قد يرى المُراقب عن بُعد أن رئيس الإقليم مسعود البرزاني اختار الوقت الخطأ لإجراء الاستفتاء، لأن جيرانه العرب والإيرانيين والأتراك ضد قراره، واقليم كردستان لا يمتلك مقوّمات الدولة، فالحدود غير واضحة والخزينة شبه خاوية والديون تتفاقم والفساد مُستفحل والرواتب لم تُدفع منذ أشهر، والرئيس انتهت ولايته منذ سنتين والبرلمان مُجمَّد منذ أن سأل البرزاني عن عائدات النفط وطالب بتحديد صلاحياته.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء-بعد أن استنفذت ورقة داعش أهدافها وشارفت على النهاية، يتّجه الغرب وشريكه الإسرائيلي إلى استخدام الورقة الكردية لمواصلة مشروعهم المُعلَن حول إعادة التقسيم. نفّذت داعش ما طُلب منها. فهي منظمة أميركية تقودها عناصر مخابرات نجحوا في تجميع غوغائيين من شتّى بقاع الأرض، وبواسطتهم نفّذت على نطاق واسع عمليات قتل وتهجير وتخريب ونهْب للثروات والآثار في العراق وسوريا ومناطق أخرى. وما يجري الآن هو العمل على سحبها من التداول تدريجاً ونقلها إلى بؤر جديدة مثل راكان في بورما أو حتى أوروبا لأداء الدور نفسه.
لا شك أن الشعوب العربية وثرواتها وأرضها كانت هدفاً مُغرياً باستمرار بالنسبة للقوى المُهيمنة. غير أن الأمر يتحوّل الآن إلى ما هو أوسع من ذلك. فالمخطط الذي تتبناه الاستراتيجية الأميركية كما حدّدها الأميرال سيبروفسكي عام 2001 ونشرها نائبه توماس بارنت عام 2004، يقضي بتدمير كامل العالم العربي أو الشرق الأوسط الموسّع كما يسمّونه باستثناء فلسطين المحتلة، والأردن، ولبنان، من أجل شرق أوسط جديد.
في 18 آب/أغسطس الماضي، نظّم المُمثل الخاص للرئيس ترامب لمحاربة داعش، بريت ماكغورك، لقاء مع زعماء القبائل بدعوى مُحاربة داعش. غير أن ذلك كان مجرّد خدعة لأن الصوَر التي نُشرت تثبت أن عدداً من قادة داعش، كانوا من بين المشاركين في ذلك اللقاء.
وقد قامت مروحيات أميركية لاحقاً، وفي 26 آب، بتهريب إثنين من قادة داعش الأوروبيين وعائلاتهم في محيط دير الزور، قبل أن يقعوا في قبضة الجيش السوري. وبعد يومين من ذلك التاريخ، قامت المروحيات ذاتها بترحيل حوالى 20 ضابطاً من داعش في محيط دير الزور أيضاً.
كل شيء يوحي أن البنتاغون يقوم بجمْع قادة داعش الذين هم، في الحقيقة، موظفون لديه حفاظاً عليهم من أجل إرسالهم إلى بؤرة جديدة، بينما أصبحت قوات سوريا الديمقراطية، المكوَّنة من عناصر كردية بالأساس، البديل لداعش في شرق سوريا.
وَحَّدت داعش الأكراد والعرب ضدّها. غير أنه الآن، وبعد أن أنهت مهمتها في سوريا والعراق، طوعاً أو كرهاً، يبدو أن البديل هو الأكراد من مدخل حقّهم التاريخي في دولة قومية. يتوافق مشروع "روج آفا"، أو البيشمركة السورية والمنطقة الكردية التي تسيطر عليها، مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي لم تعد تهدف، منذ أواخر التسعينات، إلى السيطرة على الحدود مع سيناء والجولان وجنوب لبنان، بل الذهاب هناك إلى مناطق أبعد لأخذ جيرانها من الخلف على حين غرّة. السودان البعيد الذي تم تقسيمه أحد الأمثلة.
لكن المثال الساخِن الآن هو كردستان العراق.. فالاستفتاء الشعبي على استقلال الاقليم والأراضي المجاورة التي تسلّمها من داعش، سيكون، على الأرجح، ضربة البداية لحروب جديدة وسلسلة من محاولات الانفصال قد تتسبّب بحريق في المنطقة لا يمكن السيطرة عليه.
قد يرى المُراقب عن بُعد أن رئيس الإقليم مسعود البرزاني اختار الوقت الخطأ لإجراء الاستفتاء، لأن جيرانه العرب والإيرانيين والأتراك ضد قراره، واقليم كردستان لا يمتلك مقوّمات الدولة، فالحدود غير واضحة والخزينة شبه خاوية والديون تتفاقم والفساد مُستفحل والرواتب لم تُدفع منذ أشهر ، والرئيس انتهت ولايته منذ سنتين والبرلمان مُجمَّد منذ أن سأل البرزاني عن عائدات النفط وطالب بتحديد صلاحياته.
غير أن هذا الوضع مناسب، ليس فقط لإطلاق لعبة الانفصالات القومية والطائفية والدينية، بل إنه مناسب أيضا للبرزاني والذين يوافقونه فوق الطاولة كالإسرائيليين والسعوديين أو تحتها كالأميركيين والأوروبيين. فرئيس اقليم كردستان يحقّق لنفسه بذلك نصراً قومياً باعتباره أول مؤسّس لدولة كردية في المرحلة الحديثة، ويُعيد له ما خسره طوال المرحلة الماضية. وهذا الوضع يناسب أيضاً صندوق النقد الدولي والشركات الغربية والإسرائيلية لشراء الاقليم جملة وتفصيلاً وتحويله إلى برج مراقبة موجّه، في وقت واحد، ضدّ دول الجوارز
كان تفكير الأميركيين وحلفائهم الدخول في حروب طويلة المدى لأن الهدف كبير وهو يحتاج وقتاً من أجل تحقيقه، وكان العمل على تأسيس منظمات سلفية إرهابية جزءاً من الخطة وليس كلها. أما الجزء الآخر فهو التواصل مع قيادات كردية في العراق وسوريا وتقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي اللازم لها من أجل أن تكون الحِراب الذي تستخدمه لاحقاً لإتمام مشروعها.
صحيح أن حلم الدولة لم يغادر الوجدان الكردي، ومن حق الأكراد التطلّع إلى بناء كيانهم السياسي المستقل، كما يقولون، غير أن المسألة مختلفة هنا. فالقيادة الكردية لا تقدّم المبرّرات المقنعة لهذه الخطوة التي تواجه رفضاً حاسماً من دول الجوار والدولة العراقية الأمّ. بل إن الأكراد قد يكونوا بصدد الانتحار بسبب الحصار الإيراني التركي العراقي المُرتقب ضدّهم وبسبب احتمال مواجهة حرب متعدّدة الجبهات. والذين يشجعونهم علناً هم فقط الإسرائيليون الذين بنوا معهم علاقات متقدّمة منذ سنوات. يثق الأكراد في حلفائهم الإسرائيليين والغربيين. وغاب عنهم أن هذه دول استعمارية لا تهمّها مصالح الأكراد أو غيرهم، بقدر ما تهمّها مصالحها التي تتجمّع كلها في مصبّ مخطّطات الحركة الصهيونية.
مقال بقلم: قاسم شعيب، كاتب وباحث تونسي
المصدر: المیادین
انتهی/