طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- هذه القمة، وهي الرابعة للزعيمين في سوتشي منذ بداية العام الجاري، حظيت بأهمية خاصة على أصعدة عديدة.
وتناول الرئيسان القضايا المتعلقة في مجال الطاقة، واتفقا على إزالة العقبات في طريق إنشاء وتشغيل محطة "آق قويو" للطاقة النووية، ومشروع خط أنابيب الغاز "السيل التركي".
ووقعت تركيا وروسيا في ديسمبر / كانون الأول 2010، اتفاقا للتعاون في إنشاء وتشغيل "محطة آق قويو" بولاية مرسين جنوبي تركيا.
وتبلغ تكلفة المشروع حوالي 20 مليار دولار أمريكي، وسيسهم في تعزيز أمن الطاقة في تركيا، وإيجاد فرص عمل جديدة.
فيما جرى توقيع مشروع "السيل التركي" بمدينة إسطنبول التركية (شمال غرب) خلال أكتوبر / تشرين الأول 2016، ويشمل مد خطي أنابيب لنقل الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، وسينقل كل خط 15.75 مليار متر مكعب سنويا.
وبعد محادثات الطاقة، كانت تطورات الأزمة السورية هي ثاني أهم قضية ناقشها الرئيسان، حيث اتفقا على ضرورة إيجاد حل سياسي.
كما ناقشا العلاقات بين روسيا ومنظمة "ب ي د" الإرهابية في سوريا، واستمرار عملية أستانة بشأن سوريا (تركيا وروسيا وإيران هي الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا).
وتطرق الزعيمان أيضا إلى رفع القيود المفروضة على المنتجات الزراعية بين البلدين، وإعادة تعديل نظام التأشيرات بما يتماشى مع الفترة التي سبقت 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2015، والتعاون القوي في مجال السياحة.
ويلاحظ كذلك أنه جرى تبادل الأفكار بشأن مبادرة روسية محتملة لحل أزمة إقليم "ناغورني قره باغ" (يقع في أذربيجان، وتحتله أرمينيا)، لكن لم يتم الكشف عن التفاصيل.
ـ هل تعود العلاقات إلى مستويات ما قبل إسقاط الطائرة؟
خلال اللقاء قال الرئيسان أردوغان وبوتين إنه يمكن القول إن العلاقات الثنائية عادت عامة إلى مستويات ما قبل الأزمة (الخاصة بإسقاط المقاتلة الروسية فوق الحدود التركية).
إن عمق المشاركة المتبادلة (بين البلدين) في عدد من القضايا تجاوز حتى ما قبل مستويات أزمة 2015، فمثلا يمكن القول إن استكمال محطة "آق قويو" للطاقة النووية ومشروع "السيل التركي" يمكنهما الانتقال بالعلاقات إلى مستوى استراتيجي عالٍ جديد.
وفيما ترغب تركيا في تشغيل المفاعل الأول بحلول عام 2023، فإن ثمة توقعات روسية بأن هذا لن يكون ممكنا.
ولكن بما أن الزعيمين اتفقا على إقامة مراسم الافتتاح في وقت قريب، فيبدو أن العملية الشاملة ستتحرك بسرعة.
وخلال القمة، منحت تركيا جميع الأذونات اللازمة للمضي قدما في مشروع "آق قويو"، وتم وضع اللمسات النهائية على قائمة الشركات التركية التي ستشارك في المشروع، ومن ثم إزالة كافة العقبات.
وبالنسبة إلى مجال الصناعات الدفاعية، فهناك تعاون متطور بشأن التصنيع المشترك للعديد من الأسلحة.
مع ذلك، لا يمكننا القول إننا عدنا إلى مستويات ما قبل الأزمة عندما يتعلق الأمر بمشكلات لا يزال رجال الأعمال الأتراك العاملون في روسيا يواجهونها، وكذلك عقبات تتعلق ببيع المنتجات الزراعية (التركية)، ومشكلات التأشيرات.
من ناحية أخرى سنكون مخطئين إذا لم نقل إن العلاقات بين تركيا وروسيا تتقدم في مسارها الطبيعي، منذ رفع مستوى تعاونهما إلى مستوى جديد في وقت قصير جدا، بسبب حاجة البلدين إلى بعضهما في مواجهة الضغوط القادمة من الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تُركت تركيا وحيدة في أوقات حرجة من جانب حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال الأزمة السورية، فلم تتلق مساعدة من أي من حلفائها فيما يتعلق بنظام الدفاع الجوي، التي هي بأشد الحاجة إليه.
ولم تخجل الولايات المتحدة، حليفة تركيا في "ناتو"، من إقامة تحالف استراتيجي مع منظمة "ب ي د"، الفرع السوري لمنظمة "بي كا كا" الإرهابية، رغم كونها واحدة من الدول التي تعتبرها منظمة إرهابية.
كما أن الموقف الذي اتخذته واشنطن (صمت طويل) بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، في 15 يوليو / تموز 2016، كان بمثابة خيبة أمل كاملة للمجتمع التركي.
ـ مشروع "السيل التركي"
بالنسبة إلى روسيا، فإن الحصار الذي فرضه عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في أعقاب الأزمة الأوكرانية، وجه ضربة قوية لاقتصادها.
ونجح الغرب في نشر دعاية ضد روسيا بأنها "بعبع شر"، لينتشر الخوف منها في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في بلدان البلطيق.
وإلى حد كبير، قامت الاستراتيجية الغربية لاحتواء روسيا عسكريا على البحر الأسود، وتوقف الممر الذي يعبر أوكرانيا وتضخ روسيا منه الغاز إلى أوروبا.
وباتت لدى موسكو فرصة ضئيلة جدا لتنفيذ مشاريع، من أبرزها "السيل الشمالي 2"، التي كانت تخطط للوصول من خلاله إلى الغرب.
ومع فرض الحصار على سياسيين ورجال أعمال روس، أُجبر رأس المال الأجنبي على مغادرة روسيا.
وهكذا، نجح المشروع الغربي لحصار روسيا اقتصاديا وسياسيا على السواء.
ويمكننا القول إن روسيا تحتاج إلى تركيا لتكون قادرة على التغلب على هذا الحصار.
وهنا تكمن أهمية مشروع "السيل التركي"، فالخطط الروسية لضخ الغاز إلى الغرب عبر بلغاريا، عرقلها الاتحاد الأوروبي.
وفتحت تركيا الآن جيبا لروسيا من خلال تسهيل توصيل صادراتها من الغاز.
ـ تهديد العقوبات الأمريكية
من المحتمل أن يكون مشروع "السيل التركي" واحدا من أهم القضايا بالنسبة إلى روسيا في ما يخص علاقاتها مع تركيا.
ومع ذلك، هناك عقبات رئيسية أمام هذا المشروع، فالعقوبات الأمريكية الجديدة ضد روسيا قد تؤثر سلبا على سلسلة من المشاريع الروسية، منها "السيل التركي".
وتستهدف العقوبات الأمريكية كلا من مشروع "السيل التركي" ومشروع "السيل الشمالي 2"، الذي يمتد من بحر البلطيق إلى ألمانيا.
ورغم أن طبيعة العقوبات التي أعلنتها الولايات المتحدة ليست واضحة بعد، إلا أن جميع المستثمرين الأجانب الذين يتعاونون مع شركة "غازبروم" الروسية قد يواجهون عقوبات.
والواقع أن المستثمرين الأجانب يراقبون ذلك وهم في وضع الاستعداد لتلك التحركات.
بعد تولي (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب منصبه (في 20 يناير / كانون الثاني الماضي) كانت من أولى الخطوات التي اتخذها لإثبات قوته هو التصديق على قانون يتضمن عقوبات على روسيا.
وبهذا القانون حصل ترامب على صلاحية لفرض عقوبات على جميع الشركات التي تستثمر في بناء وصيانة خطوط أنابيب روسية، أو توفير تكنولوجيا لهذه الغاية، أو تقديم أي خدمات للشركات الروسية.
والسبب الأساسي لروسيا في اتخاذ خطوة سريعة جدا بشأن مشروع "السيل التركي" هو الرغبة في إكمال المشروع قبل أن يتأثر بأي عقوبات.
ـ هل تتغير سياسة روسيا تجاه "ب ي د"؟
بعد التوصل إلى اتفاق على أن الوقت قد حان للانتقال إلى تسوية سياسية في سوريا، كما هو منصوص عليه في عملية أستانة، فإن روسيا وتركيا ستقودان الآن الجهود الرامية إلى صياغة دستور مدني، ووضع اللمسات النهاية على عملية التسوية السياسية.
لكن عامل الخطر هنا يتلخص في ما إذا كانت الولايات المتحدة ـ وهي ليست لاعبا في عملية أستانة ـ ستقبل القرارات المتخذة في العاصمة الكازاخية أم لا.
والولايات المتحدة في واقع الأمر تتبع سياستها الخاصة.
وهناك أيضا أزمة بين تركيا وروسيا بسبب منظمة "ب ي د".
وقبل قمة سوتشي، دفعت دعوة روسيا "ب ي د" إلى المؤتمر الشعبي السوري الذي عقدته روسيا نفسها، إلى صدور رد فعل تركي.
ورغم أن روسيا استثنت "ب ي د" بعد ذلك من قائمة المدعوين، إلا أن هذا الوضع قد يؤدي إلى خلافات بين البلدين.
وستكون نوعية الاستراتيجية التي ستعتمدها روسيا بشأن "ب ي د" حاسمة.
ورغم أن روسيا استجابت لحساسيات تركيا، ولم توجه دعوة "رسمية" إلى تلك المنظمة، إلا أنها ستواصل بالتأكيد محادثاتها معها، لأنها لا تريد ترك المنظمة الإرهابية تحت السيطرة الأمريكية المطلقة.
لكن نفهم من تصريحات الرئيس أردوغان أن تركيا تذكّر روسيا بأن "ب ي د" تشكل تهديدا للأمن القومي التركي، وتؤكد الخطوط الحمراء.
ـ التأخير في صفقة S-400 قد يكون ضد روسيا
أعرب الرئيس أردوغان عن أن تركيا تولي اهتماما كبيرا بالخطوات المشتركة التي اتخذتها مع روسيا في مجال الدفاع على أساس نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400.
وتراقب بلدان "ناتو" عن كثب أيضا تلك المسألة.
ورغم أن تركيا أعلنت مرارا أن حصولها على صواريخ S-400 يهدف إلى صون أمنها القومي بشكل مستقل عن الحلف، إلا أن هذا الوضع يستخدم ضد تركيا في الغرب.
كما أن للشعب الروسي تحفظاته بشأن امتلاك تركيا لنظام الدفاع الجوي الروسي.
ويردد البعض أن تركيا تستخدم منظومة صواريخ S-400 تهديدا للولايات المتحدة، ولن تشتريها فعليا.
ومع ذلك، يبدو أن صدق تركيا في هذا الصدد وكلمات الرئيس أردوغان أقنعت روسيا، ويمكن أن يكون أكبر خطر هنا هو في تاريخ تسليم الصواريخ.
وتتحدث روسيا عن فترة زمنية تمتد عامين قبل بدء التسليم.
لكن خلال هذه الفترة قد تحدث تغييرات في الظروف السياسية والعسكرية تجعل تركيا تعيد النظر في شرائها.
وأخيرا، فإن النتيجة الأكثر واقعية لقمة سوتشي هي أن الزعيمين يتفقان على تعميق العلاقات بين بلديهما من خلال التعاون الاستراتيجي.
وحقيقة أنهما التقيا ثماني مرات منذ أزمة المقاتلة الروسية تدل على النقطة التي وصلت إليها العلاقات التركية ـ الروسية.
الكاتب هو أستاذ في قسم التاريخ بجامعة يلدريم بيازيت في أنقرة، ورئيس معهد الدراسات الروسية في أنقرة
المصدر: الاناضول
انتهی/