سنواتٌ من الجهاد والمقاومة، والتخطيط والبناء، والإعداد والعلم، والعبادة والصبر، وتحمل المسؤولية، والعمل الدائم والمستمر، في كافة الميادين والجبهات، حتى ظهرت معالم التعب والإرهاق على محياه الجميل والمشرق، فكانت الشهادة على يد قوى الشر والاستكبار العالمي، الذي تتزعمه اميركا، وساماً يستحقه وبكل فخر الحاج الفريق قاسم سليماني قائد قوة القدس.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- لقد كانت شهادةً تليق بمقامه ومكانته، اضطربت فيها الأرض، وماجت قصور السّاسة، وارتعدت الكيانات الهشّة، وأعلن من لا طاقة له ولا قدرة على حمل وزر دم القائد سليماني "اسرائيل" أنه لا علاقة لهم بما حدث، لا من قريب ولا من بعيد..
ولأنه يستحق وبجدارة أن يُطلق عليه لقب "الجنرال.. قائد قوة القدس" خرجت الملايين في كافة دول المحور، وعلى رأسها العراق، وإيران، لتشييع هذا القائد الذي سكن قلوب الملايين، العاشقة لنهجه، وطريقه المقاوم.
لقد كان حضور الحاج قاسم سليماني في قلوب الملايين من الناس؛ لأنه كان حاضراً بينهم يمُر كل يومٍ بين عواصم بلادهم، من طهران محط التخطيط، والتمويل، والدعم اللامتناهي، واللامشروط، إلى بغداد حيث الحشد الشعبي، وقوى المقاومة الطاهرة المقدسة، مروراً بدمشق حاملة لواء المحور، وصمام أمانها، وسورها الذي لن يُهدم بإذن الله تعالى، وصولاً إلى بيروت عرين رجال الله وسيدهم المفدّى، وليس انتهاءً بصنعاء، الشامخة، العربية، الأصيلة، الصامدة في وجه قوى الشر والعدوان.
هذا المرور اليومي للحاج قاسم بين هذه العواصم، كان فيه العزة، والكرامة، والصمود، والشموخ، والكبرياء، كان فيه نصرة المظلومين المقهورين، كان فيه الدّفاع المقدس عن الإسلام، والمقدسات، والعروبة، دفاعاً عن الشيوخ، والأطفال، والنساء، الذين طالتهم وحشية الأمريكي بكافة أدواته وأعوانه، وعلى رأسها داعش المجرمة.
حضر الحاج قاسم، وإخوانه إلى المنطقة، وقد عاث الأميركي وأدواته فساداً، وظلماً، وسرقةً، وقتلاً، واغتصاباً، وتهجيراً، وتدميراً للتراث، والتاريخ، والحضارة، وتشويهاً لصورة الإسلام الناصعة، فكانوا كما المغول بقيادة جنكيز خان وحفيده هولاكو، وكان الحاج قاسم كما سيف الإسلام "قطز"، يحشد الطاقات، ويحرّض المؤمنين على القتال في كافة الميادين، ويرسم الخطط، ويوجه البوصلة نحو الحقيقة بأن الهدف من هذه الفتنة هو شقُّ عصا المسلمين، وتجزئة أراضيهم، ونهب خيراتهم، وتدمير قواهم واستنزافها، بغرض بقاء اسرائيل قوة، تعيث في جسد الأمة فساداً، وخراباً.
لم يفرق الحاج قاسم في دفاعه المقدس بين أحد من المواطنين، مهما كانت أطيافهم وأديانهم ومذاهبهم، فلقد دافع عن السني، والمسيحي، والأيزدي، والأرمني، والكردي، والدرزي، والزردشتي، وغيرهم قبل الشيعي.
بعد هذا الحضور اللافت والمبهر، بدأت المنطقة تستعيد بريقها، وهيبتها، ففي طهران عاصمةٌ المحور، كان العالم ينبهر بطبيعة الرد على جريمة اغتيال الحاج قاسم الجبانة، فلأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية، يتجرأ أي كيان في الكون على توجيه ضربة عسكرية صاروخية للقواعد الأميركية، وقد برهنت طهران على جرأتها، وأثبتت أنها قادرة على رد العدوان، حتى لو كان أمريكياً، وكان الإعلان عن ذلك بكل جرأة وعنفوان، وأضحت طهران قوةً عالمية لا يستهان بها.
أما في العراق فسرعان ما خاب ظنّ الأميركي، وأعوانه، الذين أرادوا لداعش فيه عشرات السنوات، وما هي إلا سنوات قليلة حتى طهّر الحشد الشعبي، والجيش العراقي الشريف الباسل، وأبناء العراق الشرفاء، كافة البلاد من دنس "داعش" وأخواتها، وبدأت سهام العز الآن تتجه نحو العدو الأميركي اللعين.
وفي سوريا سقطت أوهام دولة الخلافة الأمريكية الصنع، وتبددت أحلام الطامعين في سوريا، عرباً وعجماً، وعادت إلى حضن الأسد وعرينه، شامخةً، رافضةً للظلم والاستكبار.
وفي اليمن التي أرادوها مملكة خاضعةً لآل سعود وآل زايد، انقلبت المعادلة، وتغيرت الموازين، وأصبحت مصافي النفط السعودية في تهديد مستمر، وغرقت "أرامكو" في ظلامٍ دامس، كوجه ابن سلمان، وابن زايد، وأصبحت صنعاء أهم المحطات والمراكز الثقيلة في محور المقاومة، والتي سيكون لها شأن كبير، وعامل رئيسي في عوامل المقاومة والتحرير.
وإلى لبنان الأبي فهناك الأمل، ورأس السهم، فقد وصل مشروع الدفاع المقدّس إلى خاتمه، وأصبح لدى رجال الله ما يكفي لردع قوى الشر والعدوان في المنطقة "إسرائيل" و"داعش" فقد أرادوا للبنان أن يسقط في وحل الداعشية والنصرة وغيرهم، وأرادوا أن يسقط الحزب الرباني في فخ الحرب الأهلية، وأرادت "إسرائيل" بأيديها الخفية سحب سلاح حزب الله، لكن رجال الله قلبوا الطاولة، وبعثروا الأوراق، واستطاعوا أن يصلوا ويوصلوا الحدود اللبنانية بالحدود السورية الفلسطينية، وانقلب السحرعلى الساحر، وأصبح الرعب حالةً يومية للكيان الصهيوني الغاصب.
أما فلسطين، فكانت يتيمةً على موائد اللئام، فأضحت اليوم بعد حضور الحاج قاسم، عصيةً على الإنكسار والهزيمة، فلقد كان رأيه وبصمته، وكان اسمه وقوته "قوة القدس" عنواناً يهتدي به المقاومون في فلسطين، فلقد احتضن المجاهدين وأقام لهم معسكرات التدريب، ومدّهم بالسلاح والمال، فكان الفجر والكورنيت وغيرها، ملاذ المجاهدين في دفاعهم المقدس عن أرضهم، ودمائهم، ومقدساتهم، من هذا الكيان الصهيوني الغاصب، وأصبحت فلسطين حاضرةً وبقوة، تدافع بعزة، وكرامة، عن نفسها، وتكسر الحواجز للوصول إلى حريتها واستقلالها.
وبعد عامٍ من الشهادة العظيمة، سنقول لك حاج قاسم: بورك سعيك.. وبورك دورك الكبير والمقدس.. وبورك مرورك بين عواصم محور المقاومة... وشهادةٌ مباركة.
حاج قاسم.. كُن مطمئناً، فما زال مشروع الدفاع المقدّس يسير كما أردته ورسمت له، وها هم رجالك في كل الميادين حاضرون، يستلهمون النصر من قبسات وجهك الثائرة الذي لن يغيب عن أبصارهم، ويحملون وصيتك التي أبهَرَتْهم كلماتك فيها ، وعشقوا كل حرفٍ منها.
حاج قاسم.. كُن مطمئناً فالعراق على وشك التحرير الكامل من الأميركي وأعوانه، وسوريا عادت قويةً، تحمل سيفك وعزمك، ولبنان بسيدها تشرق كل صباح بقوة وعزيمة لا تلين، ففيها رجال الله الذين صنعتهم على عينك، واليمن بسيدها عبد الملك ورجالها المغاوير، يروون حكايا النصر من جبالها، الشامخة، العصية على خونة العصر والزمان، وفلسطين قلب الأمة ومركزها، لم تعد يتيمةً، فرجالها آووا إلى ركنٍ شديد، واعتصموا بحبل الله تعالى، فأصبحوا بنياناً مرصوصاً، يزينُ الكورنيت عليه صورتك، واسمك، وبصمتك، كل المواقع العسكرية.
حاج قاسم.. سلامٌ من الله عليك.. وسلامٌ من رجال الله إليك.. سلامٌ عليك يا سيف الحق.. وسهم المستضعفين.. إلى يوم نلقاك في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر..
بقلم: القسام الزعانين/ غزة