القی الرئیس الایرانی حسن روحانی السبت کلمة فی قمة عدم الانحیاز المنعقدة فی جزیرة مارغاریتا الفنزویلیة تطرق خلالها الی مختلف القضایا الاقلیمیة الدولیة.
اصحاب الفخامة والسمو ، رؤساء الدول المحترمون
اصجاب المعالی ، الوزراء المحترمون
السیدات والسادة:
یسعدنی ان اتقدم بالاصالة عن نفسی والوفد المرافق وبالنیابة عن حکومة الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة بالشکر والامتنان الی فنزویلا حکومة وشعبا علی کرم الضیافة واقامة المؤتمر السابع عشر لقمة دول عدم الانحیاز.
ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تفتخر الیوم بانها قد وظفت امکانیاتها وقدراتها لتحقیق الاهداف السامیة التی تصبوا الیها هذه الحرکة ولتعزیز فاعلیة المؤسسات التابعة لها اقام المکتب التنسیقی وترویکا الحرکة ومجموعات العمل التابعة لها فی الامم المتحدة والتکتلات الاخری فی مجلس الامن وتعزیز السلام اقاموا خلال هذه الفترة اکثر من 450 اجتماعا فی نیویورک . ان المؤسسات والبرامج الاخری للامم المتحدة فی جنیف وفیینا ولاهای والیونیسکو تعتبر شاهدا اخر علی النشاطات الجادة التی قامت بها هذه الحرکة وتکللت بالنهایة فی اتخاذ القرارات الواضحة لدول عدم الانحیاز فی مختلف القضایا العالمیة مثل نزع السلاح واصلاح نظام الامم المتحدة وحفظ السلام وحقوق الانسان.
اننا نعلم جمیعا بأن قوة دول عدم الانحیاز مرهونه بتضامن الدول الاعضاء وتعزیز فاعلیتها وعلی هذا الاساس قد بذلت جهود حثیثة فی هذه الدورة لتطویر علاقاتها الداخلیة کما استمرت فی المحادثات مع الشمال بقوة لتبیین وتطویر رسالة عدم الانحیاز وتعزیز مواقع الحرکة حیث اجریت حتی الان عدة جولات من المحادثات بین ترویکا الحرکة وترویکا اوروبا . فقد ذکرت کل هذه النشاطات بشکل تفصیلی فی التقریر الذی رفع من الرئیس الی المؤتمر .
ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وبعد اربع سنوات من رئاستها الدوریة علی حرکة عدم الانحیاز تفتخر الیوم بانها تسلم هذه المسؤولیة الجسیمة الی حکومة فنزویلا الصدیقة متمنیة لها فترة رئاسیة ناجحة خلال السنوات القادمة بفضل اهتمامها والتزام المسؤولین فیها وبدعم کافة الدول الاعضاء فی الحرکة.
لاشک ان القرارات والنتائج الهامة التی تنتج عن هذا المؤتمر الهام الذی اقیم تحت شعار 'السلام والسیادة والتضامن لاجل التنمیة' تعتبر خطوة هامة لتحقیق الاهداف السامیة التی تصبو الیها حرکة عدم الانحیاز . اننی اغتنم الفرصة لابدی شکری وامتنانی الی کافة الدول الاعضاء فی هذه الحرکة علی تعاونها وتعاملها الایجابی والبناء مع الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة خلال فترة رئاستها الدوریة واؤکد علی ان الانجازات الراهنة لم تکن تتحقق بدون التعاون والاسهام الفاعل من قبل کافة اعضاء هذه الحرکة لاسیما الدول التی تتحمل المسؤولیات فی وضع الالیات فی مختلف مراکز الامم المتحدة.
الحضور الکرام،
تنعقد القمة الحالیة فی وقت یتعرض السلام بکل جوانبه للخطر والتهدید فی ارجاء المعمورة حیث ان السیادة الوطنیة فی الدول النامیة تنتهک باشکال مختلفة واطوار متنوعة مما جعل الدول الاعضاء فیها تحتاج الی تضامن وتعاون وتنسیق اکثر من ای وقت مضی. والواقع اننا باعتبارنا مجموعة تتألف من ثلثی اعضاء الامم المتحدة نملک جزءا کبیرا من الحلول الناجعة للتحدیات الحالیة بشکل لایمکن انکارها وتجاهلها.
وان کنا موضوعیین نجد ان الذی یجری الیوم فی النظام الدولی یعتبر امرا مقلقا حیث اننا نری النزعات السلطویة لها دور فی العلاقات الدولیة وتعتبر حقیقة لایمکن انکارها . لایزال التوجه الی الاقطاب العسکریة هو فکرة حاضرة فی الاذهان وفی تصرفات العدید من اللاعبین الدولیین ویتغلب علیهم التنافس فی مجال الاسلحة واشعال الحروب وتصعید الصراعات وزیادة العنف والتدخل فی الشؤون الداخلیة للدول النامیة من قبل اصحاب القوة والمال تبدو خفیا وعلنیا وتعتبر جزءا من مجموعة التصرفات التی لایمکن التعلیق علیها الا بالرجوع الی منطق السلطة.
تم وضع المبادئ والاهداف الاساسیة فی حرکة عدم الانحیاز بشکل یعتبر معیارا اساسیا لکافة الدول الاعضاء حیث ان التمسک بهذه المبادئ یضمن الاستقلال ووحدة الاراضی والسیادة فی الدول من جهة ویرفع مستوی المصالح الوطنیة وحسن الجوار وتحقیق السلام والامن والتنمیة المستدامة فی العالم من جهة اخری. لاشک ان باتباع هذه المبادئ یمکن تسویة العدید من المشاکل والتحدیات الاساسیة والازمات الجادة فی العالم.
اننا فی الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ومنذ بدایة انتصار الثورة الاسلامیة فیها وضعنا شعار لاشرقیة ولاغربیة ووضعناه نصب اعیننا فی سیاستنا الخارجیة لاشک ان هذا الشعار یتلائم مع جوهر اهداف حرکة عدم الانحیاز اننا بدأنا تحرکنا فی هذه المنطقة واننا علی یقین بأن التعامل مع العالم الخارجی هو امر ممکن. العالم الذی کان من المقرر ان یظهر بمظهر انسانی وعادل تجلی فی طیات اهداف الحرکة والعالم الذی یجب ان ینطبق مع حیویة التطورات السیاسیة.
ایران وخلافا لما یصورها الاعلام المعادی والمثیر للحروب ویوصفها بانها دولة اصولیة لم تتحرک فی یوم من الایام علی اساس فکرة تؤمن بالتناقض بین المصالح الوطنیة والعالمیة ان دفاعنا عن الحرکات الحقة والعادلة فی العالم لایعبر عن اننا نعارض القیم الانسانیة المقبولة والمشروعة ولیس بمعنی التدخل فی شؤون الاخرین بل وانه یعبر عن فکرة الحوار ضد فرض السلطة واقامة عالم مضطرب .
لقد عانی عالمنا خلال السنوات الاخیرة من الاحداث السیئة التی جرت علی الشعوب فی سوریا والیمن والعراق ولیبیا واصبحت شعوب هذه الدول تعیش فی مستنقع التنافس الانانی المدمر وعانت ضمائر الملیارات من سکان الارض من هذه الظواهر التی لم تکن الا نتیجة لعدم تحمل القوی العظمی فی العالم مسؤولیتها تجاه الحروب التی تحل بالابریاء . لاشک ان العالم یعلم ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة کانت الدولة الاولی التی حذرت العالم من الخطر العالمی للارهاب التکفیری فی سوریا بینما العدید من الدول غیر المسؤولة فی منطقة الشرق الاوسط وفی الغرب کانت منهمکة فی تزوید الارهابیین التکفیریین وتدریبهم . نحن کنا فی العراق وسوریا وفی جانب الحکومة والشعب فی هذین البلدین نتصدی لاحدی ابشع المجموعات الارهابیة التی ظهرت فی التاریخ حیث الایادی الملطخة بالدماء لاعضاء هذه التنظیمات وحماتها وممولیها ومزودیها بالسلاح لن تتطهر ابدا. وبعد توسیع الهجمات الوحشیة لهذه التنظیمات وانتقالها الی خارج سوریا اتخذت الدول الداعمة للارهاب التکفیری قرارا - خلافا لارادتها ونوایاها- لاقامة تحالف هش ودون جدوی لتصدی الارهاب بینما لم یتمکن المجتمع الدولی حتی الان من تحقیق نجاح بسیط فی استعادة الحقوق المهضومة للشعب الفلسطینی وفی انهاء الاحتلال. لم تکن القوی العظمی تساعد علی رفع المعاناة والالام فحسب بل انها کانت صاحبة الحصة الاساسیة فی انتاج الفقر والعنف وتشرید الملایین من البشر فی الدول النامیة. ولیست هذه الاحداث الا شاهدا علی صحة المبدأ القائل انه لایمکن ان نعقد امالا علی القوی العظمی فی تحقیق الامن والتنمیة والتقدم. مع الاسف ان لبعض الدول الاعضاء فی حرکة عدم الانحیاز دورا فی دعم الارهابیین والاخلال بالهدوء وفی التدخل فی الشؤون الداخلیة للدول الاخری الاعضاء بالحرکة بانتهاکها المبادئ الاساسیة لهذه الحرکة.
ولیست حصیلة هذه السیاسات الخاطئة الا التدمیر والسمعة التاریخیة السیئة لهذه الدول والتنظیمات الارهابیة المدعومة منها لان السنن الالهیة والتجربة التاریخیة تؤید وتؤکد علی حقیقة وهی ان التصدی والوقوف فی وجه مطالب الشعوب الشرعیة یعتبر امرا مکلفا ویترک سمعة سیئة ولاخیار امام القوی التدخلیة والمعتدیة والعدوانیة الا خیار الاستسلام والخضوع لمطالب الشعوب .
اننی وبالنیابة عن الشعب الایرانی العظیم قدمت اقتراح 'العالم ضد العنف والتطرف' لما یشعر به هذا الشعب من مخاطر التنظیمات الارهابیة والمتطرفة وذلک خلال اجتماع الجمعیة العامة الثامن والستین حیث اسفر هذا الاقتراح عن اقرار قرارین فی الجمعیة فی الاعوام 2013 و 2015 لاننا نعتقد بان التصدی للارهاب والتطرف بحاجة الی التعاون البناء والصادق من کافة اعضاء المجتمع الدولی .
اننی وخلال اجتماعات الجمعیة العامة فی العام المنصرم اکدت علی ضرورة اقامة جبهة موحدة لمواجهة التطرف والعنف . اننا نؤمن بان حرکة عدم الانحیاز تملک امکانیات کبیرة فی تحقیق هذه الافکار فی اطار الامم المتحدة.
السیدات والسادة،
ان التحدیات التی تجری فی مختلف المناطق العالمیة یجب الا تحرفنا عن القضیة الفلسطینیة والشعب الفلسطینی المظلوم الذی لایزال محروما من حق امتلاک ارضه وحکومته وعودته الی الوطن الام. ان الکیان الصهیونی یسعی الی خلق التطورات الحالیة فی الشرق الاوسط واستغلالها لاسیما بعد ظهور التنظیمات الارهابیة والمتطرفة مثل داعش لتغطیة ممارساته الاجرامیة ضد الشعب الفلسطینی المظلوم والشعوب الاخری فی منطقتنا. ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة وضعت دعم الشعب الفلسطینی والقضیة الفلسطینیة فی طلائع سیاستها الخارجیة بناء علی ما تعتقده من العقائد الدینیة والقیم الانسانیة والقیم الوطنیة السامیة. نحن نعتقد بان الدفاع عن الشعب الفلسطینی لایقتصر علی عنصر خاص او مذهب محدد بل انه یعتبر موضوعا انسانیا وواجبا علی الجمیع . نحن لم نجعل الدفاع عن الشعب الفلسطینی امرا یتأثر بالتطورات العابرة والسیاسات الخاطئة. اننا نفتخر بان الشعب الایرانی والحکومة الایرانیة کانت تقف بجانب الشعب الفلسطینی المظلوم والمقاوم بای ظرف من الظروف .
الحضور الکرام،
ان سیاسة الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة الخارجیة تقوم علی سیاسة الاعتدال والوسطیة والتعامل وبذل المساعی لمعالجة الصراعات والخلافات وسوء الفهم عبر الحوار والتعاون ومن هنا وبالرغم من الاجراءات العدوانیة والضغوط السیاسیة والاقتصادیة الواسعة علی بلدی بحجة الملف النووی کانت الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تؤکد منذ البدایة علی اجراء حوار بناء حیث تمثل فی النهایة بالمحادثات بینها وبین مجموعة 5+1 وتکلل بالنجاح والوصول الی الاتفاق النووی.
ان الدعم الحاسم للدول الاعضاء فی حرکة عدم الانحیاز للبرنامج النووی السلمی الایرانی ودعمها للمحادثات کان له دور مؤثر فی ضمان الحقوق الشرعیة لایران فی المجال النووی وللدول النامیة وفی انجاح المحادثات . ان الاتفاق النووی بین ایران والاطراف الاخری یعتبر امرا هاما فی مختلف الجوانب لانه لایقتصر بالفوائد والمصالح وحق ایران فی المجال النووی فحسب بل انه یعتبر اعترافا بمقاومة الشعب الایرانی ووقوفه فی وجه الضغوط . وادت المقاومة الی الایتحول هذا الاسلوب الی خیار دولی لحرمان الشعوب من حقوقها الاساسیة والشرعیة فی مجال التقنیة النوویة السلمیة .
اضافة الی هذا ان النتیجة البناءة التی نتجت عن هذه المحادثات تؤکد علی حقیقة وهی انه لایمکن انهاء الازمات المعقدة والطویلة فی العالم الا بانتهاج نهج الحوار واستخدام الالیات السلمیة وتبنی التوجه القائم علی مبدأ ربح-ربح . فی الحقیقة یمکن القول ان الاتفاق النووی لم یکن اتفاقا سیاسیا فحسب بل انه یعتبر استراتیجیة وتوجها جدیدا فی التعامل الایجابی والبناء لتسویة الازمات والتحدیات بشکل سلمی وذلک فی عالم یشهد التوتر ویری بان استخدام السلاح والعنف اصبح امرا اعتیادیا ویومیا فیه. ان الاتفاق النووی یمکن ان یکون فاتحة وبدایة للتعاون الثنائی ومتعدد الاطراف بین الدول لتحقیق السلام والتنمیة ولتقدیمهما الی الامام.
ان الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تعتقد بأن الحوار والمحادثة یعتبران افضل خیار لمعالجة الصراعات العالمیة والاقلیمیة وکانت من الطلائع فی هذا الامر واننا نرحب بای مبادرة قائمة علی الحوار والمحادثة علی صعید المنطقة لانهاء الخلافات القائمة لاننا نؤمن بان مشاکل منطقة الشرق الاوسط لایمکن حلها بواسطة دولة واحدة . فمن هنا فان الوصول الی الامن والتنمیة فی المنطقة لایتحقق الا عبر التعاون والمشارکة الجماعیة من قبل الدول الجارة فیها.
وختاما اعلن استعداد الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة لتعاون واسع وفاعل مع کافة الدول الاعضاء فی الحرکة لاسیما مع فنزویلا الصدیقة باعتبارها الرئیسة الدوریة للحرکة لتحقیق الاهداف وتنفیذ القرارات الصادرة عن هذا المؤتمر.
مع جزیل الشکر
انتهی/