أعمال المؤتمر الدولي «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل»، والذي يعقده الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، بمشاركة وفود من أكثر من 50 دولة، تحت رعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويستمر لمدة يومين.
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- يشارك في المؤتمر، الذي يرأسه الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا تواضروس الثاني، الشيخ عبداللطيف دريان مفتي لبنان، والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة ورئيس مجلس أساقفة كاثوليك المشرق، ورؤساء الكنائس الشرقية وعلماء ورجال دين ومفكرون من المسلمين والمسيحيين.
يناقش المؤتمر 4 محاور، تتضمن المواطنة، الحرية والتنوع، ومبادرات الأزهر والمبادرات المسيحية والمبادرات المشتركة، وسبل العمل معا لدرء مخاطر التفكك والانقسام ومواجهة التعصب والتطرف والإرهاب، وترسيخ شراكة القيم وتفعيلها، والحيلولة دون توظيف الدين في النزاعات.
وفي كلمته خلال المؤتمر قال الدكتور أحمد الطيب، إن من المحزن والمؤلم، تصوير الدين وكأنه أداة سحقت أجساد الأبرياء، مشدّدا على أن الشرذمة الشاردة عن نهج الدين أوشكت على تجييش العالم كله ضد الإسلام.
هذه كانت خلاصة ما تناقلته وسائل الاعلام عن المؤتمر ومحاوره واهدافه والمشاركين فيه، وهو جهد محمود يُشكر عليه الازهر الشريف وشخص امامه الدكتور احمد الطيب، الشخصية المعروفة باعتدالها ووسطيتها وخطابها الديني المتزن، في وسط اجواء اصبح فيها الخطاب التكفيري المتطرف صاحب الصوت الاعلى، الذي استنفر كل نوازع الشر والضغينة في النفوس المريضة والضعيفة، التي رسمت، وبارادة شريرة، صورة مشوهة للاسلام والمسلمين في العالم اجمع.
كل من يحمل حبا للاسلام وللقران ولنبي الاسلام، لا بد ان يشد على يد القائمين على الازهر الشريف وهم يحاولون انقاذ المجتمعات الاسلامية من براثن التكفيريين والخطاب المتطرف، الذي ادخل منطقتنا في نفق مظلم لا يعلم الا الله متى تخرج منه.
اننا ومن حرصنا على انجاح ما يقوم به الازهر من خطوات مباركة على طريق نشر ثقافة التسامح والاعتدال والوسطية بين المسلمين، نتمنى على القائمين على الازهر الشريف ان يتسلحوا الى جانب النوايا الطيبة والحرص على حاضر ومستقبل المسلمين، بسلاح الصراحة والابتعاد عن المجاملات ووضع الاصابع على الجراح حتى لو كانت مؤلمة، من اجل ازالة القيح عنها وتطهيرها وتضميدها، قبل ان تفتك بالجسد كله.
دعوتنا للازهر نابعة من ايماننا بدوره الرئيسي والريادي في الامة، فالازهر الشريف هو من المراجع الاسلامية الكبرى التي تحظى باحترام من لدن اتباع جميع المذاهب الاسلامية دون استثناء، وهو دور يوازي دور مصر على الصعيد السياسي والثقافي والحضاري بين العرب والمسلمين، لذلك نتمنى على القائمين على الازهر الشريف ان تتسع صدروهم لما نقول لانه صادر من قلوب محبة للازهر الشريف ولاهل مصر الكرام.
يتفق جميع عقلاء الامة وفي مقدمتهم علماء الازهر، ان محاربة الارهاب التكفيري، الذي وصل للاسف الشديد الى مصر حيث بدأ هذا الارهاب يستهدف امن واستقرار مصر من خلال تكفير ابناء مصر الاصلاء من المسيحيين والمسلمين الذين ينفرون من العقيدة التكفيرية، التي تعتبر سبب كل البلاء الذي نزل بالامة.
من اجل ان تصل جهود الازهر الى نتائج تصب في صالح اهل مصر والمسلمين بشكل عام، نرى من الضروري ان يتخذ الازهر خطوتين في غاية من الاهمية، من اجل تعرية الارهاب التكفيري الذي دخل مصر وراء اقنعة ملونة، ومن اجل تجفيف بعض مستنقعات التكفير التي تغذي الجماعات الارهابية في مصر.
الخطوة الاولى، هي العمل على تسمية الاشياء بمسمياتها دون مجاملات او رعاية جهات لا تضمر الخير لمصر واهلها، فهناك العديد من الجماعات التي اخذت تنشط في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي في اطار احزاب وتكتلات وتنظيمات سياسية ودينية وثقافية ودعوية واقتصادية، بينما هدفها الحقيقي هو نشر العقيدة الوهابية التكفيرية في مصر، وهي العقيدة التي يحملها اليوم الارهابيون الذين يقتلون الجنود والمسيحيين وكل من يخالفهم في مصر بذرائع لا تمت للدين الاسلامي باي صلة، لذا لابد من تعرية هذه الجماعات وبيان خطورتها للشباب المصري للحيلولة دون وقوعهم في براثنها، لاسيما انها تمتلك قدرات مالية ضخمة ونفوذ وامكانيات، ويمكن لمس هذا التغلغل السلفي الوهابي التكفيري في مصر، من خلال ما قامت به هذه المجاميع على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، عندما تمكنت من تحريض اجهزة الدولة بهدف التضييق على المشاركين في المعرض بذريعة وجود "كتب شيعية” ، في الوقت الذي تباع الكتب الوهابية السلفية التكفيرية بارخص الاثمان في المعرض وفي مكاتب مصر، والتي تعتبر المعين الفقهي لمن يقتل جنود مصر ومسيحييها ومسلميها، فالمرجع "الديني” للسلفيين الذين يدعون الدفاع عن السف في مصر، و”داعش” والقاعدة وجميع التنظيمات التكفيرية الاخرى هو مرجع واحد، وهو محمد بن عبد الوهاب واساتذته ابن قيم الجوزية وابن تيمية، ونتحدى اي شخص يقول غير ذلك.
اما الخطوة الثانية، فهي اسهل بكثير من الخطوة الاولى، لقدرة الازهر على القيام بها دون ان تكون لها تداعيات كما للخطوة الاولى، وهي اعادة كتابة النصوص التاريخية والفقهية بعيدا عن تأويلات شاذة لـ”فقهاء” استنبطوا من القران والسنة ما اعتقدوا انه صحيح، بينما تعتبر آراؤهم الفقهية اليوم كارثة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فهناك كتب فقهية تدرس في الازهر، فيها ما تقشعر له الابدان، والتي تنسف هدف المؤتمر حول المواطنة وحرية التنوع والعيش الاسلامي المسيحي المشترك من الاساس، ويكفي القاء نظرة سريعة الى كتب مثل «الشرح الصغير»، و«الروض المربع بشرح زاد المستقنع»، و«الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»، و«الاختيار لتعليل المختار” وغيرها من الكتب الاخرى، حتى نقف على التحريض الممنهج على التكفير والعنف والتطرف والارهاب.
سنصطدم في حال تصفحنا هذه الكتب باقوال مرعبة تدرس للناشئة والمراهقين في الازهر، ومنها على سبيل المثال:
-«وله- أي للمسلم- قتل الزاني المحصن، والمحارب، وتارك الصـلاة، ومن له عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام في القتل، لأن قتلهم مستحق، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يشاء»، «الشرح الصغير»، المقرر على الصف الثالث الثانوي.
-"وألا تبنى كنيسة في الإسلام لأن إحداث ذلك معصية، فلا يجوز في دار الإسلام، فإن بنوا ذلك هدم، ولا يجوز إعادة بناء كنيسة قد انهدمت وبالذات في مصر” صفحة 236 من كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع» المقرر على الصف الثالث الثانوي.
-"ويعرف أهل الكتاب في ديار الإسلام بلبس الغيار وشد الزنار، ويمنعون من ركوب الخيل، ويلجأون إلى أضيق الطرق، ولا يمشون إلا أفرادًا متفرقين، ولا يوقرون في مجلس فيه مسلم لأن الله تعالى أذلهم” من صفحات 236 – 238 من كتاب الاقناع.
-«تميز نساء المسيحيين بلبس طوق الحديد حول رقابهن ويلبسون إزارًا مخالفًا لإزار المسلمات، وتميز دورهم بعلامات حتى لا يمر السائل عليهم فيدعو لهم بالمغفرة” من كتاب الاقناع .
-«بما أن الإساءة تقطع عروق المحبة فيجب الإساءة لهم وعدم الميل القلبي لهم، وقطع عروق المحبة معهم” ، اي المسيحيين صفحة 238 من كتاب الاقناع.
-حول النظرة الدونية للمراة نقرأ في كتاب «الإقناع في حل ألفاظ أبى شجاع» في صفحتي 430، 432: «أن النساء على ضربين: ثيبات وأبكار، فالبكر يجوز للأب والجد إجبارها على النكاح، والثيب لا يجوز تزويجها إلا بعد بلوغها وإذنها”.
-في كتاب «الروض المربع بشرح زاد المستقنع» الذي يدرس بالصف الثالث الثانوي الأزهري في صفحتي 90 و91 يرد أنه: «لا يلزم الزوج لزوجته دواء وأجرة طبيب إذا مرضت”.
هذا غيض من فيض ما تحتويه هذه الكتب وهو تحريض صريح على القتل والتطرف والعنف والكراهية واحتقار المراة، وهو كلام قد لا يجد له صدى لدى الانسان البالغ والعاقل، الا ان الطامة تكمن في ان هذه الاقوال تُدرس على انها "دين” للناشئة و للمراهقين، هنا قد يقول قائل ان مثل هذا الفقه لا يؤمن به الازهر وانه غير قابل للتنفيذ، ونحن بدورنا نؤيد ان الازهر لا يؤمن بمثل هذه الكوارث ولكن اليس من الافضل ان تحذف هذه الاقوال من مناهج الدراسة اصلا كي لا تتحول الى ذريعة بيد "الدواعش” ؟.
اخيرا اذا اراد الازهر الشريف ان يبقى المرجعية الكبرى للمسلمين، عليه ان يقوم باتخاذ الخطوتين اللتين اشرنا اليهما دون مجاملة او محاباة، فمجرد عقد المؤتمرات والندوات واصدار البيانات لا تكفي لاقتلاع جذور التكفير والتطرف والعنف والارهاب في مصر والعالم، فهذه الظاهرة كظاهرة الجبل الجليدي في البحر، فلا يظهر منه الا بعض قمته، بينما يغوص الى عمق الاف الامتار في البحر.
المصدر: شفقنا