صحيح أنّ الإطار العام لقرار سحب الولايات المتحدة لقواتها من سورية واضح ولا جدال فيه. ونعني بالتحديد الهزيمة الاستراتيجية للمشروع الصهيوأميركي الذي كان يرمي الى تفتيت المنطقة وتحويلها محميات إسرائيلية – تركية خدمة للأهداف والأطماع الأميركية في إعادة فرض سيطرتها الأحادية الجانب على العالم. تلك السيطرة التي بدأت تتآكل بعد بدء مرحلة الصعود المضطرد للقوة العسكرية الروسية والصينية والإيرانية، الى جانب القوة الاقتصادية الصينية التي تهدّد سيطرة الولايات المتحدة بشكل مباشر وخطير للغاية.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - أما الإطار الأكثر تحديداً، لاتخاذ قرار سحب القوات، فيتمثل في محاولة الالتفاف على انتصارات محور المقاومة، ومعه روسيا، ذات الطبيعة الاستراتيجية الهامة الانتصارات ،
لذلك فإننا لا نرى أنّ قرار الانسحاب الأميركي من سورية يعبّر عن نية الولايات المتحدة في الكفّ عن العبث بشؤون الدول العربية والاسلامية، وكذلك الأمر العبث بشؤون روسيا والصين، وانما هو عبارة عن تكتيك جديد تتبعه الإدارة الأميركية لتحقيق الأهداف التي فشلت في تحقيقها، منذ عام 2005 وحتى الآن، في المنطقة والعالم. إذ انّ الولايات المتحدة قد فشلت في:
1 ـ ضرب الجيش السوري وتدميره في لبنان وسورية، على قاعدة القرار 1559 والذي كان معدّاً بشكل ترفضه الحكومة السورية ثم تقوم القوى صاحبة القرار باستصدار قرار من مجلس الأمن لضرب الجيش العربي السوري، ايّ إعادة تطبيق سيناريو الكويت مع الجيش العراقي. ولكن حكمة وحنكة القيادة السورية قد أفشلت هذا المخطط.
2 ـ كما فشلت في ضرب حزب الله والمقاومة الإسلامية وتدمير قدراتهما العسكرية في عدوان 2006 على لبنان مما دفعها الى تكتيك تفجير لبنان من الداخل، عبر عملائها المعروفين في لبنان، كما حصل في أيار عام 2008.
3 ـ فشلت في ضرب المقاومة في قطاع غزة، عبر سلسلة حروب بدأت أواخر عام 2008/ بداية 2009 واستمرت حتى قبل أسابيع قليلة.
4 ـ فشل المشروع الأميركي الصهيوني في تدمير سورية، ضرباً لقلب محور المقاومة، والسيطرة على اليمن، عبر العميل السعودي، ونجاح قوى المقاومة، بالتعاون مع الجيش والحشد الشعبي، في العراق من تحرير معظم أنحاء العراق من القوات البديلة للقوات الأميركية هناك والتي هي قوات داعش. تلك العصابات التي ليست سوى جحافل من المرتزقة الذين، كانت ولا زالت، تديرهم القيادة المركزية في الجيش الأميركي ومقرها الدوحة / قطر، بتمويل سعودي إماراتي قطري.
من هنا، ومن واقع الاقتناع الأميركي بفشل كلّ تلك المخططات، لجأت الإدارة الأميركية، من خلال البنتاغون طبعاً، إلى تغيير في تكتيكاتها العسكرية في المنطقة دون تغيير في الأهداف الاستراتيجية المتمثلة في ما يلي :
تعزيز السيطرة الأميركية على العراق، بعد الفشل في سورية، وذلك دون استخدام او استقدام قوات أميركية كبيرة الى العراق، وإنما عبر إعادة انتشار للقوات الأميركية في كل من سورية والعراق، بحيث يُعاد تأهيل فلول داعش، في كلّ من العراق وسورية، ودعمها بعناصر من التشكيلات التي تُشرف عليها غرفة العمليات الميدانية الأميركية في التنف من قوات العبدو / أسود الشرقية…. الى جانب عصابات قسد من الناحية السورية.
وهذا يتطلب إنشاء نقاط قيادة وسيطرة أميركية في المناطق التي ستكلف داعش بالتحرّك فيها من جديد، مثل مناطق الحدود العراقية السورية، من القائم حتى التنف، ومنطقة غرب وجنوب غرب محافظة الأنبار العراقية، وصولاً الى منطقة النخيب ووادي القذف، وادي حوران، وادي ثميل، وادي أم الوز، ومكر الذئب. وهذه جميعها مناطق تحظر القوات الأميركية على أيّ قطعات عسكرية عراقية الدخول إليها كما تحظر على الطيران العراقي الاقتراب منها.
ولعلّ البعض يذكر محاولات الجيش الأميركي السيطرة على قاعدةH3 في غرب الأنبار قبل أسابيع عدة، تلك المحاولة التي تبعها إرسال قوة أميركية مجوقلة، الى قضاء النخيب قوامها سريتان كاملتان، أيّ حوالي 180 جندياً، وذلك لمنع سيطرة الحشد الشعبي على هذا المحور الاستراتيجي الهام الموصل الى عرعر السعودية جنوباً والرطبة/ الحدود الأردنية، وكذلك الأمر الى عكاشات باتجاه الحدود السورية.
وهذا يعني أنّ مَن يسيطر على هذه المحاور يسيطر على خط الرمادي/ الحدود الأردنية ذي الطبيعة الاستراتيجية التي سنبينها لاحقاً.
يتضح مما تقدّم انّ إعادة الانتشار العسكري الأميركية في سورية سحب القوات وفِي العراق إعادة توزيعها ، في محافظات العراق الشمالية الأكراد والغربية الأنبار تهدف الى ما يلي إعادة الانتشار :
أ خلق شبكة مراكز قيادة وسيطرة أميركية متكاملة، لإدارة وتشغيل العصابات المسلحة والمناورة بتشكيلاتها، ليس فقط في محافظة الأنبار وإنما لتفعيلها من جديد في محافظتي صلاح الدين وديالى بشكل خاص، وذلك بهدف إيصال الفوضى الى الحدود العراقية الإيرانية، تسهيلاً لنقل الفوضى وعمليات التخريب إلى داخل إيران.
ب تحقيق هدف السيطرة على محافظتي ديالى وصلاح الدين، مع الإشارة الى وجود داعشي فاعل في منطقة حمرين وجبالها ومنطقة جنوب الحويجة، وربط منطقة السيطرة هذه مع مناطق غرب الأنبار المذكورة سابقاً يتيح المجال للأميركيين بقطع التواصل الجغرافي بين سورية وإيران عبر العراق. وهو هدف استراتيجي تعمل الولايات المتحدة الأميركية على تحقيقه للأسباب المعروفة للجميع.
ج كما أنّ الولايات المتحدة، إذا استطاعت تحقيق خطتها هذه، المتمثلة في السيطرة على مناطق استراتيجية في العراق من خلال تشكيلات العصابات المسلحة التي تقوم بتشغيلها، فإنها ستحقق هدفاً استراتيجياً آخر يتمثل في قطع التواصل، أو طرق الإمداد، الاستراتيجي عن طريق البر، من روسيا عبر إيران والعراق الى سورية. علماً انّ طرق الإمداد هذه على درجة كبيرة من الأهمية في حال نشوب صراع عسكري عالمي، إذ إنّ الاسطول الروسي والقوات الجوفضائية الروسية المرابطة في سورية، ستصبح معزولة عن قواعدها الخلفية وبالتالي قد تتعرّض طرق إمدادها، عبر مضيق البوسفور او مضيق جبل طارق للتوقف، مما يحوّلها الى قوات «قيد الإبادة مع وقف التنفيذ». وهذا يعني أنها ستتحوّل قوات محاصرة ليس أمامها سوى الاستسلام او القتال حتى الموت.
د إذن هدف إعادة الانتشار هو:
تحسين المواقع الأميركية في التصدي لإيران او لمواجهة التوسع الإيراني، حسب ما يقول الأميركيون.
التقليل من الخسائر الأميركية، المادية والبشرية، من خلال القتال باستخدام عصابات مسلحة محلية… تذكروا موضوع فتنة الحرب…!
مواصلة استخدام فزاعة داعش لإطالة أمد الفوضى في المنطقة.
ولكن كلّ هذه التكتيكات والخطط الأميركية محكومة بالفشل، اذ انّ حجم الهزيمة التي لحقت بمشروعهم في المنطقة، لا تسمح بترميم قوتهم في الميدان، نقصد سورية والعراق واليمن ولبنان وفلسطين، تماماً كما حصل مع الجيوش الألمانية الهتلرية إثر هزيمتها في معركة ستالينغراد، في شهر شباط سنة 1943، والتي حاولت، عبثاً، استعادة زمام المبادرة الاستراتيجي في الميدان، واستمرت في التراجع حتى سقطت عاصمة الرايخ الثالث، برلين، في أيدي الجيوش السوفياتية بقيادة المارشال شوكوف يوم 8/5/1945. وهذا بالضبط ما سيحصل مع الحلف الصهيوأميركي الرجعي العربي والذي ستواصل قواته عجزها وتراجعها أمام قوات حلف المقاومة الى أن نصل يوم تحرير القدس ودخول جيوش حلف المقاومة اليها منتصرة رافعة راية النصر على أسوارها.
ولعلّ قيام الحكومة العراقية، وبضغط من البرلمان والأحزاب السياسية التي تعتبر نفسها أحزاباً وطنية، بالطلب السريع من القوات الأميركية الانسحاب الكامل من العراق، التعجيل في الوصول الى يوم اختتام المرحلة الأخيرة من الهجوم الاستراتيجي لقوات حلف المقاومة ودخول القدس محرّرين مساجدها وكنائسها. كما انّ موضوع ضرورة طلب الحكومة الأميركية رسمياً انسحاب القوات الأميركية من العراق ما هو إلا فرصة للعراق ليتخلص من بقايا الاحتلال الأميركي وأذنابه المحليين الذين يعرقلون محاولات القوى العراقية الوطنية الحشد الشعبي بمثابة النواة إعادة العراق الى مجده السامي ودوره العربي الإسلامي الطليعي.
وتلك الأيام نداولها بين الناس.
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
محمد صادق الحسيني - البناء
انتهى/