قال المعارض السوري حسين العودات قبل وفاته في دمشق في الربيع الماضي (لـ «السفير»): «نادراً ما تشرذمت معارضة في بلدان العالم كالمعارضة السورية حالياً، حتى أصبح كل عشرة أشخاص، قادرين على تأسيس فصيل يتوهم أنه يرسم مستقبل البلاد».
طهران-وكالة نادي المراسلين الشباب للانباء- يروي مسؤول خليجي أنه حين استقبل وفدا من المعارضة السورية في أواخر عام 2012، ثم اجتمع مع أعضائه كلاً على حدة، خرج بنتيجة واحدة: «ان كلا منهم يريد أن يكون زعيما، وأنهم يكرهون بعضهم البعض»، وقال «والله بعد ان التقيتهم تمنيت أن يعود حافظ الأسد الى الحكم وليس فقط بشار».
الخطأ الأول إذاً كان في تشتت المعارضة وتنافسها فسهُل اختراقها إقليميا ودوليا. وها هي تُعرب عن خذلانها من ذاك الاختراق.
هذا د. برهان غليون أول رئيس لـ «المجلس الوطني السوري»، يكتب أن «ترامب وعقيدته الرثة» يؤسسان لـ «مرحلة الردة الجديدة على قيم ومثل وآمال وأوهام العصر الذهبي الآفل للدولة القومية وللرأسمالية المنتجة والخلاقة». ألم تكن أميركا في طليعة منظومة «أصدقاء سوريا» التي وعدت المعارضة بأنهار اللبن والعسل؟.
في مثل هذه الأيام بالضبط من عام 2011، خاطب السيد حسن نصر الله الدكتور غليون قائلا: «إن هذا المجلس له رئيس اسمه برهان ديب غليون وهو يقول: نحن إذا استطعنا أن نغيّر النظام واستلمنا السلطة في سوريا، نريد أن نقطع علاقتنا مع إيران «مفهوم»، ونريد أن نقطع علاقتنا مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وسمّى «حزب الله» و «حماس»، حسناً، هذه أوراق اعتماد لمن؟ هذه ورقة اعتماد للأميركي والإسرائيلي.
الخطأ الثاني الذي ارتكبته المعارضة، هو تعمّدها الخروج من جلدها القومي العربي المقاوم لـ"إسرائيل"، ففقدت فرصتها الذهبية لتشكيل نموذج طليعي للمعارضات في الشرق الأوسط. ولم تجد بعد ذلك ذريعة سوى تصويب السهام ضد إيران و «حزب الله» والشيعة... لعلها بذلك أوجدت مبرِّرا مثالياً لانخراط «حزب الله» وقوى أخرى مدعومة من طهران في الحرب السورية.
وهذا ميشال كيلو الناشط السياسي ذو التجربة اليسارية الطويلة، يقول في ما سُرِّب عنه (عمدا أو عن غير قصد): ان قسما من شباب المعارضة من غير الديموقراطيين منشغلون بالتجارة من الأموال التي حصلوا عليها من قطر وغيرها، وإن السعوديين تحت مستوى السياسة وإن الحكومة السعودية لا تملك حسا إسلاميا ولا قوميا ولا عروبيا.
أليس ميشال كيلو نفسه هو الذي جلس كالتلميذ في أوج الحرب السورية أمام وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يسمع النصح حول كيفية إسقاط الرئيس الأسد وصناعة الديموقراطية؟ أوليس هو من توهّم أن «أميركا ستقصف الرئاسة السورية والحرس الجمهوري وينتهي الأمر»؟.
الخطأ الثالث، اذاً، تمثّل في الاعتماد على دول اقليمية ليست الديموقراطية في سلّم أولوياتها، وعلى دول غربية ما أخذت يوماً بعين الاعتبار هموم شعوبنا العربية. كتب الرئيس السابق لـ «الائتلاف» الشيخ معاذ الخطيب بعد استقالته يأساً من «الائتلاف»: «أعترفُ بأني ارتكبتُ خطأ سياسياً في ما مضى، وهو ظني أن هناك دولة ما ستنقذ بلدنا! ليس لأننا محرومون من الأصدقاء، بل لأن الأنظمة الكبرى في السياسات الدولية لديها فقط مصالح وخطوط حمراء، وهذا ما يهمها».
قبل أيام اجتمع «الائتلاف» المعارض في اسطنبول. رفض رئيسُه عبدالله الفهم مجرد التعاطف مع كاتب بحجم المفكر السوري صادق جلال العظم، ذلك أن العظم بالنسبة له «علماني». ممتاز. وهل ميشال كيلو يؤدي الفرائض الخمس؟.
الخطأ الرابع الذي ارتكبته المعارضة السورية يكمن في أنها قبلت بانحسار وجوهها اليسارية والعلمانية والليبرالية خلف تيار الإخوان المسلمين المدعوم ماليا وعسكريا وسياسيا من قطر وتركيا والأطلسي.
يروي المعارض السوري د. هيثم المناع الذي سعى للتمايز عن غيره بعدم الارتماء في أحضان دول إقليمية ودولية ورفض «أسلمة الثورة أو تسليحها» الرواية التالية. يقول: «في أول اجتماع لنا في قطر في شهر تموز/يوليو 2011 مع عزمي بشارة حيث كنت أنا ونبراس الفاضل وفايز سارة ورجاء الناصر وعارف دليلة وأحمد رمضان وعبد الباسط سيدا وغيرنا، أخذني عزمي إلى غرفة مجاورة وقال لي أنت تُفشل هذا اللقاء أو تُنجحه..». وكان كما الكثيرون يعرف موقفي من مسألة الإخوان أو رفضي لأسلمة أو تسليح أو تدويل الثورة. تم في الاجتماع اقتراح دعوة قيادات إخوانية، وحين طرح اسم ملهم الدروبي، سارعت إلى المعارضة وقلت: أنا لا أجتمع مع شخص التقى منذ أقل من أسبوع برنار هنري ليفي (وهو فيلسوف فرنسي يهودي مقرب من إسرائيل ودعم الانتفاضات في ليبيا وتونس وسوريا وغيرها) ولا أريد أن أحرق نفسي. قال د. برهان غليون: أنا ليس عندي مانع من لقائه، فقلت له: اجتمع أنت مع من تريد وغادرت قطر...». (راجع تفاصيل الرواية في كتاب «الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج).
حين قبلت المعارضة غير الإسلامية الانحسار خلف التيار الإخواني، انما قبلت بأن يُصادر دورُها من قبل مسلحين وتكفيريين وإرهابيين جاؤوا من كل بقاع الأرض يقتلون الأرض والبشر والشجر والتاريخ والحضارة في سوريا. وصار السعودي عبدالله المحيسني سيد قرارها.
أما الخطأ الخامس فهو ما نشهد نتيجته في حلب. فهي حين اعتقدت المعارضة أنها بالسلاح تستطيع إسقاط النظام، سمحت بانتصار الأقوى وسلّمت قرارها لمن يعطيها السلاح.
في نهاية العام الماضي عدّد الرئيس السابق للمجلس الوطني أخطاء المعارضة بالتالي: «لم تتمكّن من توحيد المواقف، ولم تتفاعل مع القوى الميدانية، ولم تستطع طمأنة السوريين من سائر المكوّنات، وفي ظل تشتتها وتباين مرجعياتها تبدو المعادلة السورية مستحيلة الحل وهناك لامبالاة أميركية كبيرة مرتبطة بالمعادلات الإقليمية والدولية».
ربما دخلت سوريا فعلاً في المرحلة الاولى لنهاية الحرب بعد حلب. قال الأسد في مقابلته الأخيرة مع صحيفة «الوطن» «ان العملية السياسية ولدت ميتة لأنها لم تكن بين سوري وسوري». لا شك بأن المنتصر عبر التاريخ يفرض شروطه. ومن هذه الشروط سيكون حتماً تفكك الائتلاف وبروز شخصيات معارضة مقبولة من القيادة السورية الحالية. لقد ضيّعت المعارضة السورية فرصة ذهبية لأن تكون نموذجاً في شرقنا المحتاج لمعارضات شريفة تصحح خلل الأنظمة. قتلها التنافس والمصالح والمال والأوهام فأعادت تسليم البلاد الى من توهمت على إسقاطه.
سامي كليب / السفير
(العالم)