التواطؤ بين الصهيونية وألمانيا الرأسمالية، الغربية وعاصمتها بون، ثم الموحدة بعد إسقاط جدار برلين، لم يتوقف تحت ذريعة (التعويضات) التي جعلت من ألمانيا الرأسمالية أكبر مموّل للكيان الصهيوني.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- لا أحد ينكر أن النازية الألمانية بزعامة هتلر أبادت عشرات بل مئات الآلاف من اليهود، والملايين غيرهم، ولكن ليس على النحو الذي أشاعته الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية، وادّعت فيه أن الهتلرية أبادت بغرف الغاز خمسة ملايين يهودي معظمهم من يهود ألمانيا.
فكل يهود ألمانيا خلال تلك الفترة كانوا أقل من مليون شخص، بل إن بعض الدراسات ذكرت أن عددهم لم يتجاوز الربع مليون، كما إن المحارق المذكورة (ليست أفران غاز) شملت الجميع بما في ذلك مئات الآلاف من الجنود الألمان خوفاً من الأوبئة.
بيد أن السؤال الغائب المغيّب لا يدور حول أي من المعطيات المذكورة، بل حول مجال آخر، هو من هم اليهود وغير اليهود الذين استهدفهم هتلر ونكّل بهم ونفّذ فيهم أحكام الإعدام الجماعية، ولماذا وبأي دوافع؟
بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة ألمانيا في هذه الحرب، تراوحت ردود الفعل على هذه الهزيمة بين تيارات انهزامية خضعت بالكامل لإرادة العواصم الرأسمالية الغربية المنتصرة، مثل بريطانيا وفرنسا، تماماً كما تفعل ألمانيا الحالية بالخضوع للإرادة الأميركية، وبين تيارات عدمية وأخرى عزائية على نحو ما كتبه شبلنغر في (انحدار أو سقوط الغرب).
وكان التيار الأخطر هو الذي لم يتوقف عند الهيمنة الرأسمالية الغربية ووكلائها المحليين، بل عند ما سمّاه بالخطر الأحمر، أي الشيوعي، حتى إنه رأى حكومة فايمار الممثلة للاشتراكية الدولية أو الأممية الثانية المعادية للشيوعية بعين واحدة، ولم يدقق في أنها جزء من الاحتياطي الاجتماعي للرأسمالية.
لقد استفاد من اشتراكيتها المزيفة ودمجها في خطاب (قومجي) عنصري راح يبحث عن المكونات (غير الآرية) في الحركة الشيوعية والديمقراطية ويحذر منها كحصان (طروادة) لروسيا الشيوعية الجديدة منذ ثورة أكتوبر 1917.
وكان من عناصر هذا التيار فنان تشكيلي من الدرجة العاشرة سبق وخدم في وحدات القتل السرية في الجيش الألماني، هو هتلر، العنصري الألماني الذي لم يكن ألمانياً خالصاً، بل كان نمساوياً غير معروف الأصل، وربما كان يهودياً.
كان هتلر بضاعة استثنائية في أقلام الاستخبارات الرأسمالية الغربية لبناء جيش من الكراهية والاحتقان ضد روسيا الشيوعية، وضد الحزب الشيوعي الألماني خصوصاً، قبل أن يصبح ملائماً تماماً للحركة الصهيونية أيضاً، التي لاقت فشلاً ذريعاً في تحريض يهود ألمانيا على فكرة الاندماج والتنوير، التي أطلقها يهودي ألماني في القرن الثامن عشر هو موسى مندلسون.
بهذا المعنى شكل هتلر والحزب النازي نقطة التقاطع السامة بين الرأسمالية التي تخشى امتداد الشيوعية إلى ألمانيا بوجود حزب شيوعي قوي يمثل اليهود فيه حضوراً ملموساً، وبين الصهيونية التي تريد أن تتخلص من اليهود الذين يرفضون فكرة الوطن اليهودي القومي المزعوم ويدعون إلى الاندماج حيثما يكونون.
وثمة معطيات ودراسات تشير إلى أن الحزب النازي بقيادة هتلر تلقى أموالاً هائلة من الرأسمالية الألمانية لتصفية الشيوعية في ألمانيا، سواء بتفريغ الاشتراكية من مضمونها التاريخي وإلباسها لبوساً أيديولوجياً نازياً كما فعل هتلر، أو بالملاحقة الدموية المباشرة والاغتيالات والاعتقالات الواسعة.
ويكفي أن نعرف هنا أن عشرات الآلاف من المعتقلين الذين ادّعت الصهيونية إبادتهم في السجون النازية لأنهم يهود، كانوا قد اعتقلوا في الغالب لأنهم أعضاء في الحزب الشيوعي الألماني ليس خلال الحرب الثانية وحسب، بل منذ صعود هتلر وكذبة حرق الرايخ (البرلمان الألماني) وإلصاق هذه الكذبة بالشيوعيين واعتقالهم، وقتل العشرات من الراديكاليين داخل الفريق الحاكم نفسه المعارضين لهتلر، في تلك الليلة التي عرفت بليلة السكاكين وبمشاركة عملاء للمخابرات البريطانية، وفق الصحفي البريطاني ديفيد إيكه، في كتابه "السر الأكبر".
هذا عن البعد الخاص بعمالة هتلر والحزب النازي للدوائر السرية للبيوتات المالية الرأسمالية الألمانية، أما عن البعد الآخر الخاص بالعلاقة السرية ين النازية والصهيونية، فالفضيحة مدوية وباتت موضوع دراسات كثيرة تُجمع كلها على أن النازية وقّعت مع الحركة الصهيونية اتفاقاً سرياً باسم هاعفراه (الترانسفير أو النقل) ينص على دعم الحركة الصهيونية للاقتصاد الألماني وكسر أي مقاطعة له في الغرب، مقابل توفير ظروف في ألمانيا تؤدي إلى هجرة اليهود الشباب إلى فلسطين.
وبالإضافة إلى تسهيل الإجراءات الإدارية لذلك، صناعة رأي عام ألماني تحريضي ضد فكرة الاندماج اليهودي، ولم يقتصر ذلك على التصورات السياسية، بل إضفاء بعد أيديولوجي يحاصر فكرة الاندماج والتنوير وفيلسوفها مندلسون لصالح الأفكار الصهيونية بكل مدارسها.
وما يلفت الانتباه أيضاً، أن التواطؤ بين الصهيونية وألمانيا الرأسمالية، الغربية وعاصمتها بون، ثم الموحدة بعد إسقاط جدار برلين، لم يتوقف تحت ذريعة (التعويضات) التي جعلت من ألمانيا الرأسمالية أكبر مموّل للكيان الصهيوني.
ولا بد من الاستدراك كذلك أن المقصود بألمانيا الرأسمالية لا يقتصر على أحزاب اليمين المعروفة، بل يشمل مراكز التمويل الأجنبي مثل ناؤمان وكونراد أدنياور وإيبرت وكل الأحزاب الألمانية باستثناء الحزب الشيوعي الذي فقد أهميته منذ عام 1990.
انتهی/