وسط الأزمات التي تعصف في ليبيا، تظهر قضايا اجتماعية مرتبطة بالحرب الأهلية والتغيرات الحاصلة في البلاد، إحداها باتت تشكل تهديدًا حقيقيًا للأسرة كمؤسسة متماسكة مشهود لها، وذلك بعد تزايد أعداد حالات الطلاق بشكل كبير.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - بحسب أرقام أعلنها رئيس مصلحة الأحوال المدنية، محمد بالتمر، فإن العام 2018 شهد 4091 حالة طلاق، وهو عدد متصاعد مرتفع مقارنة بعام 2017 بواقع 3800 حالة، و2016 بـ 3500 حالة، و2015 بـ 3000 حالة، و2014 بـ 2500 حالة، و2013 بـ 1200 حالة فقط، ما يؤشر إلى دور الحرب الأهلية كمحرك أساسي.
أشار بالتمر، على هامش بيان للمصلحة، إلى أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحالة الصراع المستمر منذ سنوات إلى جانب الحالات النفسية التي خلقتها الحرب، كانت أبرز أسباب تزايد هذه الحالات.
من جهته، يقول "علي نجمي" المحامي المعتمد بمحكمة شمال طرابلس الابتدائية: إن الزيادة ظهرت بشكل كبير في مدن شهدت حروبًا مثل بنغازي وسبها وطرابلس. وفي حين لا يفصح الزوج عن سبب الطلاق، نجد الجواب أحيانًا لدى الزوجة التي تفصح أنه طلّقها من دون سبب حقيقي سوى الهروب من كونه مطلوبًا لجهة أمنية أو مخالفته لتوجه أهلها السياسي، وغير ذلك من أسباب ترتبط بالحرب.
يلفت نجمي إلى أن النزوح يأتي على رأس تلك الأسباب، إذ يتهرب الزوج النازح من مسؤولية الأسرة فيترك زوجته لدى أهلها ويطلّقها.
لكنّ نجمي يشير إلى أن حالات أخرى ظهرت في مجتمعات النازحين: هناك أسر نازحة تزوّج الفتيات والشبان الصغار رغبة منها في التماسك الأسري في مدن النزوح، لكنّ الخلاف يقع سريعًا وتظهر المشاكل التي تفكّك الأسرة الوليدة، ما يؤدي إلى الطلاق في حالات كثيرة.
من جهتها، تعتبر "منال الوحيشي"، أستاذة علم الاجتماع بجامعة طرابلس أنّ العامل الاقتصادي أساس في حالات الطلاق المتزايدة.
وتقول منال: إن ظروف الانغلاق الاقتصادي وعدم توافر فرص العمل يقضي على الأسرة الجديدة سريعًا، فأغلب المتزوجين شباب لا يتحملون المسؤوليات، ولدى تراكمها يلجأون إلى الطلاق.
وتشير إلى أن حالات أخرى لها علاقة بشبهات الخيانة الزوجية الناشئة في الغالب عن شبكات التواصل الاجتماعي.
تضيف منال: هناك حالات رصدتها بعض الاستبيانات التي عمل عليها طلابي، تشير إلى مشاكل جنسية، لكنّي لا أعتقد أنها أسباب شائعة، فالمجتمع الليبي محافظ ولا يقبل من الزوجة طلب الطلاق لهذا السبب، مع أنّي لا أنفي وجوده أيضًا وإن كان ضئيلًا.
وتتساءل منال عن حقيقة الرقم المعلن من قبل مصلحة الأحوال المدنية: يمكن للمصلحة أن تحدد عدد الحالات، لكنّ الحديث عن أسباب تزايد الطلاق يتطلب مسحًا اجتماعيًا وهو ما لا تمتلكه المصلحة، فهو من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية التي أعلنت عجزها في مرات عدة عن إجراء المسح بسبب الظروف والانقسامات.
لكنّ منال بالرغم من ذلك تحذّر من تحول القضية إلى مشكلة أمن قومي، فالطلاق يحدث في الغالب بعد ولادة أطفال ليعيش أغلبهم في بيئة مفككة، ما يترتب عليه خطر انحراف واستغلال المتشددين لهم.
بالرغم من الأسباب التي كشفت عنها منال، فتزايد الحالات أخيرًا يبدو شديد الارتباط بالظروف الراهنة في البلاد. وفي هذا الإطار، تؤكد "خيرية اعبيد" النازحة من بنغازي إلى طرابلس أن ظروف الهجرة والحرب كانت وراء طلاقها من زوجها، بالرغم من وجود طفلين.
تقول خيرية إن الوضع المعيشي لأسرتها كان متوسطًا فلم تكن في ضائقة لكنّ هرب زوجها المقاتل في صفوف معارضة اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" اضطرها للبقاء في بيت أهله في بنغازي أكثر من عام: طول المدة أحدث مشاكل مع أهله، ما اضطره لاستئجار منزل لي، لكنّ بقائي وحدي مع طفليّ غير مقبول اجتماعيًا.
وهكذا تزايدت المشاكل مع زوجها الذي لم يكن يوفر أيّ شيء لطفليها، ما دفع أهلها إلى الطلب من زوجها أن يطلقها.
تتابع خيرية: الآن، بالرغم من رغبته في إرجاعي، تقف ظروفه المالية الصعبة بسبب التهجير حائلًا أمام توفير منزل، كما أن الرجوع إلى بنغازي بات مستحيلًا، لا سيما أن بيتنا دُمّر.
وتؤكد خيرية أن نساءً تعرفهن تطلّقن لأسباب على علاقة بالنزوح وهروب الزوج أيضًا، بفعل الحرب ومعاركها.
/انتهى