طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- استهل رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو جلسة حكومته الأسبوعية أمس، بالرد على المقابلة التي أجراها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، مع قناة «المنار» يوم الجمعة الفائت، مطلقاً تهديدات لا تخلو من دلالات، في ظرف يعدّ أكثر من ضاغط على إسرائيل، ربطاً بإمكانيات المواجهة الشاملة في المنطقة.
هل هي واحدة من أهم الإطلالات الإعلامية للسيد نصر الله؟ وكيف تعامل العدو معها؟ وما هي ردود فعله العلنية؟ وهل يُقَدَّر أن الرسائل التي تضمنتها وصلت وفُهمت جيداً في تل أبيب؟ هذه هي الاسئلة التي تأكد حضورها أكثر هذه المرة.
يُقدَّر أن التأثر الإسرائيلي بما ورد على لسان نصر الله، يتجاوز هذه المرة التأثر الاعتيادي المبني حصراً على حسابات بينية، أي بين لبنان والعدو، ليتجاوزها إلى الحسابات الإقليمية التي باتت أكثر حضوراً قياساً بما مضى، على خلفية التوتر والتصعيد المضبوطين في المنطقة، وإمكانات التحول المعقول نسبياً إلى مواجهة أكثر شمولية، يمكن القطع بأن إسرائيل جزء لا يتجزأ منها.
والواضح من كلام نتنياهو نفسه، أمس، أن «خطاب الخريطة» للسيد نصر الله تموضع في مقدمة جدول الاهتمام الرسمي في إسرائيل، ودل عليه كذلك اهتمام اعلامي عبري لافت جداً، كانت واحدة من ترجماته العملية، أن تحتل المقابلة مقدمات النشرات الإخبارية وتقاريرها الأولى لكل قنوات التلفزة في إسرائيل، مع طاولة حوار خاص لمناقشتها في كل قناة، مع مشاركة عدد كبير من الخبراء والمعلقين الإسرائيليين، بحسب اختصاصاتهم.
والواضح أن المقابلة أثبتت للإسرائيليين خطأ الرهان على قيود يفترضونها في مواجهة حزب الله، ويمكنها أن تكون منطلقاً لحسابات خاطئة، وهي موزعة على الشكل الآتي:
- قيود لبنانية، من بينها مواقف وأصوات تصدر في لبنان من هنا وهناك، تتحامل على حزب الله وعلى دوره الحمائي، الذي في جوهره لا يقتصر على الحمائية المنطلقة من الساحة اللبنانية وحسب، بل كذلك، ومن موقع متقدم، أيضاً انطلاقا من خارج هذه الساحة.
- العقوبات الأميركية التي تفترض تل أبيب أنها تقيّد قرارات حزب الله وتقلّص هامش المناورة لديه، وتدفعه إلى الانكفاء في مواجهة اعتداءات إسرائيل. وهي شبيهة أيضاً بالرهان على إمكان الانكفاء نتيجة تقلص موارد حزب الله المالية
- التهويل الإسرائيلي بالتدمير والخراب واستهداف البشر والحجر، وإعادة لبنان إلى «العصر الحجري».
هذه الاعتبارات المفترضة إسرائيلياً، غاب عنها الأهم منها، وهو أول اعتبار ودافع وحافز للمقاومة: مواجهة الخطر الوجودي، إن صدّاً أو ردّاً، وعلى طول الطريق من بيروت إلى طهران وما بينهما. وهو خطر تصغر معه، بل تنتفي، كل الاعتبارات الاخرى، سواء صغرت أم كبرت على طاولة القرار في تل أبيب.
بنك وخريطة الأهداف والإسهاب في شرح البقعة الجغرافية التي ستكون على مهداف المقاومة في أي حرب مقبلة، هي أيضاً جزء لا يتجزأ من رسالة نصر الله. وهذا الجزء يحدّد المدى الذي يمكن أن يصل إليه حزب الله دفعاً للخطر الوجودي. وهو الدفع الذي يفترض أنه يشمل إن لزم، وبداهة، كما يبدو من المقابلة، الدفع الوقائي تماماً كما الدفع الاستباقي، فضلاً عن الرد المباشر.
الرد من تل أبيب، وفي دليل على ثقل المقابلة وفاعليتها، جاء على لسان نتنياهو في مستهل جلسة الحكومة أمس: «سمعنا خلال نهاية الأسبوع أقوال نصر الله حول مخططاته الهجومية. فليكن واضحاً أنه لو تجرّأ حزب الله على ارتكاب حماقة وهاجم إسرائيل، فسنسدّد له وللبنان ضربة عسكرية ساحقة. ولكن، خلافاً لنصر الله، لا أنوي إعطاء تفاصيل عن مخططاتنا. يكفي التذكير بأن نصر الله حفر أنفاقاً إرهابية على مدار سنوات، ونحن دمرناها خلال أيام معدودة. كما يقول المثل الشعبي: ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع».
حديث نتنياهو وتهديداته، وترهيبه بالتدمير والخراب في لبنان، ومحاولة حشد الأدلة على القدرة على مواجهة حزب الله، إضافة إلى انفعاله، وفي مستهل جلسة حكومته أمس، تعدّ في ذاتها دليلاً كاملاً على أن الرسالة وصلت. في الوقت نفسه، حديث نتنياهو متشعّب الاتجاه والاستهداف، إذ إنه ردّ موجّه كذلك إلى المستوطنين الإسرائيليين المتأثرين سلباً بمضمون ما ورد في مقابلة نصر الله. أما إن كانت الطمأنة حصلت أم لا، فإن تهديد نتنياهو كما ورد وفي مستواه ومكان عرضه، يؤكد للمستوطنين صوابية الخشية التي تملّكتهم.
في المقلب الآخر للمشهد الإسرائيلي، مشهد مقابل لا يقل تأثراً وخشية من الإسرائيليين أنفسهم. فالبعض يطرح تساؤلات حول امتناع حزب الله عن توجيه الضربة التدميرية لإسرائيل إن كان بالفعل يملك القدرة على ذلك، وكذلك يتساءل في السياق عن الأسباب التي تدفع إلى كشف القدرات، رغم سياسة الغموض المتصلة بمفاجآت الحرب المقبلة.
بالطبع يمكن تفسير هذه التساؤلات بناءً على إيحاءاتها الأولية الموضوعية، لكن ربطاً بهوية مطلقيها السياسية المتماثلة مع العدو، وكذلك هوية من يتداولها، يتأكد أن أهداف هذه التساؤلات تشكيكية ومحاولة لاحتواء مفاعيل رسائل حزب الله للعدو، لكونها تحرجه وتحرج النظام العربي المتماثل معه، بما يشمل كل مركبات 14 آذار اللبناني والعربي.
وهي محاولة في سياق إبعاد جمهورهم عن خطاب محور المقاومة، إما عبر التجاهل أو تحريف المقاصد أو التشكيك بما لا يمكن تجاهله والتعمية عليه. وإذا كان قادة محور التشكيك ورجالاته يدركون جيداً الإجابات عن تساؤلاتهم، إلا أن الملاحظات التي ترد هنا موجهة للجمهور الذي يمكن أن يتأثر بهذه التساؤلات.
ابتداءً، يجب القول إن حزب الله، كان وما زال، يدرك تفوق إسرائيل العسكري والتكنولوجي والتدميري في الجو والبحر وما إلى ذلك، وهو واقع لا ينفيه ولا يدّعي خلافه. وهذا الميزان كما هو، أي تفوّق إسرائيل النوعي على محيطها العربي، دليل على عظمة إنجازات حزب الله في مقابل إسرائيل نفسها. وقيمة الانتصار المتكرر عليها، تنبع أيضاً من هذا المعطى تحديداً.
بالنسبة إلى التساؤل التشكيكي عن سبب امتناع المقاومة عن التدمير في إسرائيل، ابتداءً (أي أن يبدأ حزب الله الحرب من تلقاء نفسه، لا كردّ على عدوان إسرائيلي)، ما دامت القدرة موجودة، ينبغي معه التذكير بأن فعالية قدرات حزب الله تكمن في كونها ردعية دفاعية، ما يعني نفي الادعاء (غير الموجود أصلاً) بوجود قدرة ابتدائية على شن الحروب وتدمير إسرائيل. وهذا لم يرد عن حزب الله سابقاً، ولم يرد الآن، وبالتأكيد لم يرد في مقابلة الجمعة الماضي. بل إن امتلاك حزب الله أكثر مما لديه الآن من قدرات، والمقصود هنا ليس أكثر مما يجري التداول به إسرائيلياً وحسب، بل أكثر من قدراته الحقيقية الفعلية، فإن مفعول هذه القدرات سيكون سيّئاً وغير ذي جدوى في سياق المواجهة مع العدو، إن سلك حزب الله المنحى الهجومي الابتدائي. ما عدا بطبيعة الحال مواجهة اللا خيار، المبنية على التهديد الوجودي.
الرد على التساؤل هنا يأتي من خلال تأكيد الوظيفة الردعية التي تمنع إسرائيل من الاعتداء خشية تلقيها الرد المدمر. أما تلقيها الرد المدمر ابتداءً، فسيقلب المعادلة وينفي الفاعلية ويدفع تل أبيب إلى الانفلات من القيود الرادعة والمزيد من الاعتداءات، حجماً ومستوى.
ما يتعلق بالتساؤل الثاني، وهو الأوهن من الأول، أي كيف لحزب الله أن يكشف قدراته ومفاجآته التي يخبّئها للحرب المقبلة؟ فيجب التشديد على النفي. فحزب الله لم يكشف أو يؤكد أياً من القدرات خارج ما يجري التداول به. حزب الله يعمل بناءً على استراتيجية تجمع بين الردع والاحتفاظ بالمفاجآت. والردع لا يتحقق ولا يصل إلى مستوياته المطلوبة من دون أن تحضر وسائل تحققه في وعي العدو وإدراكه، وإن كان ذلك بإدراك عام، مع الحفاظ على الغموض وعنصر المفاجأة المطلوبة إن وقعت الحرب.
على هذه الخلفية يعمل حزب الله على التوازن بين المطلبين. وفي حال تطلّب الظرف تعزيز فاعلية الردع، يعطي جرعة إضافية من التلويح بالقدرات الموجودة أو التأكيد عليها، فيما هو يعمد في ظرف آخر إلى توسيع هامش المفاجأة التي يتجاهل قدرات وتكتيكات قتالية ولا يكشف عنها.
هذا كله نقيض الإسرائيلي، الذي هو بطبيعته النظامية مكشوف ويتعذر عليه تجهيل قدراته أو تكتيكاته القتالية، حيث الثرثرة الإسرائيلية لا تتفوق عليها ثرثرة، رغم كل محاولات الضبط غير المجدية نسبياً، التي باتت أكثر تفعيلاً منذ عام 2006.
في العودة إلى المقلب الإسرائيلي، برز أمس موقف لافت لوزير الأمن الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، وإن كان أيضاً من باب الخصومة والمناكفة السياسية الانتخابية، لكنه يعكس كذلك موقف مسؤول عن المؤسسة العسكرية غادر منصبه حديثاً، وهو أدرى بتقديراتها، إذ ردّ ساخراً على نتنياهو مشبِّهاً كلامه ضد حزب الله بعواء الكلب، إذ قال: «الكلب الذي ينبح لا يعضّ».
يحيى دبوق - جريدة الاخبار
انتهى/