شكلت الانتخابات النيابية اللبنانية التي جرت في أيار/ مايو الماضي الحدث الأبرز في عام 2018 ونقطة تحوّل جديدة في المسار السياسي الذي خاض مرحلة تجاذبات و تناقضات وانكماش منذ الانتخاب النيابية ما قبل الأخيرة عام 2009.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - وأفرزت نتائج الانتخابات التي أجريت وفق قانون نسبي متنوع تغيرا في أحجام الكتل، فيما بدا تيار المستقبل و زعيمه سعد الحريري الخاسر الأكبر بتراجع كتلته النيابية التي ناهزت 36 نائبا إلى عشرين فقط على حساب مستقلين وشخصيات محسوبة على قوى ما يعرف 8 آذار بزعامة حزب الله الذي حقق وحلفائه انتصارا كبيرا حاصدا الأكثرية في البرلمان.
ويحمّل سياسيون القانون الانتخابي المسؤولية في الوضع الراهن الذي يشهد مراوحة وتأخرا في تأليف الحكومة لقرابة ستة شهر بفعل لعبة تنازع الحصص وشدّ الحبال، و سعي وطموحات كل من في البرلمان للحضور في الحكومة، مما يضع معادلة المعارضة والموالاة في "ثلاجة الموتى".
القانون النسبي
وفي الوقت عينه، يرى مراقبون بأن القانون النسبي هو الأفضل في لبنان، شريطة تصويبه وتعديله، ورأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور نسيب حطيط أنّ "الانتخابات النيابية عام 2018 حملت أكثر من هدف إيجابي"، موضحا: "أولا يأتي إنجاز الانتخابات النيابية بعد فترة طويلة من منظومة التمديد التي اعتاد عليها اللبنانيون، والأمر الثاني يتمثل في استخدام معادلة النسبية لأول مرة حتى ولو كانت نسبية مقيّدة وليست مطلقة عمليا".
وتابع: "الإيجابية الثالثة تبرز في تخلص شخصيات سياسية تمتلك حيثية شعبية معينة من الإعدام الانتخابي بواسطة الصوت القاتل خلال قانون الأكثرية المطلقة السابق، وهذا ما جعل المجلس النيابي الحالي مختلفا من خلال التنوع الذي كسر أحادية أو احتكار بعض القوى السياسية على مستوى الطوائف".
وحول مدى التغييرات التي أحدثتها الانتخابات، قال: "البعض لا يجد تغييرا للمعادلة بشكل كامل وفق قانون النسبية وهذا صحيح، لكنها تعدّ خطوة باتجاه تطبيق قانون الانتخاب النسبي على مستوى لبنان كدائرة انتخابية واحدة، وهذا ما سيدفع قوى أساسية إلى مغادرة مواقعها الطائفية".
وعلل ذلك قائلا: "لأنها ستكون بحاجة إلى الصوت المتنوع على مساحة الجغرافيا اللبنانية، وكذلك فإنّها لن تهمل بقوتها بعض القوى الصغيرة داخل المذاهب أو الطوائف، مما يجعلها تتواضع وتقدم بعض الخدمات لطوائفها، كي لا يتم تجميع الجزئيات الصغيرة ضدها لتكون قوة يمكن أن تؤثر على القوة الكبيرة".
وأقرّ حطيط بوجود ثغرات في القانون الانتخابي، قائلا: "في دائرة جبيل نال مرشح مئات الأصوات وانتصر على مرشح آخر تدعمه قوى سياسية وقد نال آلاف الأصوات"، مطالبا "القوى السياسية بأن لا تهمل أي جزئية داخل طوائفها وأي جزئية في المجتمع اللبناني في حال تطويرمفهوم النسبية".
وعن تحميل قانون الانتخاب مسؤولية عرقلة الوضع السياسي، اعتبر هذه الاتهامات"مجافية للحقيقة لأنّنا لو احتسبنا عمليات التأخير التي تتهم النسبية بها وخاصة فيما يعرف بالعقدة السنية لوجدنا أن التأخير بخصوص هذه العقدة لم يتجاوز شهرا، في حين أن القوى التقليدية التي تسيطر على أغلب المقاعد النيابية أخرت تشكيل الحكومة قرابة خمسة أشهر"، مؤكدا أنّ "الانتخابات جاءت خطوة إيجابية يجب البناء عليها وتطويرها كي تفرض على المرشحين خطابا وطنيا غير طائفي وغريزي".
وعن توقعاته للعام 2019، بيّن "عدم وجود مؤشرات لغاية الآن تبشر بالخير، لكن لا يجب أن لا نقع في اليأس"، مردفا: "حتى يكون العام 2019 أفضل من سابقه لا بد من وجود خطط ومشاريع وخطط إنمائية واقتصادية"، وأكد افتقاد "القضايا الهامة من محاربة الفساد وحل مشاكل الماء والكهرباء والبطالة والتضخم لأي خطوات تصنف بأنها إيجابية ".
الشكل والمضمون
وقارب الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عماد شمعون قانون الانتخاب اللبناني من زاويتي الشكل والمضمون، وقال في تصريحات لـ"عربي21" إن "الفكرة من قانون النسبية هي إعطاء الفرصة للجميع بحسب أحجامها، لكن هناك تباينا من ناحية المضمون"، مضيفا: "هناك نواب سنة شكلوا كتلة و لم يتم منحهم حقهم في التمثيل الحكومي من قبل الرئيس المكلف سعد الحريري".
وشدّد على أنّ "الإصرار على رفض توزير كتلة يعطّل مفاهيم نتائج الانتخابات النيابية، بمعزل عن اتهامهم بأنّهم ابتدعوا تجمعا لم يكن موجودا خلال الاستشارات النيابية".
وتناول سلبيات القانون الانتخابي، فقال: "من ثغرات القانون الانتخابي أن بعض النواب الفائزين نجحوا بحصولهم فقط على سبعين صوتا كما حصل في منطقة زحلة".
وعن سبب فشل القوى السياسية في إنجاز قانون نموذجي على مدار السنوات الماضية، قال: "يعاني لبنان من أزمة ومعضلة بنيوية مردّها التعددية السلبية التي تتجاوز الأفكار والتوجهات إلى تعددية سياسية صِدامية ما يؤدي إلى فشل الخيارات كافة".
ورفض شمعون "الإدعاء بأن القانون الانتخابي كان الأمثل"، متهما "الطبقة السياسية بأنا تروّج هذا الإدعاء للحديث عن إنجاز في مكان ما، خصوصا أن القانون الانتخابي جاء بعد فشل كبير ومماطلة وتمديد للمجلس النيابي أكثر من مرة، في حين أن سوريا التي تعاني حربا ودمارا أنجزت الانتخابات بغض النظر عن ظروفها وحيثياتها".
وأبدى شمعون تخوفاته من مجريات العام 2019، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية "أمام تحد كبير لحماية تاريخه وإنجازاته وبرنامجه السياسي"، وتوقّع بأنّ لا يتحمل عون "تمرير سنة مشابهة للسنة المنصرمة، وفي حال استكان لاستمرار الوضع بما يحمله من أزمات، سيكون حينها أحد المشاركين في الانفجار الذي يتهدّد لبنان".
وعلى الصعيد الأمني، قال: "هناك مخاوف من تطور الأوضاع في الجنوب في ظل الاتهامات الإسرائيلية بوجود أنفاق لحزب الله"، لافتا إلى أنّ "تحريك أوراق غامضة فجأة يدلّل على نوايا مبيته لأعمال معينة لاتخاذها مبرر لشن عدوان يستهدف لبنان".
انتهی/