طهران- وكالة نادي المراسين الشباب للأنباء - في مجلس مع من يعتبره اللبنانيون بمختلف اتجاهاتهم "السفير المحبوب"، يشدّك عمق التحليل وسِعة الإطلاع، فسفير جمهورية روسيا الاتحادية الكسندر زاسبكين الذي مضى على وجوده في لبنان زهاء عقد من الزمن، مثّل بلاده خير تمثيل، متخطياً في بعض الأحايين الدبلوماسية، ليمسي "شعبوياً"، على درجة عالية من الدماثة والثقافة والحنكة والذكاء المقرونين بـ"الهضامة"!ّ
"الميادين نت" كان له جلسة مطولة في مكتبه المرصّع بالدروع التقديرية، وذلك في آخر إطلالاته الإعلامية، قبل العودة إلى بلاده.
في الاستهلال كان سؤال "الميادين نت"، عن التهديدات الإسرائيلية المتكررة للبنان، والمترافقة مع ما يجري على الحدود مع فلسطين المحتلة فقال "نحن لا نرى احتمالاً كبيراً للحرب، هناك توازن وكل طرف يعرف أن هناك خسائر كبيرة لكل من الطرفين، والآن الأولويات في المنطقة هي لإيجاد الحلول للنزاعات في سوريا وليبيا واليمن وأيضا مراقبة الأوضاع في لبنان.
ويضيف "لا يوجد أفق للحرب بشكلٍ استراتيجي، فاستراتيجياً لن يحقق أي طرف أهدافه، وهذا يعني أن الوضع جامد حتى المرحلة الأخرى، التي نتمنى فيها إيجاد الحلول آخذين بالاعتبار أن الخلافات بين ايران والسعودية مثلاً، هي مصطنعة بدرجة كبيرة، والخلافات الطائفية أيضاً مصطنعة، لأنه يجب العيش بحسن الجوار بين الجميع، كما دلّت الأحداث في سوريا والعراق واليمن".
"يجب أن نعترف أن دور إيران دور إيجابي، فهذا البلد أصبح مستهدفاً من أميركا بموضوع الاتفاق النووي وببعض المواضيع الأخرى، نحن نقف من أجل إيجاد القواسم المشتركة ما بين الجميع ولدينا نظرية الأمن الخليج بمشاركة جميع الأطراف والدول الموجودة في هذه المنطقة"، يقول زاسبكين.
ورداً على سؤالنا بخصوص اعتراض الطائرات الأميركية للطائرة المدنية الإيرانية مؤخراً، يرى "أنّ الأميركيين يصنعون المشاكل وينتهكون القوانين الدولية، والهدف توتير الأوضاع لإثبات أنهم موجودون ولديهم دور ونفوذ".
زاسبكين يذكّر أنه "بالجهود المشتركة بين الجيش السوري والحلفاء، استطاعت سوريا التغلب على الإرهابيين وتحرير الأراضي الواسعة في سوريا باستثناء إدلب.
لكنه يقول "هناك الوجود الأميركي وهنالك لا إستقرار في شمال البلاد، من ناحية أخرى المواقف للأطراف الخارجية بالتحديد الأميركان والأوروبيين و(دول) الخليج وهي لا تسهّل تطبيع الأوضاع وإعادة الأعمار في سوريا".
ويوضح "رغم أن عملية التسوية السياسية تجري، وهناك اللجنة الدستورية التي تعمل، لكن التأثيرات الخارجية لا تشجّع على إيجاد الحلول لأن هناك تحريض من قبل الأميركان وحلفائهم وهم يشجّعون المعارضة على المماطلة وعدم التوافق على الحلول المعقولة".
بالتطرّق إلى الميدان السوري، والحديث عن إدلب تحديداً قال السفير: "،لا أستطيع أن أعلّق على الجانب العسكري، عندما أسّسنا "مسار أستانة" بمشاركة روسيا وتركيا وإيران وبتنسيق مع السلطات السورية، اشتغلنا على هذا الأساس في مناطق عدة في سوريا، وفقاً لفكرة مناطق خفض التوتر".
ويضيف "ما تبقّى هي إدلب، ونطبّق فيها نفس الأسلوب للتعاون ما بين الأطراف وأساس مسار استانة حيث نتعاون من الجانب التركي عبر الدوريات المشتركة لمراقبة الأوضاع، والموقف السوري واضح أنه يريد استرجاع كل هذه الأراضي، "فبطبيعة الحال هذه الحالة مؤقتة ويجب أن تنتهي باستعادة السيادة السورية والقضاء على الإرهابيين".
ممثّل الدبلوماسية الروسية يرى أن "هذه الأهداف سوف تتحقق لكن حتى الآن لا يُعرَف عبر أيّة مراحل، لأن هناك مشاكل ليس من السهل تخطيها".
بالنسبة للسفير الروسي فإنّه من حيث المبدأ فإن موازين القوى في سوريا تتغير فمنذ 4 سنوات كانت موازين القوى لمصلحة الإرهابيين، والحالة الإرهابية هذه سمحت للقوات الأخرى الدخول على الخط، بما في ذلك التحالف الأميركي، "ونحن نطالب القوات الأميركية بالخروج، وهناك فرق بين الدخول بقرار من الحكومة السورية والدخول بقرار ذاتي.
في الوقت نفسه، يقول "أظنّ أنّ لدى الاميركيين مشاكل هناك، لكن منطقة التنف لا زالت تحت السيطرة، وهم يتمسكون بهذه المنطقة ليكون لديهم نفوذ والهدف قطع العلاقات بين ايران وسوريا".
ويؤكّد السفير أنّ روسيا ومنذ اليوم الأول تتمسك ببعض الثوابت ومنها عدم التدخل في شؤون الشعب السوري، المعني بانتخاب قيادته، أمّا العلاقات بين (الرئيسين) بوتين والأسد فهي جيدة كما أن العلاقات بين مؤسسات البلدين وبين الجيشين هي علاقات جيدة، وثمّة تعاون في كافة المجالات سواء مكافحة الإرهاب أو الترميمات وإعادة البناء أو المجال الإنساني".
وتطرّق السفير إلى الحديث عن "العرض البحري العظيم" (منذ ايام)، الذي تجسّدت فيه القدرة الجبّارة للأسطول البحري الروسي، وهذا العرض جرى في عدة مدن وكان في سان بطرسبورغ وفي طرطوس السوريةالتي لها أهمية كبيرة لأنها الموقع الاستراتيجي في البحر المتوسط، والتواجد البحري الروسي في هذه المنطقة ضروري ويخدم الاستقرار فيها".
وفي ما يتعلّق بالعقوبات المستجدّة (آخرها منذ يومين) على سوريا، والحصار الذي يفرضه قانون قيصر عليها، أشار زاسبكين إلى أنّ "فكرة التأثير عبر العقوبات استخدمتها أميركا خلال عشرات السنين، ضد روسيا وفنزويلا وكوبا وإيران. "ودائماً الجوهر من هذه الفكرة تجويع الشعب، بمعنى أنه يجب على هذا الشعب المتأثر بالعقوبات أن يقف ضد النظام القائم، هذا المخطط الآن لكل الدول".
ويلفت إلى أن "قانون قيصر واسع وشامل،وهو يمسّ أطرافاً أخرى لأن سوريا تحت العقوبات من زمان،فالشركات الأجنبية هي اليوم مستهدفة من هذا القانون، وهي معركة استباقية ضد احتمال إقامة العلاقة من قبل طرف غربي أو عربي مع سوريا، وإعادة الاعمار تأتي في الدرجة الأولى".
ويرى السفير أنه مثلما كان الهدف منذ البداية تغيير النظام، فإنّ هذا القانون (الضمانة للأميركي) يهدف إلى إبعاد الأوروبي والخليجي عن سوريا".
ويؤكد "هناك حرب تشمل كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والإعلامية، وهذه الحروب الشاملة لا تستثني أمراً من هذه، وفي سوريا كان هناك تركيز على حرب عسكرية، وعندما سقط قاموا بالحرب الاقتصادية".
وحول ما طرحه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حول" التوجه شرقاً" الذي يكثر الحديث حوله في لبنان، قال السفير: "حدث جدل حول الموضوع، وأنا أرى أن هناك تسيّيساً لموضوع العلاقات اللبنانية مع الخارج ، عندما قيل إذا انسحبت أميركا سوف يأتي مكانها روسيا والصين، وهذه المقولات جرى استخدامها حسب المصالح. فروسيا أصلاً تريد أن يطوّر لبنان علاقاته مع الجميع.
ويضيف "هناك الدول المانحة التقليدية، هناك مؤتمر "سيدر"، وفي ذات الوقت هناك موضوع العلاقة مع سوريا وهو ضروري والفوائد الاقتصادية للبنان ستكون معروفة وكبيرة."
ويكمل: "هناك الامتداد للعراق وإيران المفيد، و هناك احتمال للمشاريع الصينية، والشركات الروسية تهتم بعدد من فروع اقتصاد لبنان بما في ذلك الكهرباء وتنقيب النفط، والمشاريع الأخرى حسب تقديم العروض. ما نريده هو الأجواء الطبيعية للتجارة ووفقاً لمعايير الاقتصاد الحر كما هو النظام اللبناني".
وبأسف يقول " أخيراً نرى انهيار النظام المصرفي تحت تأثير العقوبات الأميركية، ونحن حتى اليوم نريد اتخاذ مواقف تقليدية في لبنان، من الواضح تماماً أن العهد والحكومة اللبنانية يريدان تطوير العلاقات مع الجميع وهم جاهزون للتعاون".
ويشير السفير المخضرم إلى أنه يتمنى للبنان نجاح التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكن القدرات الذاتية للبنانيين هي الأهم و الأساس.
ويردف موضحاً "الغرض الأميركي من العقوبات هو نزع سلاح حزب الله. "أظن أن هذا يقتضي التأثير على البلد، لجهة أنه يجب على الحزب أن يترك سلاحه. وهناك آراء لبعض الأحزاب اللبنانية في نفس المجرى، ولكن أنا لا أظن أنه من خلال هذه الطريقة يجري تحقيق هذا الهدف، والأميركي لن ينجح من خلال العقوبات نزع السلاح .. هذا وهم.
ويوضح هذه الحيثية بالقول إن "موضوع التوازن مع إسرائيل له أهمية، فالأميركيون يريدون ربطه بالسلاح، وهذا الربط لن يؤدي الى نتائج، وفيه احتمال للمخاطر الأمنية، وهذا الشعار يهدف لاستفزاز حزب الله وخلق مشاكل داخلية. والمشكلة أن هناك محاولات للربط بين المشاكل الداخلية (الاقتصادية مثلاً) والمصالح للأطراف الخارجية التي يكون عنوانها مختلفاً، وهناك يكمن "الفخ" أمام أي حراك شعبي (في أي بلد)، لكي لا يتم استغلاله لأهداف معينة".
نحن بذلنا الجهود في سوريا وهذا ليس مفيداً لسوريا فقط بل كذلك للبنان، لحمايته من الخطر الأساسي الإرهابي، فاذا سيطر الإرهاب على سوريا، سيكون سهلا إرسال آلاف الإرهابيين الى لبنان، وهذا كان ليؤدي إلى تقسيم البلد.
وحول تسليح الجيش اللبناني يقدّم وجهة نظره "بالنسبة للوضع اللبناني، نحن نرى أن المسألة الأساسية هو التوازن الردع مع إسرائيل وهو مضمون بسبب قدرات حزب الله،وهذا هو الواقع. والشيء الموجود،أن أميركا تقدّم السلاح تقليديا للجيش الأميركي، ولاستبدال ذلك يجب أن يكون هناك سبب كافٍ. وليس مطلوبا من روسيا في هذه الظروف تقديم السلاح وهذا الأمر ليس ملحّاً".
وحول السؤال الذي يسأله الكثيرون.... متى يتكوّن حلف عالمي في وجه الاستفراد الأميركي؟ يوضحها بحنكة الدبلوماسي "منذ فترة تم إعلان الموقف الرسمي الروسي، أن وقت الأحلاف قد ولىّ، ولن يتم العودة إلى الأحلاف كما كانت الواجهة بين حلف الناتو وحلف وارسو".
ويشرح "هناك تجمعّات اقتصادية أو أمنية ضد الإرهاب ولكن ليست عسكرية ضد عدو محتمل، هذا الحلف أمر مستبعد. ونحن نعتبرأن العالم يتجه نحو تعددية الأقطاب".
لكن أميركا اختارت طريقاً آخر وهي تخرج من الاتفاقيات، ويبقى إيجاد القواسم المشتركة مطلوباً".
وإّذ يؤكد إن "هناك تزويراً كاملاً للواقع، حيث نرى أن أميركا مستمرة في نهج الهيمنة والبقاء كقطب واحد ولهذا هم يتحدثون عن اتحاد الديمقراطيات، لتثبيت فكرة العالم بقطب واحد هو أميركا".
وحول التوتر بين بكين وواشنطن يقول"الصين دولة جبّارة، وأنا أستبعد حدوث حرب مع أميركا، .. ورغم نمو الخطر،وكل التصريحات والممارسات هناك خطوط حمراء لا يتجاوزها أي طرف من الطرفين، المواجهة ستستمر، وهي شاملة (عسكرية، اقتصادية، إعلامية..) لكن دون الانزلاق إلى حرب، ولتعويض العجز عن حرب عسكرية يتم التركيز على الاقتصاد".