مع اقتراب موعد انتخاباتها البرلمانية والرئاسية، تتجه الأنظار نحو تونس، مصدّرة الثورات العربية، في ظلّ مخاوف من عزوف الشباب عن المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقبل، وهو ما حذّرت منه عدّة منظمات وجمعيات مهتمة بالشأن الانتخابي.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - ويرى مراقبون في تصريحات مختلفة لـ"الخليج أونلاين"، أن عزوف شباب تونس يُعدّ بمنزلة عقوبة للطبقة السياسية لتجاهلها مطالبهم، ويتوقّعون أن تسجل الانتخابات البرلمانية والتشريعية، المقرّر إجراؤها في أكتوبر وديسمبر القادمين، عزوفاً أعلى من الذي شهدته الانتخابات المحلية التي اُجريت في مايو 2018.
وأعلنت نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات، تركية بن خذر، الاثنين 8 يناير الحالي، خلال جلسة بمجلس نواب الشعب، أن نحو 75% من شباب تونس ونسائها لا يرغبون بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، المقرّر إجراؤهما في نهاية عام 2019 الجاري.
وأرجعت بن خذر عزوف التونسيين عن المشاركة السياسية إلى عدم تحسّن أوضاعهم الاجتماعية، وخيبة الأمل في عدم تنفيذ الأحزاب السياسية لبرامجهم الانتخابية، وذلك استناداً إلى دراسة أجرتها معها منظمة "عتيد" المهتمّة بالانتخابات.
وكشفت المتحدثة أن نحو 67% من النساء في الوسط الريفي ليس لهن علم بالانتخابات البلدية التي جرت سنة 2018، وأنّ نسبة المستشارات في البلديات "تعدّ أيضاً ضعيفة؛ إذ لا تتعدّى 47%".
الشباب يعاقب السياسيين
ورغم أنّ المشاركة الشبابية تعدّ المدخل الحقيقي لتعبئة طاقات الأجيال الصاعدة وتجديد الدماء في شرايين النظام السياسي والاجتماعي للوطن، فإنّ الشباب اختار منذ أول انتخابات محلية في تاريخ تونس، في مايو 2018، عدم المشاركة في العملية السياسية، حيث لم تتجاوز نسبة إقبال التونسيين آنذاك على صناديق الاقتراع عتبة الـ33.7%.
وتتوقع ليلى الشرايبي، رئيسة منظمة "عتيد" المختصّة بمراقبة الانتخابات، في تصريحها لـ"الخليج أونلاين"، أن تسجل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة عزوفاً كبيراً للناخبين، خاصة في ظلّ ضبابية المشهد السياسي الحالي، والصراع الأيديولوجي بين الأحزاب.
وأكّدت الشرايبي أنّ منظمتها أجرت دراسة شملت 700 مشارك من 16 محافظة، وخلصت إلى أنّ المواطن بات يرى أنّ صوته هو منّة منه على السياسيين؛ لأنّهم لا يتواصلون معهم إلا في فترة الانتخابات عند ترويج أنفسهم، وأنّ عدم الانتخاب هو عقاب لهم على عدم جدّيتهم في خدمة البلاد.
وأشارت إلى أنّها استنتجت بعد إنجازها الدراسة غياب التواصل والنقاش بين السياسيين والمواطنين، وعدم إنصات المترشّحين لهم، فضلاً عن عدم قيام هيئة الانتخابات بدورها التوعوي، وهو ما أنتج تسجيل عزوف كبير، خاصة لدى فئة الشباب، خلال الانتخابات المحلية التي أُجريت بتونس، في مايو 2018.
التونسيون عادوا إلى مربّع اليأس
هذا ويُجمع مختصون في علم الاجتماع والسياسية على أنّ الشعب التونسي، أو على الأقلّ فئة الشباب، فقدت ثقتها في الفاعلين السياسيين؛ لعدّة اعتبارات، أهمها تواصل ارتفاع نسب البطالة، ونسب الفقر، وارتفاع الخلافات السياسية.
ويرى المحلل السياسي جمعي القاسمي، أنّ التونسيين، وخاصّة الشباب منهم، فقدوا ثقتهم بأغلب القوى السياسية التي ظهرت بعد ثورة يناير 2011، وأنّهم عادوا إلى مربّع اليأس والإحباط، بعد أن ملّوا مطاردة الوهم وملاحقة سراب الشعارات التي رفعها السياسيون بعد الثورة.
وأضاف القاسمي في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن استمرار الكذب على الشعب، وإغراقه بالوعود الكاذبة حول توفير مشاريع تنموية، وإنجاز برامج كبرى دون تحقيقها منذ عدة سنوات، قد أفقد الشباب حماسه وأمله في تغيير أوضاعه الاجتماعية التي ثار من أجلها.
المحلل السياسي أبدى تخوّفه أيضاً من إمكانية تأجيل الانتخابات؛ بسبب تأخّر البرلمان في انتخاب رئيس للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي تتولّى تنظيم العملية الانتخابية، والتي يسيّرها رئيسها المستقيل منذ يوليو 2018.
الفقر والبطالة في المقدّمة
ولئن تعدّدت أسباب العزوف عن المشاركة في العملية السياسية في بلد الثورة تونس، فإنّ الأزمات الاجتماعية التي مرّ بها التونسيون بعد الثورة ظلّت في المقدّمة، وفق ما يؤكّده الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير.
ويرى بن نصير في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن كثرة الوعود المقدَّمة خلال الحملات الانتخابية وتعارضها مع الواقع فيما بعد ولّد إحساساً لدى الشباب بأنّ السنوات الثمان التي تلت الثورة هي سنين الكذب والمغالطات من الطبقة الحاكمة، حتى بات يحمّل الدولة والشخصيات السياسية الفاعلة وأحزاب الحكم، وحتى المعارضة، مسؤولية ارتفاع نسب الفقر والبطالة والتهميش وتدهور المقدرة الشرائية.
ويضيف أنّ فئة الشباب يرون أنّهم ضحوا بأنفسهم، سنوات 2011 و2012، من أجل تغيير نمط حياتهم للأفضل، لكن لم يتغيّر شيء، وهو ما يفسّر تنامي حركاتهم الاحتجاجية وظاهرة الانتحار حرقاً كأداة تعبير عن رفضهم لما يجري، كما يؤكّد بن نصير أنّ هنالك سلوكاً اجتماعياً موروثاً داخل المجتمع التونسي؛ وهو ثقافة اللامبالاة والتملّص من المسؤولية لدى البعض من التونسيين، حيث يمتنعون عن التوجّه لمكاتب الاقتراع.
ولفت الباحث في علم الاجتماع إلى خطورة ما تقدّمه بعض المنابر الإعلامية التي تحتضن مظاهر العنف السياسي من خلال المواجهات بين السياسيين، الذي قد يصل أحياناً إلى حدّ التهجّم والسب والشتم.
انتهی/