سمير القنطار.. جريحا، أسيرا، شهيداً

وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء

رمز الخبر: ۳۲۷۲۴
تأريخ النشر:  ۱۰:۴۴  - السَّبْت  ۲۲  ‫دیسمبر‬  ۲۰۱۸ 
لم تكن القضية الفلسطينية، في يومٍ من الأيام، قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل كانت ومازالت هي قضية العرب في كل مكان. فلأجلها قدّم العرب آلاف الشهداء ومئات من الأسري، إذ لم تخلُ دولة عربية من المشاركة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي أو التمثيل داخل سجونه ومعتقلاته منذ احتلاله لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967، فكان هناك أسري مصريون ولبنانيون وأردنيون وسوريون وعراقيون ومغربيون وسودانيون وجزائريون وتونسيون وسعوديون وليبيون وغيرهم.

سمير القنطار.. جريحا، أسيرا، شهيداًطهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - وهؤلاء جميعا يشكلون مفخرة للشعب الفلسطيني. فهم الذين سطروا سويا مع إخوانهم الفلسطينيين أروع صفحات الوحدة والتلاحم والنضال العربي المشترك في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. وهم من سطروا كذلك صفحات مضيئة خلف قضبان سجونه. لذا ستبقي الذاكرة الفلسطينية تحفظ أسماءهم عن ظهر قلب. كيف لا وهم جزء من التاريخ الفلسطيني والحركة الأسيرة ! وسمير القنطار واحد منهم.

'سمير القنطار' لبناني من مواليد عام 1962، وقد عشق فلسطين منذ طفولته، وانخرط في فصائل الثورة الفلسطينية في ريعان شبابه، وحمل البندقية بشجاعة وتقدم الصفوف دفاعاً عن فلسطين وثراها، وتخطي الحدود وتجاوز حقول الألغام، وعبر البحر إلي نهاريا شمال فلسطين علي متن زورق مطاطي مع مجموعة من رفاقه ليقاوم المحتل الإسرائيلي وجهاً لوجه، وليساهم في استعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

'سمير' قاوم واشتبك، وقتل وجرح العديد من جنود الاحتلال، قبل أن تنفذ ذخيرته، ويصاب بعدة رصاصات وينزف دمه ليروي ثري الوطن الفلسطيني، فيقع أسيراً في قبضة المحتل الإسرائيلي. فتعرض لأبشع صنوف التعذيب، دون مراعاة لإصابته، وخط علي جدران زنزانته بقطرات من دمه أولي حروف مرحلة جديدة في مسيرة حياته. كان ذلك في الثاني والعشرين من نيسان/ابريل عام 1979. وهو ذات التاريخ الذي أعتمد في الأجندة الفلسطينية يوما للأسير العربي، تكريما ووفاء لكل هؤلاء الذين ناضلوا وضحوا واعتقلوا لأجل فلسطين وقضيتها العادلة.

وفي الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير عام1980 اصدرت المحكمة الإسرائيلية المركزية في تل ابيب حكماً ضده بالسجن المؤبد (مدي الحياة) خمس مرات، بالإضافة الي 47 عاماً.

أمضي 'سمير' ربع قرن من الزمن، زادهم أربع سنوات، بل وأكثر من ذلك ببضعة شهور، في غياهب سجون الاحتلال لأجل حرية فلسطين وثراها و حقوق شعبها، ودخل قسرا قائمة 'جنرالات الصبر' وهو المصطلح الذي يُطلقه الفلسطينيون علي من مضي علي اعتقالهم أكثر من ربع قرن، وهو بذلك يُعتبر 'عميد الأسري العرب' علي مر التاريخ وليس فقط اللبنانيين، باعتباره أكثرهم قضاء للسنوات في سجون الاحتلال بشكل متواصل. هكذا يسجل التاريخ الفلسطيني والعربي، وهكذا تحفظ الحركة الأسيرة في سجلاتها.

وعلي امتداد سنوات أسره، تعرض 'القنطار' للقهر والظلم وقسوة المعاملة كباقي الأسري الفلسطينيين، لكن لربما معاناته تفوق معاناة الآخرين جراء حرمانه من زيارة أهله وأقربائه طوال فترة سجنه، إلا أن ذلك لم يكسر إرادته، ولم يهز ما فيه من معنوياته عالية، فظل 'سمير' ثابتا بشخصيته وملتحما مع إخوانه، ونسج علاقات وطنية واسعة مع كافة الأسري علي اختلاف انتماءاتهم الحزبية، فأحبهم وأحبوه، وتحلي بأخلاق عالية وشجاعة قل مثيلها. فانخرط في الحياة الاعتقالية والنضالية والتنظيمية، وكان نداً قوياً للسجان وما يمثله، وحاضراً دوماً في قلب المعركة، وكان مشاركاً وقائداً في كل المواجهات خلف القضبان بما فيها الإضرابات المفتوحة عن الطعام وما يُطلق عليها بـ'معارك الأمعاء الخاوية'.

وقد شارك 'الشهيد' بفاعلية في تحقيق الانتصارات وتطور مسيرة الحركة الأسيرة. لذا اعتبر واحدا من قيادات الحركة الأسيرة وأحد أعمدتها الأساسيين طوال فترة سجنه. هكذا عرفناه في السجون وهكذا يشهد له رفاقه واخوانه وممن عايشوه في سجون الاحتلال.
في العشرين من آيار/مايو 1985 رفض كيان الاحتلال اطلاق سراحه ضمن صفقة التبادل التي أجرتها الجبهة الشعبية-القيادة العامة. ثم أصر مرة أخري علي رفض إطلاق سراحه ضمن صفقة التبادل التي أنجزها حزب الله في كانون ثاني/يناير عام 2004. ثم تحقق وعد الحزب الصادق بتحرير سمير أخيراً في 2008.

عاد سمير إلي لبنان حراً منتصراً، ليقول: 'لم أعد من فلسطين إلا لكي أعود إلي فلسطين'. فمن لا يعرف سمير، لا يعرف انتصارات المقاومة.

في 19 ديسمبر 2015، كان موعد سمير مع الشهادة قد حان. فاستهدفت غارة اسرائيلية صاروخية العمارة السكنية التي يقطنها في 'جرمانا' القريبة من العاصمة السورية. فصعد إلي الله كما كان في قلوب الفلسطينيين واللبنانيين والعرب.

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة (أسير محرر وكاتب مختص بشؤون الأسري)

انتهى/

الكلمات الرئيسة
رأیکم