وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء :
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير نشرته اليوم أنه وراء صفقة التبادل المفاجئ للرقيب الأمريكي "بوو بيرغدال" بخمسة قادة في حركة طالبان كانوا معتقلين، ثلاث سنوات من المفاوضات السرية انتهت في مطلع الأسبوع مع إطلاق سراحهم.
وفقا لما اوردته وكالة (نادي المراسلين) العالمية للأنباء قال التقرير إن إطلاق سراح الرقيب "بيرغدال" (الذي اعتقلته حركة طالبان) يمثل تتويجا لجهود دبلوماسية استغرقت ثلاث سنوات لجلب الأطراف المتحاربة في أفغانستان إلى طاولة المفاوضات، وفقا لمقابلات مع مسؤولي الإدارة والدفاع والاستخبارات، بما في ذلك بعض المعنيين مباشرة بالمفاوضات.
هدف المصالحة لم تتحقق، كما أورد التقرير، ولكن إتمام عملية تبادل الأسرى، وبموجبها أُرسل خمسة من قادة طالبان الأفغانية كانوا معتقلين في غوانتنامو إلى قطر، أقنع البعض في واشنطن بأن الولايات المتحدة وحركة طالبان يمكن إيجاد أرضية مشتركة بينهما في يوم من الأيام، وفقا للتقرير نفسه.
ولم يتضح سبب شرود الرقيب "بيرغدال" عن قاعدته العسكرية في إقليم بكتيكا في 30 يونيو 2009، وقد عقد الاجتماع الأول بين الولايات المتحدة وحركة طالبان للتباحث عن إمكانية عودته بعد سنة من احتجازه من طرف حركة طالبان، وفقا لأحد الأمريكيين المشاركين في الاجتماع في ميونيخ خلال العام 2010.
وكانت طالبان قد طالبت الولايات المتحدة بإطلاق سراح ستة من سجنائها المعتقلين في غوانتانامو، بمن في ذلك محتجز توفي لاحقا في السجن. ولكن تعثرت المحادثات عندما أصدر الكونغرس قانونا جعل عملية إطلاق سراح السجناء أكثر صعوبة، كما إن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، الذي وافق مبدئيا على المفاوضات، أثار اعتراضات.
وقد أنهى الجانبان المحادثات المباشرة في وقت مبكر من العام 2012، لكنهما استمرا في التواصل عبر وسطاء، وخصوصا حكومة قطر.
وأسفرت المفاوضات غير المباشرة عن افتتاح مكتب سياسي لطالبان في الدوحة العام الماضي، وهي الخطوة التي دعمتها الولايات المتحدة لتأمين إطلاق سراح الرقيب "بيرغدال"، ومع ذلك، فإن المكتب لم يدم طويلا، ذلك أن كرزاي والأمريكان طالبا بإغلاقه بعد تعليق طالبان لوحة على بوابة المكتب، كُتب عليها: "إمارة أفغانستان الإسلامية".
في سبتمبر، وجهت طالبان رسالة سرية إلى إدارة أوباما، عبر مسؤولين قطريين، جاء فيها أن الحركة مهتمة بتجديد المفاوضات حول تبادل الأسرى.
وردت أمريكا عبر قطر بمطالبة طالبان بإثبات أن الرقيب المعتقل لا يزال حيا. وعلى هذا، أرسلت طالبان، من خلال القنوات الدبلوماسية، شريط فيديو يظهر الجندي الأسير، مما حفز المفاوض الأميركي، ولكن زاد المخاوف من أن الوقت ينفد أمامهم للتوصل إلى اتفاق.
"يبدو جسديا واهيا جدا"، كما قال مسؤول كبير في إدارة أوباما، وأضاف: "كان مفاجأة للجميع، وهو ما دفع حقا الكثيرين في حكومتنا على مضاعفة جهودهم".
وخلص الجيش الأمريكي إلى أن فرص تحرير الرقيب "بيرغدال" ستنفخض في نهاية عام 2014، عندما كان من المقرر تقليص عدد القوات الأمريكية إلى 9800، كما كشف مسؤول رفيع في وزارة الدفاع. ومع انسحاب القوات الأمريكية، لم يكن من السهل على الاستخبارات الأميركية إيجاد الجندي المفقود.
في يناير، طار الدبلوماسيون الأمريكيون للتشاور مع الحكومة الأفغانية. أثناء الاجتماعات، أكد الأمريكيون لكابول أن المفاوضات مع طالبان ستركز بشكل أساس على صفقة مبادلة الرقيب "بيرغدال" بمعتقلي طالبان، ولن يخوضوا في القضايا الأوسع التي تؤثر في مستقبل أفغانستان، وفقا للتقرير.
في البداية، وجدت الولايات المتحدة صعوبة في تقدير مدى استعداد طالبان للتوصل إلى اتفاق. بعد جولات المحادثات، ذهابا وإيابا، في وقت مبكر من هذا العام، قالت حركة طالبان إنها لا ترغب في المضي قدما. لكن، بعد أسابيع، مررت الحركة رسالة عبر القطريين قائلة إنها تريد يريد المضي قدما في إتمام صفقة المبادلة.
أرادت الولايات المتحدة، في البداية، اختتام المفاوضات الثنائية بمذكرة تفاهم مع قطر لإلزام طالبان بسلسلة من الضمانات الأمنية. أرادت الولايات المتحدة أن تطمئن إلى أن المعتقلين الخمسة الأفغان لا يمكن أن يعودوا إلى ساحة المعركة بعد نقلهم.
وتم التوقيع على المذكرة سرا في واشنطن في أوائل مايو في مبنى المكتب التنفيذي القديم المجاور للبيت الأبيض، واقتصر الحضور على حوالي 10 من كبار المسؤولين للحد من احتمال التسريب.
وقد وصل فريق التفاوض الأميركي، الذي ضم ممثلين اثنين من وزارة الخارجية والبنتاغون وواحدا من مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، إلى قطر ليلة 23 مايو. ووافق القطريون على التوسط بين الطرفين. وكانت الدوحة، حيث حافظت طالبان على وجود دبلوماسي، مكانا مناسبا للاجتماع، كما أورد التقرير.
التقى القطريون بشكل منفصل مع الجانبين، وتبادلوا الرسائل والمقترحات. عادة، كان على الأمريكيين الانتظار يوما كاملا لسماع الرد.
وقال مسؤولون أمريكيون إن أمير قطر كان ضالعا مباشرة في لحظات رئيسية خلال المفاوضات. وكشف مسؤول أمريكي كبير أن الأمير قدم ضمانات شخصية للرئيس أوباما على أن المعتقلين الخمسة الأفغان سيتم مراقبتهم عن كثب ما إن يُنقلوا إلى قطر خلال مكالمة هاتفية يوم الثلاثاء الماضي.
وكانت هذه المكالمة الهاتفية بمثابة "الجزء الأخير من الاتفاق الدبلوماسي"، كما نُقل عن مسؤول كبير في إدارة أوباما. بعد المكالمة، تحولت المفاوضات فورا إلى الحديث عن كيفية إتمام عملية نقل الأسرى من دون التسبب، عن غير قصد، في تبادل لإطلاق النار. وكان تقدير المسؤولين الأمريكيين أن الأمر سيستغرق ثلاثة إلى أربعة أيام أخرى لتنفيذ التبادل.
يوم الأربعاء، توصل المفاوضون الأمريكيون وطالبان إلى اتفاق على الخطوط العريضة للمبادلة، حيث وصل فريق صغير قادما من قطر يوم الخميس إلى سجن خليج جوانتانامو في كوبا في انتظار خروج المعتقلين من قادة طالبان، فيما كان الرقيب "بيرغدال" محتجزا في منزل آمن بباكستان، كما كشف مسؤولون أمريكيون، وكانوا يعتقدون أن طالبان تحتاج لوقت لاختيار طريق آمن لإحضاره عبر الحدود. وكان على الولايات المتحدة أن تضمن سرا تفادي تعرض كل من قوات الأمن الباكستانية والأفغانية لقافلة طالبان.
وكشف التقرير أن القادة العسكريين الأمريكيين في أفغانستان أغلقوا مساحة معتبرة من المجال الجوي على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان. وكان آخر شيء يريدونه للطائرات الأميركية أو الحليفة أن تطلق النار على قافلة طالبان التي تحمل الرقيب "بيرغدال"، كما قال مسؤول دفاعي أمريكي كبير.
وكان التحدي بالنسبة طالبان أن تنقل الرقيب "بيرغدال" إلى نقطة يشعر المقاتلون فيها بالأمان لإتمام عملية التسليم.
أراد كل من الجانبين تجنب سوء الفهم. اتفقوا على عدد القوات التي سترسل إلى نقطة الالتقاء. وقد طالبت طالبان من قائد فريق قوات العمليات الخاصة تحديد، بشكل مباشر، متى وأين سيكون التبادل. وكان رئيس فريق قوات العمليات الخاصة غير قادر على الاتصال بطالبان.
مع اقتراب عطلة نهاية الأسبوع، شكك بعض مسؤولي البنتاغون في واشنطن في أن حركة طالبان ستمضي قدما في عملية نقل وتسليم الرقيب. وأفاد مسؤول دفاعي أمريكي رفيع أن الفريق القطري بدا أيضا عصبيا. "لا يبدو أن طالبان سيبدأون بالتسليم"، كما قال المسؤول.
صباح يوم السبت، اتصلت حركة طالبان، وفي إثرها صعد فريق قوات العمليات الخاصة طائرات هليكوبتر في رحلة قصيرة إلى مكان الاجتماع في شرق أفغانستان. قبل هبوط المروحيات، حامت طائرات استطلاع أمريكية في سماء المنطقة، لتبديد مخاوف اللحظات الأخيرة من كمين لطالبان.
هبطت طائرات هليكوبتر في منطقة مفتوحة، وانتظرت طالبان على بعد مسافة قصيرة. واقتربت المجموعتان بحذر من بعضهما البعض في لقاء خاطف قد يكون هو الأول من نوعه بين مقاتلي الطرفين خلال 13 عاما من الحرب.
استمر اللقاء وجها لوجه ما لا يزيد عن 30 ثانية، ثم تأكد للأمريكيين سريعا بأنهم أمام الرقيب "بيرغدال" مقارنة بالصور التي كانوا يحملونها.
أخطرت قوات الكوماندوز على الفور المفاوضون الأمريكيون المجتمعون في السفارة الأمريكية في الدوحة، حيث كانت لديهم خطوط اتصال آمنة وأجهزة الكمبيوتر.
بعدها، وجه الأمريكيون في السفارة بالدوحة تعليمات إلى الحراس في السجن العسكري الأمريكي في جوانتانامو بنقل المعتقلين الخمسة طالبان لعهدة المسؤولين القطريين الذين كانوا في الانتظار.
وبموجب شروط مذكرة التفاهم مع قطر، يُمنع قادة طالبان المفرج عنهم من السفر خارج الأراضي القطرية لمدة عام. كما سيتم مراقبتهم من قبل القطريين والأمريكيين للتأكد من أنهم لا يلعبون دورا فاعلا في أنشطة حركة طالبان.
وأفاد التقرير أن ما أثار انتباه العديد من الأميركيين المشاركين في المفاوضات هو "حسن النية" الذي أظهرته طالبان في المحادثات: "وهذا يدل على أننا يمكن أن نلتقي معا، ولو بشكل غير مباشر ... للوصول إلى حصيلة نتائج من شأنها بناء الثقة"، كما قال مسؤول كبير في إدارة أوباما.
كما أظهرت عملية تسليم الرقيب "بيرغدال"، بشكل سلس، للمسؤولين الأمريكيين أن لدى طالبان نظاما محكما للقيادة والسيطرة، كما اعترف أحد المفاوضين.