يقول الناطق باسم ما يسمى بـ"وفد المعارضة السورية" إلى جنيف وائل علوان "نحاول الدفع بروسيا للضغط على النظام للدخول في مفاوضات جدية بشأن الانتقال السياسي في سوريا"، وهناك وسيلتان فقط تمتلكهما ما تسمى بـ"المعارضة السورية" للضغط على روسيا، الوثائق التي تحدث عنها ذات كذبة بلهاء "المغفور له" سليم إدريس -إن كان هناك من لا يزال يذكره- وهي بخصوص الرشوة التي قدمها رامي مخلوف للرئيس الروسي ووزير خارجيته مقابل استخدام الفيتو في مجلس الأمن ذات تصويت.
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- أما الوسيلة الثانية، فهي الوثائق التي تحدث أنه يمتلكها نصر الحريري رئيس ما يسمى بـ"وفد المعارضة السورية"، وهي التي تثبت التعاون والتنسيق بين "النظام" وداعش، وقد يكون هذا سبب تأجيله تسليمها للأمم المتحدة، حيث قال إنه سيسلمها لاحقًا، وبذلك يكون قد وضع السيف على الرقبة الروسية بوثيقتين مغلظتين. ولأنّ ما تسمى بـ"المعارضة" تمتلك من السذاجة ما لا يمكن تصوره حتى في عقل أشعب، أحب أن أستننتج أن "لاحقًا" التي قالها الحريري، هي الجزرة التي حاول تقديمها لروسيا للامتنناع عن استخدام الفيتو في مجلس الأمن، للتصويت على قرار عقوبات جديدة على سوريا.
لذلك، فمن المتوقع أن يشتد الصراخ الإعلامي على روسيا بعد استخدامها حق النقض، وبالطبع دون تقديم أي وثائق، وهذا من ضمن التشوهات التي خلقتها ما تسمى بـ"الثورة السورية" على مستوى الاصطلاحات والدلالات. فمفهوم الوثائق قبلها ليس كما بعدها، فالوثائق قبلها كانت تعني فيما تعنيه إثبات حجة أو دفع شبهة، وهي معلومات لها صفة التحقق والتأكد، وأما بعدها فقد أصبحت مجرد حبرٍ على ورق، حيث أصبحت وسيلة للكسب غير المشروع من جانب وللضغط السياسي من جانب آخر، فبإمكان أي شخص مقابل أي مبلغٍ من المال تسجيل أي كلمات، المهم أنها تساهم في تشويه السمعة السورية لخدمة أهداف العدوان. والحقيقة أنّ المندوب البريطاني في مجلس الأمن كان الأكثر إثارة للاشمئزاز، وهو يبرر اعتماد بلاده على "وثائق" من هذا النوع تثبت استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية، حيث قال "إن هدفنا من تقديم مشروع القرار هو إنساني بحت لا علاقة له بالسياسة"، وهذا ما سيضيف إنجازًا آخر لما تسمى بـ"الثورة السورية"، حيث أنها في الطريق لتغيير مفاهيم الإنسانية، حيث ستصبح الإنسانية هي حصرًا استجلاب الاستعمار وخدمته والسعي لتحقيق مشاريعه، وأن الظَّلمة الفَّجَرة الكفرة، هم من يسعون لعرقلة تلك الأهداف الإنسانية البحتة.
لم يكن مؤتمر جنيف لينجح طالما أنّ دعاة "الإنسانية الثورية" عاجزون عن تحقيق أهدافهم، لذلك يحاولون إفشاله بشتى الطرق ومنها تقديم مشروع القرار الجديد، فبعد أن تغنّوا بالضامن الروسي، ستعود روسيا بعد استخدام حق النقض طرفًا في الصراع وليس ضامنًا، رغم أنّ من قدم المشروع -فرنسا وبريطانيا- تدركان جهوزية "الفيتو"، ولكنها خطوة في الطريق إلى إفشال مؤتمر جنيف. فالتصريحات الصادرة من جهات العدوان المختلفة، تنم عن محاولات جديدة لخلط الأوراق، وكلها تصب في خدمة أهداف الفوضى والتقسيم، ولكنهم من حيث لا يدرون وهم يحاولون كسب الوقت، فإنهم يضعون هذا الوقت في خدمة الجيش السوري وحلفائه، فمع كل فشل لجولة تفاوضية، تتزامن مع محاولات جهة العدوان عبر أدواتها لإحداث اختراقات ميدانية، ستعتبر تلك المحاولات خروقات للهدنة، مما يبيح للجيش السوري الرد، وبالتالي التخفف من أوزار أي هدنة. أما القول بأنّ إفشال جنيف هو ممر إجباري لفرض ما يسمى بـ"المنطقة الآمنة"، فهو أبعد ما يكون عن المنطق السليم، خصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار الأطراف الرئيسية الثلاثة الداعية لذلك، أمريكا تركيا والسعودية، فالتصريحات الأمريكية حتى هذه اللحظة مجرد كلام له طابع الابتزاز المالي والسياسي ولا مؤشرات جدية وحقيقية تشي بالإقدام على ذلك، فالمناطق الآمنة تحتاج لثلاثي ذهبي، قرار مجلس الأمن، أو توافق بين الأطراف الفاعلة، أو القوة والقدرة، أو على الأقل توفر أحد تلك الثلاثية، وحتى هذه اللحظة لا شيء.
أما تركيا والسعودية فلا يحضرني وأنا استمع لتصريحات المسؤولين في البلدين على جميع المستويات، إلَّا أخلاق بني إسرائيل التي تنم عن الوهن والجبن معًا في قوله تعالى "قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين وإنَّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنَّا داخلون"، حيث يشترط أردوغان في تصريحاته اليوم لتوجه قواته نحو الرقة، أن تتم بالتوافق مع روسيا وأمريكا، فيما يشترط عادل الجبير أن تقود أمريكا العملية بنفسها، وهؤلاء يتجنبون الاصطدام بالجيش السوري وحلفائه، فتجربة الجيش التركي في الباب كما تجربة التحالف السعودي في اليمن، تجعلان من فكرة الاصطدام بالجيش السوري وحلفائه، دون اشتراك أمريكي فعلي ومباشر، كابوسًا لا قِبل لهم به حتى على مستوى التخيل، لذلك يسعون بكل جهدٍ سياسي وإعلامي وقانوني للضغط على سوريا وحلفائها مجتمعين أو منفردين، ويحاولون انتزاع تنازلات في ملفات آخرى قد تؤدي نفس الغرض مستقبلًا، كتطييف الدستور أو انتزاع صلاحيات رئاسية وغيرها. ولكن الحقيقة فقد نطق بها أحد رؤساء ما يسمى بـ"أحزاب المعارضة السورية" على قناة الجزيرة في معرض إجابته عن بند الانتخابات، فقال "حتى لو جرت انتخابات نزيهة وبإشرافٍ أممي سيفوز الأسد، لأن الرعب الذي سببه هذا النظام للسوريين على مدى أربعين عامًا، سيجعلهم يصوتون له خوفًا"، وهذه هي الحقيقة المطلقة، إن بقاء الرئيس الأسد هو الضمانة الوحيدة لإفشال أي مخطط أمريكي "إسرائيلي" يُعد لسوريا، لذلك فالإطاحة به هي الخطوة الأخيرة لإنهاء سوريا بكل ما تعنيه سوريا، فانتخابات بدون الأسد تعني تنافس أسوأ الأسوأ، فسوريا الأمريكية تتصارع على التبعية والارتهان عبر الوهابية أو الإخوانية، وسيكون الصراع دمويًا وليس انتخابيًا فقط. لذلك، فإنّ أي جنيف بالنسبة لأطراف العدوان لا يؤدي لرحيل الأسد هو فاشل وسيُفشل، وأما بالنسبة للسوريين فإنّ تجاوز أي محطة عدوانية سياسية أو ميدانية، هو انتصار جديد في سجلات الشرف والبطولة.
*إيهاب زكي - بيروت برس