابية في سوريا.
وأشار الرئيس التركي إلى "حملات التضليل" التي تشن حول أن بلاده تستهدف "الأكراد" في سوريا. مؤكدا أن هذه الادعاءات ملفقة وأنه لو صح ذلك لما استضافت تركيا حاليا من "عين العرب" السورية لوحدها 300 ألف كردي.
وشدد على أن تنظيم ب ي د/ ي ب ك قام بممارسات وحشية ضد الأكراد والمسيحيين والأراميين بسوريا حسب قوله.
وعلى الصعيد السوري اكدت وزارة الخارجية السورية ردا على تصريحات الرئيس التركي بشان اقامة منطقة امنة في شمال سوريا أن دمشق "مصممة على الدفاع عن شعبها وحرمة أراضيها".
وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية إن "الجمهورية العربية السورية تشدد على أنها كانت وما زالت مصممة على الدفاع عن شعبها وحرمة أراضيها ضد أي شكل من أشكال العدوان والاحتلال بما فيه الاحتلال التركي للأراضي السورية بكل الوسائل والإمكانيات".
وأكد المصدر أن "محاولة المساس بوحدة سوريا لن تعتبر إلا عدوانا واضحا واحتلالا مباشرا لأراضيها ونشرا وحماية ودعما للإرهاب الدولي من قبل تركيا والذي تحاربه سوريا منذ ثماني سنوات".
وقال المصدر تعليقا على تصريحات الرئيس التركي إنها "تؤكد مرة أخرى على أن هذا النظام راعي الإرهابيين في حوارات أستانا، لا يتعامل إلا بلغة الاحتلال والعدوان ولا يمكن أن يكون إلا نظاما مارقا متهورا غير مسؤول يتصرف بشكل مستمر بما يتناقض مع أبسط مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن عن توصله إلى تفاهم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إنشاء "منطقة آمنة" بشمال سوريا، مشددا على أن أنقرة "لن تسمح بوجود إرهابيين" قرب حدودها في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها تركيا تنظيما إرهابيا كتنظيم "داعش".
انتهى/