تعيش سوريا ظروفا اقتصادية صعبة ، بعد انتهاء وتعثر الشق العسكري في جهود تغيير دور سوريا في محيطها وفي الإقليم ، ولم نصدق يوما ان دعم الجماعات المسلحة المتطرفة، و إدخال السلاح والمال إلى سوريا كان يهدف إلى إعطاء الشعب السوري حياة أفضل، أو أن الولايات المتحدة و من معها من حلف إسقاط الرئيس الأسد، كانوا يفكرون بالشعب السوري ، إنما الحقيقية كانت تكمن في أن دور سوريا يجب أن يتغير، لضرب حلف يجمعها مع إيران وحزب لله و المقاومة الفلسطينية واحرار الشعب العربي ويشكل خطرا على إسرائيل من ناحية ، وحجر عثرة في وجه إعادة تشكيل المنطقة العربية وفق الرؤية الإسرائيلية الأمريكية.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - تستمر الحرب على سوريا ، ولكن بشكل أخطر واعمق من ارسال الوحوش البشرية و شذاذ الآفاق لقتل الشعب السوري ، تتجه الحرب بشكل اكبر إلى عمق المجتمع السوري .
هي بالأساس عندما انطلقت كانت تستهدف المجتمع من بوابة الاختلاف الطائفي والمذهبي، وفق مقولة ترددت بداية الأحداث في سوريا ، وتكررت مرارا “اغلبية سنية يحكمها أقلية علوية”. كان الاقتتال الطائفي طويل الأمد هو هدف أخذ الأحداث منذ بدايتها إلى هذه الهوية من الصراع . كان هذا العامل الأول في استقطاب كم هائل من المقاتلين المتطرفين من خلف الحدود، كان وقتها كل شيء مباح في سبيل تحقيق الهدف وهو إسقاط النظام . لا شك أن ذلك فشل ، لكن علينا الاعتراف بأنه ترك ندوبا في بنية المجتمع السوري .
من المعروف اليوم ، ان الشعب السوري يعاني من ظروف معيشية صعبة ، لها أسباب عديدة ، تتراوح بين ما خلفته الحرب من دمار ، وسوء الإدارة و الحصار والعقوبات العربية والغربية .
يتحرك الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن المعاناة اليومية” نقص المواد الأساسية ، انقطاع الكهرباء، بعض القرارات الارتجالية الضارة من قبل مسؤوليين في الدولة ” . هذا النقد يعبر عن حالة نضوج في المجتمع السوري ، وتعبير عن الذات . هو مقياس بلا شك لتوجهات الرأي العام . قد لا يحسن البعض في إدارة الدولة الاستفادة من هذه الآراء وهذا الانتقاد لتحسين مستوى الأداء وبدلا من ذلك يوجهون الاتهام للناشطين بالاشتراك في مؤامرة . يغضب الناس من هكذا مقاربة لهمومهم .
يتحرك صحفيون سوريون للنقد ، هذا دورهم ، وهذا مفيد جدا للتصويب ، وغير مألوف سابقا ، وهذا شيء يدعو للتفاؤل في مستقبل البلاد ، من المهم أن تعبر النخبة عن معاناة الشعب وان تقف في صفه وتدافع عنه .
ما يجب الإشارة إليه والتحذير منه في ضوء هذا المشهد ، هو كم من الشائعات التي تغزو مواقع التواصل فيما يخص الوضع في سوريا ، يتناقلها الناشطون على أنها حقيقة ، ومع مشاعر الاستياء من الوضع المعيشي الصعب و سوء الإدارة ، يتحمس الكثيرون لتفعيل الإشاعة دون أن يدققوا في مدى صحتها . وتجد الإشاعة وفق هذه الظروف بيئة خصبة للتكاثر والتأثير والتحريض .
عشرات القصص والأحداث تشغل بال الرأي العام السوري يوميا ” لانتشارها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي ، عند التدقيق بعينة منها والبحث عن جذورها والسؤال من المصدر عن حدوثها تجد أن بعضا منها وليس كلها ، لا وجود لها في الواقع . بينما تكون قد أدت دورها في تحريض الرأي العام و زيادة الاحتقان في الشارع .
ولذلك يغدو التحذير واجبا هنا ، لأن الشائعات ليست ظاهرة عشوائية ، وليست نتاج مصادفات ، هي أحدى أهم وسائل تدمير المجتمعات ، هي آفة تتغلل لتشكل رأيا عاما جاهزا لتلقي الأهداف التي يقف خلفها مطلقوا الشائعات . وجزءا من التمهيد لإسقاط الدولة في لحظة ما . هي ليست كامل المخطط هي جزء منه فقط ، هي المدافع التمهيدية للحظة الانقضاض . حيث يكون كل شيء جاهز لتقبل ذلك . لا يجب أن يبدو هنا الإشارة إلى وجود ضخ من الشائعات ، مبررا للتقصير أو نفيا لوجود أزمة معيشية .
ليس من الحكمة مواجهة الشائعة ، باخرى كاذبة مضادة ، أو أتهام الرأي العام بأنه متآمر، أو اتهام الناس بالجهل ، هذا كله غير مفيد . إنما الواجب هو اللجوء إلى الشفافية ، ومصارحة الرأي العام بمكامن الخلل ، والعمل على تحسين حياة الناس وليس زيادة معاناتهم . يجب أن تشرح كل جهة معنية بالتفصيل للرأي العام أسباب وخلفيات أية حادثة ولا تترك للشائعة مجالا لظهوها كمصدر وحيد .
ولكن لماذا لا يحصل هذا في سوريا خاصة في الآونة الأخيرة ؟، ولماذا تتراكم الأخطاء في إدارة المؤسسات؟ هل هم دواعش الداخل كما يسميهم السوريون ؟ هل هناك من اخترق المؤسسات ويعمل ضد مصالح الدولة ؟؟ لا نعرف وليس لدينا دليلا على ذلك .
الشائعات علم يستخدم لتحقيق أهداف في مجالات شتى ، في عالم الاقتصاد يتم الاعتماد على الشائعة ، وفي كسب المال والتجارة ، كما حدث في السعودية عام 2009 عندما أطلقت شائعة ماكينات الخياطة القديمة التي تحتوي على” الزئبق الأحمر” ، ما ادى الى ارتفاع سعرها بعد أن كانت خردة ، وأصبح التجار يبحثون عنها بين عامة الناس وبقية القصة معروفة . وبقدر أكبر تستعمل الإشاعة لأهداف سياسية ، كما جرى في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، عندما أطلقت المخابرات الانكليزية بالتعاون مع الحركة الصهيونية إشاعة مفادها أن السلطان احرق كتب الشريعة الإسلامية ، ما أدى إلى عزله و مهد لانهيار السلطنة بعد ذلك .
مع تطور عصر الاتصالات و ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، بات إطلاق الشائعات أمرا سهلا . وأصبح انتشارها ميسرا، وبالتالي زادت مخاطرها على المجتمعات . وأصبحت وسيلة تسقيط شخصي وجماعي، ووسيلة تحريض و صناعة راي عام . عايشناها خلال السنوات الماضية في أزمات الدول العربية .
الحكومة الصينية كانت قد اطلقت قبل فترة مشروعا لمواجهة الإشاعة على الانترنت ، و رصدت كما من الإشاعات تهدف إلى ضرب الاستقرار . منها شائعة الملح الشهيرة ، التي ادت الى نقص هائل في ملح الطعام في البلاد ، أطلقت الشائعة اثرغرق محطة اليابان النووية بتسونامي . وتقول ان الملح يقي من الإشعاعات النووية هذه الشائعة اضرت بسمعة الصين بعد أن أصبحت موضع تندر دولي .
عدد من الدول يقوم بإجراءات حمائية من انتشار الإشاعة عبر الإنترنت. نظرا لتأثيرها الكبير على استقرار الدولة .
فيا أهل سوريا انتبهوا وتبينوا و احذروا ، فإن كما لا بأس به من الشائعات تعزو صفحاتكم، وهذا لا يعني أن ليس ثمة تقصيرا أو أن كل ما ينشر إشاعة ، ولكن الوعي و التحقق مطلوب، وإلا فإن بعضا منكم عن دون قصد يساهم في تدمير ذاته .
كمال خلف - رأي اليوم
انتهى/