يعتبر العراق البوابة الأقصر والأوسع للوصول إلى طهران، وهذا ما يفسر الزيارة غير المعلنة التي قام بها السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، والتقى خلالها نظيره إبراهيم الجعفري، ورئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وأكد في كل مباحثاته على رغبة بلاده في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، ومواجهة الإرهاب الذي يهدد المنطقة، وتقديم دعم سعودي لمشاريع إعادة أعمار المناطق المحررة من "داعش" في الموصل وغيرها.
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- الزيارة جاءت مفاجئة بالنظر إلى العلاقات المتدهورة، بل وشبه المقطوعة بين البلدين، حيث بلغ التوتر ذروته أثناء تغريدات استفزازية للسفير السعودي الأول في العراق بعد انقطاع سنوات، ثامر السبهان، التي وصفت بالطائفية لانتقاده الحشد الشعبي العراقي، ذو الأغلبية الشعبية، مما دفع السعودية إلى سحبه حفاظاً على حياته بعد تهديدات تعرض لها، وبعد أن اعتبرته الحكومة العراقية شخص غير مرغوب فيه.
هناك عدة أسباب تقف خلف هذا التحول اللافت في الموقف السعودي تجاه العراق:
الأول: عودة السلطات العراقية الحاكمة إلى التمسك في حربها ضد الإرهاب، واستعادة العديد من المدن العراقية التي كانت خاضعة لـ"داعش"، وتحقيقها تقدم كبير في حربها لاستعادة مدينة الموصل.
ثانياً: إقدام الطائرات العراقية على توسيع نطاق عملياتها بدعم من أميركا وإيران وسوريا، حيث قامت بقصف قواعد لـ"داعش" في مدينة بوكمال الحدودية وداخل الأراضي السورية، مما يعني أن هناك دوراً للحكومة العراقية يحظى باتفاق قوى إقليمية ودولية في سوريا، وربما في انتقال الجيش العراقي إلى حرب تحرير الرقة بعد الموصل لاحقا.
ثالثاً: شن قوات تابعة لـ"داعش" هجوماً على مركز طريبيل الحدودي بين العراق والأردن، وقتل العديد من الجنود فيه، وهو معبر قريب من الحدود السعودية، وهناك تقارير تفيد بأن عناصر "داعش" باتت نشطة في منطقة الأنبار المحاذية للأراضي السعودية الشمالية.
رابعاً: أدركت القيادة السعودية أن سياسية "الحرد" والدخول في نزاعات مع دول الجوار على أسس طائفية على درجة كبيرة من الخطورة، ولا بد من "المرونة"، فعلاقاتها مع سوريا سيئة، وتخوض حرباً مع اليمن، وعلاقاتها مع إيران متوترة، ومع العراق شبه مقطوعة.
خامساً: أدركت السعودية أن العراق وإيران سيلعبان دوراً إقليماً قوياً في المستقبل المنظور، خاصة على صعيد التسوية في سوريا، وتدرك جيداً أن الحوار مع إيران هو السلم الوحيد للخروج من حفرة اليمن، وقد يكون العراق الوسيط الأمثل في هذا الصدد.
خلاصة القول إن زيارة الجبير غير المعلنة لبغداد قد تكون ثمرة مراجعات سياسية سعودية، ومحاولة لكسر العزلة الإقليمية، واعتراف بفشل سياسات صدامية على أسس طائفية تبنتها المملكة طوال السنوات الماضية، حيث أن الجبير هو أعلى مسؤول يزور بغداد منذ عام 2003.
إنها زيارة تعطي مؤشراً بأن صوت العاقل الحكيم في الهرم الحاكم في الرياض بدأ يجد آذاناً صاغية لوجهة نظره، التي تميل إلى المرونة والابتعاد عن الصدامات، وضرورة العودة إلى الضوابط والمعايير السياسية و"الأخلاقية" التي كانت متبعة في المملكة منذ تأسيسها.
* رأي اليوم