لا يزال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، ورغم المعارضة الدولية والداخلية مصراً على الإنفصال عن الاراضي العراقية، ويسعى لتحقيق حلمه القديم بـ "إستقلال اقليم كردستان".
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- فمسعود البارزاني ما زال يواصل عدم إكتراثه للمعارضة الدولية على الإستفتاء في كردستان العراق، ويصر على اجرائه في موعده المقرر الخامس والعشرين من سبتمبر الجاري.
وفيما يخص هذا المشروع، هناك العديد من الأسئلة المطروحة والتي يمكن للإجابة عليها أن تزيل الغموض الذي يشوبها، وفي بداية هل الظروف الداخلية والإقليمية تسمح بإجراء هذا الإستفتاء أم لا؟ وثانياً لماذا يصر البارزاني على إجراء الإستفتاء رغم المعارضة الداخلية والدولية له، وما هو دور اللّاعبين وموقف الدول المجاورة من ذلك؟
للإجابة على السؤال الأول لابد من القول إن الظروف السياسية الداخلية للإقليم بما في ذلك الظروف الإقتصادية وكذلك الإقليمية ليست مؤاتية لإجراء استفتاء الإنفصال. فالبرلمان الكردستاني معطل منذ عامين بأمر من البارزاني، وفي الحقيقة فحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني قام بتعطيل برلمان البلد الذي يعتبر رمزاً للإستقلال وممثلا للشعب. كذلك فإن بارزاني وإستناداً للدستور يمكنه البقاء في منصبه رئيساً لإقليم كردستان على مدى 8 اعوام بدأت فترة ولايته في العام 2005 وإنتهت في العام 2013، إلا أن مسعود الارزاني ومنذ العام 2013م حتى يومنا هذا يرفض ترك منصبه.
وقد أدى بقاء بارزاني متمسكاً بمنصبه رغم إنتهاء فترة ولايته رئيساً لإقليم كردستان إلى نشوب خلافات بين جبهة التغيير وحزب الاتحاد الديمقراطي، حيث أدى هذا الخلاف إلى تعطيل البرلمان، كذلك فإن الجماعة الإسلامية والحركة الإسلامية يعارضان إجراء الإستفتاء، لأنهما يعتبران أن الظروف غير مؤاتية لإجراءه. إذاً فالوضع السياسي في هذا الإقليم قد سار في إتجاه جعل من الأحزاب والحركات تنقسم إلى قسمين، فالمجموعات المعارضة لإجراء الإستفتاء ترى في أن الظروف الداخلية والإقليمية غير مناسبة لإجرائه، وإذا لم يتم الاعداد لهذه الظروف فإن إجراء الإستفتاء سوف لن يثمر شيئاً.
على ما يبدو أن الإستفتاء يعتبر بالنسبة للسيد بارزاني السبيل الوحيد للخروج من الأزمات والمشاكل الداخلية التي تواجهه، فحكومته لا تملك حتى القدرة على تسديد رواتب موظفيها، والإقليم يصارع الأزمات والمشاكل الإقتصادية، حيث جرى تخفيض رواتب الموظفين إلى الثلث. ويأتي هذا في الوقت الذي تمتد فيه فترة تسديد الرواتب إلى 45 يوماً أو تتم بالتأخير، وفي مثل هكذا ظروف وكي يتمكن بارزاني من التهرب عن جميع هذه المشاكل قام بطرح موضوع الإستفتاء للتغطية بشكل من الأشكال على المشاكل الإقتصادية التي تواجه حكومته.
وإضافة إلى الظروف الداخلية، فإن الأوضاع الإقليمية ليست مهيئة لإجراء الإستفتاء على إنفصال كردستان عن العراق. وللإطلاع عن هذا الموضوع لا بد من إلقاء نظرة على مواقف الدول الإقليمية بما فيها الدول المجاورة.
إن موقف كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسوريا في هذا المجال واضح جداً، فإيران وسوريا تدعمان ضمان وحدة العراق وسلامة أراضيه، وتعارضان تقسيم هذا البلد، انطلاقا من هذه الرؤية أن جميع القوميات والأطياف في العراق يمكنها عبر الإحتفاظ بهويتها القومية والوطنية الإستمرار بالعيش بسلام في ظل الحكومة المركزية.
أما فيما يخص موقف الحكومة التركية في معارضة إستفتاء كردستان العراق فينبغي القول أنه صحيح بأن نفط الإقليم يمر عبر الأراضي التركية، وفي ذلك فوائد عابرة لهذا البلد، إلا أن تركيا تعتبر على المدى البعيد إستقلال كردستان العراق خطراً أمنياً لها، ومما لا شك فيه أن تقسيم العراق سيكون ممهداً لتقسيم تركيا، وأنقرة تدرك هذا الأمر جيداً، وعلى هذا الأساس فهي تعارض بشدة فكرة إستقلال إقليم كردستان.
الموضوع الثاني هو الموصل والمناطق السنية؛ ففي الوقت الراهن وبعد تدمير هذه المناطق جراء الحرب ضد داعش، على ما يبدو أن مجال العمل أصبح الأن مفتوحاً أمام الشركات التركية، ولا شك فيه إنه إذا ما أقدمت تركيا على تأييد ودعم إنفصال كردستان فعليها أن تتوقع العواقب التي ستنجم عن هذا التأييد، بما في ذلك تهديد الحكومة العراقية بقطع علاقاتها مع تركيا حيث أن هذا الأمر ليس بصالح الحكومة التركية، وفي الحقيقة فإن أنقرة تفضل المصالح بعيدة المدى على المصالح قريبة المدى.
كذلك فإن أمريكا تعارض بشدة إجراء هذا الإستفتاء وقد أعلنت أنها سوف لن تعترف به. فقد قال ممثل الرئيس الأمريكي في الإقليم صراحة إنه في حال أقدمت سلطات كردستان العراق على إجراء الإستفتاء فإن أمريكا سوف لن تعترف بنتيجته أو لن تلتزم به، كما ستقوم بقطع جميع علاقاتها مع الإقليم. ولا شك أن أمريكا لا تريد إستبدال العراق بإقليم صغير لما يملكه العراق من مصالح كبيرة للولايات المتحدة كالنفط والطاقة.
كذلك فإن دعم الكيان الصهيوني لإجراء الإستفتاء ليس في صالح الأكراد، وهم يدركون جيداً بأن الدعم الصهيوني ليس في مصلحتهم بقدر ما يضرهم، فالكيان "الإسرائلي" هو نفسه فاقد للشرعية فكيف له أن يمنحها لغيره.
أيضاً وبرأيي فإن الإمارات ومن اجل تقويض الحكومة الإخوانية في تركيا فهي تدعم إقامة دولة كردية، كذلك فإن السعودية وبعضاً من الأطراف في حكومة رجب طيب أردوغان مستفيدة من إقامة دولة كردستان.
وبالنظر إلى ما ذكر آنفاً، وما هو واضح من خلال الشواهد والقرائن، هو أن برزاني سوف لن يتراجع عن موقفه في مسألة إجراء الإستفتاء لأن سمعة مسيرته السياسية التي تمتد لـ50 عاماً متعلقة بإجراء هذا الإستفتاء. فبارزاني يريد أن يكون "الشخصية الكردية التي طرحت موضوع الإستفتاء وحققت للأكراد حلمهم".
والآن لنا أن نتخيل وهو أنه في حال جرت إقامة هذا الإستفتاء رغم كل المعارضة له، فما هو المصير الذي ينتظر إقليم كردستان العراق؟ فمنطقة الإقليم في هذه الحالة و وفقاً لتعبير "ناظم دباغ" ممثل كردستان العراق في طهران، ستكون "مخنوقة" لأن هذه المنطقة محاطة تحدها اليابسة من جميع الجهات وليست لها أي منافذ مائية مع اي دولة من الدول وهي لا يمكنها الوصول إلى البحر إلا عبر الدول المجاورة لها.
ولنتخيل أن تقوم هذه الدول بفرض حصار جوي وبري وبحري على الإقليم، عند ذلك ستبان الصورة التي سيكون عليها الحال في منطقة كردستان العراق و النتائج التي ستنجم عن ذلك. لكن على ما يبدو أن مسعود بارزاني ومن اجل تخطي أزمته الحالية يعوّل على بعض الدول العربية في المنطقة كالإمارات والسعودية.
المصدر/ حسن رستمي/ كاتب و صحفي