نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن تأجيل المملكة العربية السعودية طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام، الذي كان من المقرر أن يحدث في وقت قريب. ويبدو أن التأجيل غير المعلوم في خطة المملكة لمشاركة أسهم الشركة سيتسبب في فجوة كبيرة في خزائن الدولة.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تأجيل بيع حصة صغيرة من أسهم شركة أرامكو السعودية للنفط يطرح تساؤلا هاما حول كيفية إدارة الدولة لمواردها المالية، وكذلك تضع علامات استفهام حول الخطط التي وضعتها المملكة لتنويع مصادر الدخل. ومن المفترض أن الشركة تهدف إلى جمع 100 مليار دولار، مقابل بيع 5 بالمئة من أسهمها.
وأفادت الصحيفة بأن السبب وراء هذا الطرح يرجع إلى خطط المملكة حول تنويع مصادر الدخل القومي للبلاد، من أجل خلق وظائف جديدة تحتاجها الدولة. ومع مرور الوقت، من المفترض أن تتمكن المملكة من التخلص من اعتمادها الكلي على النفط كمصدر أساسي للدخل. وقد جاءت تلك الفكرة في الدراسة التي نشرتها شركة ماكنزي، الرائدة في مجال استشارات الأعمال، سنة 2014. ثم تبناها ولي العهد، محمد بن سلمان، سنة 2016، ضمن مشروعه لتطوير المملكة "رؤية 2030".
في الحقيقة، كانت تلك الفكرة رائعة، فالسعودية كانت بحاجة لتنويع مصادر دخلها، والعثور على مصادر جديدة. ولكن كان هناك مشكلة في آلية تنفيذ الفكرة وتحويلها من مجرد فكرة إلى رؤية كبيرة يمكن تطبيقها في الواقع، إلا أنه لا يوجد أموال الآن للتنفيذ.
وذكرت الصحيفة أن السعودية تحتاج أن يصل سعر برميل نفط "خام برنت" إلى 70 دولارا، حتى تتمكن من تحقيق التوازن في ميزانيتها. ولكن في الوقت الحالي، لا تمتلك السعودية الأموال الكافية من أجل إنفاق جديد على مشروعاتها العملاقة. وبهذا، فهناك بعض المشاريع في "رؤية 2030"، التي لن تجد مصدرا للتمويل. في الحقيقة، كانت فكرة إنشاء مدينة كبيرة في الصحراء الشمالية للمملكة، بتكلفة 500 مليار دولار، ضربا من خيال، فبعض الأفكار كانت مجرد ترويجا للسياحة.
وأوضحت الصحيفة أن فكرة إنشاء مصادر أخرى للطاقة، على غرار الطاقة المتجددة، لتعتمد عليها المملكة بدلاً من النفط، هي فكرة أكثر نجاعة، حيث يمكن استغلال الطاقة الشمسية الهائلة في السعودية بصورة جيدة، والحفاظ على النفط قليلا، خاصة أن إهدار النفط في المملكة بلغ مستويات غير عادية. فعلى الرغم من أن المملكة لا يعيش فيها سوى 30 مليون نسمة، إلا أن استهلاك النفط فيها يعادل ما تستخدمه ألمانيا والمملكة المتحدة معا، اللتين يبلغ عدد سكانهما مجتمعين 147 مليون نسمة.
بالطبع، قد تلجأ المملكة إلى الاقتراض الإضافي أو بيع بعض الأصول غير الحساسة للدولة، لتحقيق التوازن في ميزانيتها. لكن خلق موارد جديدة من أجل تنويع مصادر الدخل لا يأتي إلا من خلال طريق واحد، وهو أن تسعى المملكة إلى زيادة أسعار النفط، وفي الوقت ذاته، التقيد في الإنفاق.
وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك لن يكون سهلا، فسعر برميل النفط يرتبط بالحصص المحددة لكل دولة في منظمة الأوبك. ولكن لا يمكن إغفال المشكلات التي تعاني منها إيران وليبيا، والأهم من ذلك، المشاكل التي تغرق فيها فنزويلا، والتي قد تكون مفيدة للمملكة. ومع ذلك، ما زال سعر برميل النفط لم يتجاوز 40 دولار، وهو أقل سعر له منذ أربع سنوات. ومن أجل دفع السعر لأعلى، يجب تغيير ميزان العرض والطلب.
فمن ناحية العرض، تسعى الولايات المتحدة لجعل صادرات إيران من النفط تساوي صفرا. ولكن يبدو أن مسعى الولايات المتحدة سيبوء بالفشل في ظل رفض أوروبا للعقوبات ضد إيران، ورغبة بعض الشركاء التجاريين لإيران في مواصلة التعامل معها، على غرار الصين والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى.
أما من ناحية الطلب، فعلى سبيل المثال، يعتمد النمو الاقتصادي المستمر في الصين على الحلول الناجحة لمشاكل الاقتصاد، وأن تخرج الصين بنتيجة إيجابية من نزاعها التجاري مع الولايات المتحدة. ومن أجل أن تضمن المملكة العربية السعودية ارتفاع عائداتها من النفط، عليها أن تقلل من تصديره للخارج، حتى ترفع سعره، وكذلك من أجل تغطية خسارتها من الكميات المفقودة في الداخل.
وذكرت الصحيفة أن كل تلك الحسابات غير مجدية، خاصة أن المكاسب -وفقا للحسابات السابقة- قد تهوى سريعا في حال ارتفع إنتاج الولايات المتحدة من نفط الصخر الزيتي، أو في حال قررت فنزويلا الاستقرار في إنتاجها من النفط. في الواقع، تستطيع السعودية خفض إنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل في اليوم، وقد تؤتي هذه الفكرة ثمارها سريعا، لكن نتائجها ستكون عكسية على الصعيد الدولي.
حيث ستمتلك السعودية في غضون فترة قصيرة احتياطي نفط ضخم للغاية، وبالفعل، سيجعلها ذلك من أكثر الاقتصادات المميزة في العالم، لكنها قد تجعل الاختيارات أمام الدول الأخرى المنتجة للنفط محدودة للغاية أو غير متاحة بالمرة. ولكن الحقيقة مختلفة تماما عن ذلك، فبسبب زيادة الاحتياج للطاقة أصبحنا نعيش في سوق للمستهلكين، وأصبحت قدرة المنتجين محدودة.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن السعودية، التي عاشت أيام رخاء بسبب تصديرها للنفط، لن تستطيع التكيف مع فكرة الحد من تصديره، وإذا سعت لتطبيقها لن يزيدها ذلك إلا خسارة. وبالتالي، يصبح طرح أسهم شركة أرامكو للبيع مجرد وهم تصدره المملكة. وآن للسعودية أن تتخلى قليلا عن فانتازيا "رؤية 2030"، والتركيز على خطط عملية من أجل إدارة اقتصاد البلاد بطريقة ناجحة، والتكيف مع الواقع.
انتهی/