الخطر يتحرّك من كلّ مكانٍ حولنا، لكن هذه المرّة لا يدخر العدو الإسرائيليّ أيّ جهدٍ لتحرّكٍ عسكريٍّ أوْ استخباراتيّ لزرع فتنةٍ هنا أوْ هناك، لكنّه ينتشر من مبنى كبير، وذو أهمية أكبر بالنسبة لتل أبيب، في تلٍّ بدر بالقدس المحتلّة، حيث يقع مبنى الخارجية الإسرائيليّة، الذي يلقى الدعم من كلّ صوبٍ واتجاهٍ، من أمريكا والغرب والحكام العرب أيضًا، الذين ساعدوا على انتشار الفكر الإسرائيليّ المتطرف بين مجتمعاتنا، إمّا بالتطبيع أو بأشكال أخرى كالتعاون ألاستخباراتيّ أوْ العسكريّ.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- فبعد نجاحات كبيرة حققتها دولة الاحتلال في اختراق العمق العربي في مناحي عدّة، قام بإنشاء مبنى ضخم داخل وزارة خارجيته، خصص له فريق ذو كفائه عالية، يضم عشرة أشخاص، يتلّخص عملهم بالتواصل مع الشباب العربي، الذي يتم تلويث فكره لابتعاده عن قضيته الأم فلسطين، ويساعدهم في ذلك كتاب البلاط في الوطن العربيّ، أوْ ما يُمكن أنْ يُطلق عليهم روّاد وأعضاء الطابور السادس الثقافيّ، الذين يعملون على مدار الساعة لتكريس فوقيّة الإسرائيليين ودونية العربيّ، وكيّ الوعي العربيّ واستدخال الهزيمة.
مهمة ذلك الفريق، هو تزويد الشباب العربي والمسلم بالصور والنشرات والتعليقات والمعلومات المترجمة من العبرية إلى العربية، عن التقدم الإسرائيليّ، وماذا يُمكن أنْ يُقدّمه للشباب العربي الذي يعاني في بلاده وسط ظروف قاسية، يتصدرها صعود الفاسدين والعملاء مراكز الحكم في أوطاننا، لينتهي الأمر بالنتيجة المطلوبة، تحسين صورة "إسرائيل"، وجمع اكبر تعاون من الشباب العربيّ من المُحيط إلى الخليج (الفارسي).
وللتدليل على ذلك، نُورد أنّ يوناتان غونين، رئيس قسم الدبلوماسية الرقمية بالخارجية الإسرائيليّة يقول إنّه في منطقة الشرق الأوسط، يعيش ما يقرب من 400 مليون عربي، بينهم 145 مليون يستخدمون الإنترنت، وـ80 مليون منهم يستخدمون الـ(فيس بوك)، مضيفًا: أدركنا منذ أسسنا القسم عام 2011 أنّ أفضل وسيلة للتواصل مع الشباب العربي هي الـ(فيسبوك)، الذي أصبح الوسيلة الأقوى تأثيرًا على الرأي العّام.
علاوة على ذلك، أظهرت إحصائية رسمية لوزارة الخارجية الإسرائيليّة، أنّ عدد متابعي الصفحة التي يديرها الفريق الرقمي، أكثر من 910 ألف متابع، أكثرهم في سن 18 حتى 24 عامًا، ويعيش معظم المتابعين في مصر، لكن هناك آخرين في العراق والمغرب والأردن وفلسطين ويشاركون في التعليقات على صفحاتهم.
هذا الاختراق الإسرائيليّ الـ”مشروع″ يُشكّل خطرًا كبيرًا على كلّ الأجيال العربيّة القادمة، ويصبح للمؤامرة شكل آخر، ويجعل من انتصار "إسرائيل" أمرا معززا ومؤكّدا في الوقت نفسه.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ صفحة وزارة الخارجية الإسرائيليّة على (الفيسبوك) تتعامل مع ما يقرب من 83 ألف متابع، وهم: صحافيون ودبلوماسيون وقادة للرأي العام، ومن نوافق القول إنّ مشاركة أمثال هؤلاء في التغريدات الإسرائيليّة تعني في رأيهم أن رسالة وزارة الخارجية تصل إلى عددٍ كبيرٍ من الأشخاص الفاعلين والمؤثرين في الوطن العربيّ.
علاوةً على ذلك، فإنّ ما يثير الانتباه أنّ صفحات الفيسبوك المذكورة تسمح لممثلي وزارة الخارجية الإسرائيليّة بالتوجه مباشرةً إلى القراء، الأمر الذي يسمح لـ"إسرائيل" بتجاوز الحكومات والتفاعل مع العرب من خلال الدبلوماسية الرقمية التي تنقل إليهم مختلف الرسائل التي تتناول الموضوعات الحساسّة والجادّة، إلى جانب مقاطع فيديو وأغاني لمطربين إسرائيليين.
وتأكيدًا على ما سبق قال حسن كعبية، الناطق لوسائل الإعلام العربيّة في وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة إنّه قبل 10 سنوات عملتُ في السفارة الإسرائيليّة في مصر وعشتُ في القاهرة، كنت أتجوّل في المقاهي، وأرى كلّ الشباب يجلسون وبحوزتهم الحواسيب النقالة، ويتصفحون في الإنترنت، فأدركت أنّ هذه هي الطريقة التي يتواصل عبرها الشباب اليوم مع الإعلام، على حدّ تعبيره.
مُضافًا إلى ذلك، فإنّ "إسرائيل" تقوم بين الفينة والأخرى باستضافة وفود صحافيين وصحافيات من الوطن العربيّ في تل أبيب والقدس، الأمر الذي يُشكّل مساحة أخرى للتفاعل الذي يخاطب القراء العرب ويحاول تجميل صورة دولة الاحتلال، دون أنْ يقف أحد في وجه هذا الجزء الذي يحاولون به ضرب عمق الانتماء العربيّ.
واللافت أنّ "إسرائيل" تقوم بهذا الاختراق العلنيّ والخطير في ظلّ تجاهل الأنظمة العربيّة محاولات الأعداء تخريب الأوطان وعقول الشباب العربيّ، ولم نسمع حتى الآن عن مبادرةٍ عربيّةٍ رسميّةٍ أوْ غيرُ رسميّةٍ لمُخاطبة الإسرائيليين بالمثل وبلغتهم.
*زهير أندراوس - رأي اليوم