تزامناً مع محاولة البعض الربط بقصد وبدون قصد، بين ما يسمى بمناطق خفض التصعيد والتوتر وبين مشروع تقسيم سورية، هذا الحديث يأتي في الوقت الذي يستكمل فيه الجيش العربي السوري وقوى المقاومة خطط حسم المرحلة الأخيرة من تطهير مناطق واسعة من الجغرافيا السورية من البؤر الإرهابية المتواجدة في مناطق معينة ومحدّدة يتم استئصالها وفق اولويات الميدان العسكري، وعلى الجانب الآخر من عمليات الجيش المستقبلية يجري وبكلّ هدوء ومن دون أي ضجيج إعلامي التحضير لمعارك تحرير دير الزور والبادية السورية، وصولاً لتحرير اخر البؤر الإرهابية التي يتواجد بها تنظيم داعش في ريف حلب الشرقي والمتصل بريف الرقة الشمالي الغربي ”الطبقة”.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- وفي صعيد التحضير لمعركة دير الزور، فقد بدأ العمل فعلياً لنقل زخم عمليات الجيش العسكرية من ريف حمص الشرقي إلى بلدة السخنة الفاصلة بين حمص ودير الزور بعد الانتهاء من حسم معركته في ريف حمص الشرقي، استعداداً لإطلاق المرحلة الثانية من عمليات تحرير بعض المناطق الاستراتيجية في بادية الجنوب السوري، والتي بدأت توضع على سلم الاولويات منذ مطلع شهر شباط الماضي.
ويتزامن التحضير لمجموع هذه المعارك الكبرى مع المعارك الكبرى التي يخوضها الجيش العربي السوري وبحرفية عالية في محيط العاصمة دمشق وسط سورية، والتي أسقط من خلال تحريره الاخير لمجموعة بلدات واحياء "القابون وتشرين"، مخططاً تآمرياً كان معداً لتشكيل واقع عسكري جديد في محيط العاصمة دمشق، لكنّ صمود الجيش، أسقط مرحلياً هذا المخطط.
وبالنسبة إلى ما جرى مؤخراً في "شمال شرق سورية ” الرقة "، ودعم أمريكا للاكراد باسلحة متطورة استعداداً لمعركة الرقة، فهنا يجب التنويه بأنّ ما جرى في بعض المناطق في ريف الرقة، وما رافق ذلك من حرب إعلامية، تدعي أن مخطط تقسيم سورية سيبدأ من الرقة وأن هناك احتلال أمريكي قادم لسورية من بوابة الرقة، فهذا الحديث ما هو إلا صدى لإفلاس الأمريكي ومجاميعه المسلحة وأدواته الاقليمية والمحلية، فالأمريكي أن قرر بالفعل السير بهذا المخطط فعليه أن يتذكر تجاربه في فيتنام ولبنان والصومال والعراق، والتجربة السورية ستكون أقسى من كل التجارب السابقة، هذا ليس حديث عاطفي بقدر ما هو حديث مبني على معطيات ميدانية ووجدانية نعرفها جيداً عن اخوتنا في سورية.
اليوم وليس بعيداً من تطورات الميدان، فإنّ ما يهمنا من كل هذا هو واقع سورية المعاش في هذه المرحلة، وبعيداً من حروب الإعلام وكلام المتآمرين وشركاء الحرب على سورية. ومع مرور ستة أعوام على حرب أميركا وحلفائها على سورية يتضح في أحيان كثيرة أنّ الأحداث والمواقف المتلاحقة للمتابع لأحداث الحرب «المفروضة» على الدولة السورية، بأنّ الدولة السورية استطاعت أن تستوعب وتتكيّف طيلة ستة أعوام مضت مع موجات أكثر صعوبة من الموجة الإعلامية التي نعيشها اليوم، فقد كانت الموجات السابقة متعدّدة الوجوه والأشكال والفصول عسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية ودموية، ومجموع هذه الأنماط هزم وكسر على أبواب الصخرة الدمشقية والسورية الصامدة.
وهنا يجب عدم إنكار أنّ الحرب على سورية التي كانت رأس الحربة لها الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها في المنطقة «إسرائيل» الصهيونية وفرنسا وبريطانيا وشركاؤها من الأتراك وبعض القوى الصغيرة والأدوات الأخرى في المنطقة، قد ساهمت في شكل كبير خلال مرحلة ما في إضعاف الدولة السورية، وقد كادت كثافة الضغط على الدولة السورية أن تؤدي إلى إسقاطها ككل في الفوضى، لولا حكمة العقلاء الوطنيين من الشعب السوري بغضّ النظر عن مواقفهم السياسية، وقوة وتماسك الجيش العربي السوري، وقوة ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية للدولة السورية مع «روسيا إيران»، فهذه العوامل بمجموعها ساهمت «مرحلياً» في صدّ أجندة وموجات هذه الحرب الهادفة إلى إغراق كلّ الجغرافيا السورية في الفوضى.
كما أنه في هذه المرحلة تحديداً، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ حرب أميركا وحلفائها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كلّ ساعة تمضي من عمر هذه الحرب فإنّ أميركا وحلفاءها يخسرون أكثر مما تخسر سورية في هذه الحرب، والأميركيون يدركون هذا ويعرفون أنّ هزيمتهم في سورية ستكون لها مجموعة تداعيات مستقبلاً، فاليوم أميركا مجبرة على استمرار حربها على سورية إلى أمد معين ولكن لن يطول هذا الأمد، فهي اليوم بين خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة، أو الاستدارة بموقفها في شكل كامل للتفاوض العلني مع الدولة السورية، وفي كلا الخيارين أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أنّ الصمود السوري على مدى ستة أعوام قد وضع أميركا في أزمة حقيقية وحالة غير مسبوقة من الإرباك في السياسة الخارجية للإدارة الأميركية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية وستطيح بكلّ المشاريع الصهيو أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة لتقام على أنقاضها دولة «إسرائيل» اليهودية التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها، بحسب المشروع الأميركي.
ختاماً، إنّ صمود سورية اليوم عسكرياً، ودعم حلفائها لها عسكرياً، وتوسّع الجيش العربي السوري بعملياته لتحرير الأرض مدعوماً ومسنوداً من قاعدة شعبية تمثل أكثرية الشعب السوري، هذه العوامل بمجموعها ستكون هي الضربة الأولى لإسقاط أهداف ورهانات الشركاء في الهجمة الأخيرة على سورية، وبحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا ليس أمام الأميركيين وحلفائهم اليوم، ومهما طالت معركتهم وحربهم على سورية، إلا الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية، والمطلوب منهم اليوم هو الاستعداد والتحضير لتحمّل كلّ تداعيات هذه الهزيمة وتأثيرات هذا الفشل عليهم مستقبلاً.
المصدر/ هشام الهبيشان - رأي اليوم