عندما منحت افريقيا «الاستقلال» في السبعينيات لأربعة تجمعات للسود من أصل عشرة تم تعريفها كـ «بساتين»، شددت على التوقيع معها على اتفاقيات لمنع الاعتداءات المتبادلة. صحيح أن جيش جنوب افريقيا سيطر فعليا على القوات الأمنية في «البساتين»، بل وقام باستغلالها لقمع معارضي الفصل العنصري، لكن من اجل الحفاظ على استقلالها، ولو صوريا، قرر النظام في بريتوريا التوقيع معها على اتفاق دفاع جاء فيه أن «كل طرف يتعهد بعدم السماح بحدوث اعتداءات من اراضيه». وبالنسبة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يعتبر هذا التمويه ايضا مبالغ فيه. ففي خطابه في ذكرى مرور خمسين سنة على حرب الايام الستة، لم يترك مكان للشك بأن «مع الاتفاق، و بدون اتفاق، سنستمر في سيطرتنا الأمنية على كل المناطق غرب الاردن».
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- إن نتنياهو لا يريد فقط أن يحصل سكان الكيان الفلسطيني المستقبلي على تصريح اسرائيلي من اجل الخروج من أو الدخول إلى وطنهم، مثلما كانت الحال في جنوب افريقيا، بل هو يريد أن يستمر الجيش الاسرائيلي وقوات الامن باقامة الحواجز والقيام بالاعتقالات واقتحام منازل السكان «لاهداف أمنية»، وأن يستمر العالم في التعامل معه بشكل جدي كمن يطمح إلى «السلام الحقيقي، سلام الاجيال». إن نتنياهو يلف نفسه بالهواء الساخن، ومثلما هو الملك في الاساطير، فهو يتوقع من الجميع الاعجاب بملابسه.
يسعى نتنياهو إلى صياغة مواقف يرفضها معظم العالم، لكنها تطرب آذان الرأي العام الاسرائيلي ومؤيديه الجمهوريين في الولايات المتحدة. إنه يعرف أن طلب بقاء الجيش الاسرائيلي مسيطرا إلى الأبد، هو طلب عبثي، مثلما يفهم بأن الفلسطينيين لا يمكنهم الاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولته إلا في اطار اتفاق شامل، وأنه لا يوجد زعيم فلسطيني سيوقف دفع الرواتب لعائلات الأسرى دون اعتباره خائنا. ولكن لم يتم بعد اختراع الحاجز الذي يمنعه من التحدث بأقوال تثير الحماسة لدى مؤيديه وتحسم خصومه، والاهم من ذلك تبقي على الوضع القائم.
إن نتنياهو يكره التحولات، لكنه يخشى من السلام أكثر من أي شيء آخر. والبرهان على ذلك واضح. فخلال السنوات الثمانية من ولايته الثانية لم يفعل أي شيء من اجل الاتفاق. جميع التصريحات وجميع الخطوات التي قام بها كانت مجرد مناورات تهدف إلى تخليصه من الضغط الداخلي والخارجي، إلى أن يمر الغضب. وخلافا لأنور السادات، الذي اقتحم الطريق عندما ألقى خطابا في الكنيست في القدس، ومحمود عباس الذي يبذل قصارى جهوده لاقناع الاسرائيليين برغبته في السلام، فان نتنياهو لا يرى الفلسطينيين من مسافة متر واحد، باستثناء أنهم إرهابيين ومحرضين، وأنه لن يتوجه اليهم ولن يخاطب قلوبهم ولن يحاول اقناعهم بأن السلام هام. واذا فعل ذلك فسيكون هذا للدعاية. إنه لا يستمع اليهم ولا يرى الضائقة التي يمرون فيها ويصمت كليا تجاه النظام العسكري المفروض عليهم منذ نصف قرن، كما عبر من جديد في الخطاب الاستيطاني الذي ألقاه في الكنيست بمناسبة «استئناف الاستيطان في يهودا والسامرة وغور الاردن»، ما الغريب في ان معظم الجمهور في «اسرائيل»، كما تبين هذا الاسبوع، يعيش في وهم بأنه لا يوجد احتلال، وأننا على حق، بالضبط مثله.
نتنياهو هو فنان في الدعاية، وفنان كبير في المراوحة في المكان، وهو يعرف كيف لا يشد الحبل حتى نهايته مع المجتمع الدولي، وينتظر تغير الظروف في صالحه: انتخاب دونالد ترامب بدلا من اوباما هو مثال واضح على طول نفسه المفيد له. يجب علينا أن لا نخطيء، رغم ذلك، في أمر واحد وهو أن السلام لا يُصنع هكذا. الاتفاق الوحيد الذي يتحدث عنه نتنياهو هو أن يعيش الفلسطينيون في كانتونات مغلقة وليس بينها تواصل، وأن يعملوا في التجارة والقمامة.
المصدر/ حيمي شيلو – هاآرتص