هل ثمة فرق بين أن يقول الرئيس الاميركي دونالد ترامب سنركع الايرانيين بالعقوبات فينتفض الايرانيون كبيرهم وصغيرهم عليه ويقولون له خسأت، وبين أن يقول سنحلب البقرة الخليجية ( الفارسي ) وعندما يجف لبنها سنذبحها، والجميع يطأطئ رأسه ولا يرد عليه؟
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - هذا نموذج صغير جدا علي استقلال النظام السياسي، الذي ربما يستهين به البعض ولكنه هو السبب الرئيس في المشاكل والتخلف الذي تشهده دولنا.
كل حكوماتنا تقول إن قرارها مستقل وينبع من مصالح البلاد سواء كانت هذه المصالح سياسية أو اقتصادية أو قومية أو دينية أو غير ذلك، مما يشير الي أن هذه الحكومات تعي أهمية استقلال قرارها وأن هناك علاقة وثيقة بين سيادة البلاد علي أراضيها ومصالحها وبين استقلال قرارها، ولكن هل هذه هي الحقيقة؟
لو كانت الحقيقة كذلك لما كانت دولنا ومجتمعاتنا منغمسة حتي اذنيها في المشاكل السياسية، ولما كانت اسرائيل تحتل فلسطين منذ 70 عاما والجميع يعجز عن استرجاعها، ولما كانت الولايات المتحدة تقرر بين ليلة وضحاها احتلال العراق، أو مهاجمة ليبيا وتغيير نظامها أو الهجوم علي افغانستان وتدميره.
اليوم قرار حكوماتنا اما أن يكون مرتهن بالكامل للآخرين أو في أحسن الأحوال منكفئ علي نفسه ولا يضطلع بأية مسؤولية تجاه جيرانه أو أبناء جلدته أو قومه أو طائفته، ولذلك تستغرب النخبة في الدول العربية والاسلامية عندما تسمع بمن يقول أن النظام الايراني نظام مستقل وأن قراراته مستقلة، وتسخر من هذه المقولة، ولا غرابة في ذلك لأنها لا تري نموذجا حقيقيا للاستقلال في الدول العربية والاسلامية.
كلمة الاستقلال سهلة علي اللسان ولكنها أثقل من الجبال علي جميع دول العالم الثالث بل انها ثقيلة علي الكثير من الدول المتقدمة أيضا، لأن ثمنها باهض جدا وليست كل دولة مستعدة لدفعه.
هل سألنا أنفسنا كيف استطاع ترامب اتخاذ قرارات جريئة حتي ضد أقوي الدول في العالم كالصين التي أرغمها علي الانصياع لقراراته التجارية أو الدول الأوروبية التي ضرب اتفاق المناخ والهجرة وأتفاقات أخري أبرمتها بلاده معها عرض الحائط ، دون أن يكترث لردود فعلها؟ أليس السبب في ذلك هو أنها رهنت أمورها بيد واشنطن والادارات الأميركية.
هل هذا يعني ان الاستقلال يستحيل تحقيقه في بلدان العالم؟
لو تجاوزنا عملية التنظير والكلام الانشائي والشعارات وخضنا في الواقع والحقيقة لرأينا أن ايران النموذج البارز في هذا الاطار، وبقاء الثورة بعد 40 عاما علي تأسيسها للجمهورية الاسلامية خير دليل علي أن هذا النموذج ناجح ويمكن تطبيقه في اي بلد آخر.
فايران لم تحقق الاستقلال علي صعيد النظرية والشعار وحسب وانما فعلت ذلك علي صعيد الواقع أيضا، فانها تعتمد علي نفسها في العديد من المجالات رغم الحظر والعقوبات المفروضة عليها، مما يشير الي أن الاستقلال ليس لقلقة لسان واطلاق الشعارات وحسب، وانما هناك عناصر ينبغي توفيرها لتحقيق الاستقلال فيا تري ما هذه العناصر؟
هناك عنصران اساسيان للاستقلال، تتفرع منهما الكثير من العناصر والوسائل والأسباب:
أولا: الاعتماد علي الذات في كل صغيرة وكبيرة، فهناك من الدول من ترفع شعار الاستقلال ولكنها تلجأ لسائر الدول عندما تواجه أدني مشكلة، ومن الطبيعي ان هذه الدول تضطر يوما الي تقديم تنازلات علي حساب استقلالها لحل المشاكل التي تعاني منها، وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عندما قال: "احتج لمن شئت تكن أسيره".
طبعا هذا لا يعني مقاطعة العالم وفرض العزلة علي النفس، بل أحيانا التعاون وتبادل التجارب مع سائر الدول يسهم في تعزيز الاستقلال، مما يستدعي البحث عن الدول التي لا تسعي الي الابتزاز والنيل من الاستقلال.
ثانيا: المصالحة مع الشعب، اذ لا يخفي علي أحد أن الحكومة التي تسعي الي الاستقلال تواجه الكثير من التحديات والضغوط والتهديدات، ومن أبرز الوسائل التي تلجأ لها القوي العالمية لارغام هذه الحكومات علي التبعية هو تحريض الشعوب عليها، ومن المؤكد أنها ستضطر الي تقديم التنازلات علي حساب استقلالها عندما يتحرك الشعب ضدها ويحتج علي نهجها، من هنا فان الاستقلال والديكتاتورية لا يلتقيان مما يستدعي من الحكومات تعزيز علاقتها مع شعوبها.
اذا كان المتضرر الرئيسي من الضغوط والعقوبات الدولية ضد الحكومات التي تسعي الي الاستقلال هي الشعوب فان هذه الشعوب سترفض مقاومة الضغوط (باعتبار ان المقاومة العامل الاساسي لنيل الاستقلال) ما لم تقتنع بها، لذلك فان الحكومات تحاول عبثا نيل استقلالها السياسي مادامت علي قطيعة مع شعبها وتمارس شتي الانتهاكات ضده.
وبكلمة فان ايران دفعت ولا تزال ثمنا باهضا لاستقلالها ولكن هذا الثمن يهون امام عظمة الاستقلال، وليس هناك شيء يهون الثمن وضريبة الاستقلال كالاعتماد علي الذات ودعم الشعب.
راي اليوم: صالح القزويني
انتهى/