عبّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن شكره للسعودية؛ لدورها في خفض أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وحث على مزيد من الهبوط في الأسعار.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء - ووصف انخفاض سعر النفط بأنه خفض ضريبي كبير، وذلك يفيد الاقتصاديين العالمي والأمريكي، وتابع رئيس الولايات المتحدة بقوله: "هنيئا (..)، 54 دولارا، كانت للتو 82 دولارا (..)، شكرا للسعودية، لكن لنخفض أكثر"، بحسب تعبيره.
ابتزاز وشراء للوقت
وجاء هذا التصريح لترامب بعد أن أشار قبلها بيوم إلى أن الاستخبارات الأمريكية خلصت بأن محمد بن سلمان من المحتمل أن يكون لديه علم بمقتل خاشقجي، فهل تصريحات ترامب هي ابتزاز لابن سلمان؟ وهل الأخير يسعى لشراء صمت الرئيس؟
ويرى المحلل السياسي إسماعيل خلف الله أن "ترامب ركز في خطابه يوم الثلاثاء على أن أمريكا أولا، وهو الآن يستثمر في قضية خاشقجي بكل وقاحة، فهو لا تهمه قضية حقوق الإنسان بقدر ما يُريد إقناع الكونغرس والشعب الأمريكي بأن مصالح أمريكا أولا، ولا يمكن ترك الصفقات الذهبية مع الرياض للصين وروسيا".
وتابع في حديث لـ"عربي21": "أعتقد أن عملية زيادة السعودية في إنتاجها للنفط لكي تنخفض الأسعار أكثر فأكثر، تدخل ضمن المساومة بإقناع الكونغرس لإيجاد سيناريو لإخراج محمد سلمان من مربع الاتهام، وبكل وضوح ولي العهد يعلم جيدا أن حماية ترامب له مبنية على الصفقات والمليارات، وما كان له أن يُقدم على ما أقدم عليه لولا وجود هذه الحماية".
وأوضح أن "ابن سلمان فهم الرسالة في خطاب ترامب يوم الثلاثاء، لهذا يقوم اليوم بزيادة إنتاج النفط، لكي يشتري به الصمت الأمريكي، وربما يستطيع ترامب من خلال ذلك إقناع الكونغرس بإخراج محمد بن سلمان من دائرة الاتهام".
من جهته، قال الباحث والمحلل السياسي أسامه أبو ارشيد: "إن محاولة الرئيس الأمريكي استخدام موقف ابن سلمان من قضية خاشقجي ليس سرا مخفيا، وهو خلال الفترة التي اغتيل فيها الصحفي السعودي، ووقتها كانت المعلومات غامضة، حافظ على خط واحد وواضح، وهو أنه دائما قايض السعودية بأمنها وبالسلاح وبالاستثمارات في أمريكا مقابل المال، ودائما اتبع هذا الخط ولم يتغير".
وتابع أبو ارشيد في حديث لـ"عربي21": "السعودية وولي العهد يمران اليوم بحالة ضعف شديد، وترامب يدرك ذلك، وهو كان واضحا في خطابه بأنه قد يعلم وقد لا يعلم، ولكن هذه مصالح بلادنا، وقال أمريكا أولا، ومفهومه لهذا الشعار هو من باب الربح والخسارة، ولذلك أظن أن ما نراه اليوم من ترامب هو محاولة لتكثيف ابتزاز السعودية".
وحول ما إذا كان ولي العهد السعودي يسعى لشراء صمت ترامب عن صلته بمقتل خاشقجي، أوضح أبو ارشيد "أن أبن سلمان لا يستوعب أكثر من هذا الأسلوب، وهو ليس شخصية رزينة أو عميقة، وإنما يحسبها بمنطق التاجر مثل ترامب".
وأردف: "بالتالي هو يفهم شيئا واحدا، وهو أنني أعطيك مقابل أن تعطيني، ولذلك كل ما نشهده اليوم هي عملية مقايضة من الطرفين، محمد بن سلمان يقايض ثروات بلاده ومواقف السعودية فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، كحرب اليمن، أو ما يسمى صفقة القرن، أو قضية التصعيد مع إيران، أو النفط، ويدرك جيدا أن هذا هو المطلوب منه، وهو يقدم التنازلات على حساب مصالح المملكة والمنطقة العربية مقابل محافظته على كرسيه".
ابن سلمان والكونجرس
وصعّد عدد من أعضاء الكونجرس من لهجتهم المضادة للسعودية ولابن سلمان، عقب الكشف عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده، وهدد النواب الأمريكيون بفرض عقوبات على الرياض.
ويرد المحلل السياسي إسماعيل خلف الله بالقول: "من الواضح جدا أن هناك أصواتا قوية في الكونغرس تعارض بشدة موقف ترامب إزاء محمد بن سلمان على خلفية مقتل جمال خاشقجي، وأنا لا أعتقد أن هؤلاء سيتم شراء صمتهم من خلال زيادة السعودية في إنتاج نفطها، وربما إبرام صفقات كبرى أخرى مع الرياض، وبالتالي ستظل كتلة لا يُستهان بها في الكونغرس الأمريكي تقف أمام سياسة الصمت والحماية لولي العهد السعودي".
وختم حديثه بالقول: "وعلى الرغم من أن خطاب ترامب كان يعتبر أن المصالح أهم من المبادئ، وأن السعودية لا تستطيع الاستغناء عن السلاح الأمريكي، إلا أن الكونغرس الأمريكي يستطيع منع بيع الأسلحة لها، ويستطيع أيضا فرض العقوبات من خلال سن قوانين لذلك، وخاصة إذا صوّت ثلثا أعضاءه، عندها سيكون ترامب مرغما بقبول صدور القانون ولا يستطيع منعه".
بدوره، شبّه المحلل السياسي أسامة أبو ارشيد حادثة خاشقجي بقضية الاتهامات لروسيا بالتلاعب بالانتخابات الأمريكية، مضيفا: "في ذلك الوقت كان ترامب يرفض تقرير الاستخبارات، ويكرر ذلك اليوم، ويرفض تقريرها عن صلة ابن سلمان بمقتل خاشقجي، ولكن استطاع وقتها الكونجرس فرض عقوبات على روسيا، وهذا ما أتوقع أن يحدث أيضا في الحالة السعودية".
وأضاف: "قد يفرض الكونجرس عقوبات على السعودية وولي العهد، ولن يستطيع ترامب منعها، ولكنه لن يقبل بأن يُمس تحالفه مع ابن سلمان، واستمرار ولي العهد لا يخضع لقرار الكونجرس، بل لقرار ترامب شخصيا، لكن توقيع عقوبات عليه وعلى السعودية يستطيع الكونجرس أن يمضي بها دون الرئيس، وأظن أن هذا السيناريو الذي يُرجح حصوله في المستقبل".
وشكك أبو ارشيد "بقدرة ابن سلمان على إيقاف قرار الكونجرس بفرض عقوبات عليه عبر الإغراءات المالية، ولكن قد يساعده ترامب بأن يتم تخفيف حدة هذه العقوبات، بمعنى أن تشمل ولي العهد فقط".
تأثير سلبي
وحول تأثير رفع السعودية إنتاجها من النفط وانخفاض سعره على اقتصادها، قال الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل: "بداية، ابن سلمان رفع إنتاج النفط إرضاء لترامب الذي يدافع عنه، وهو لا يستطيع تجاهله لأسباب سياسية ودفاعية".
وتابع إسماعيل في حديث لـ"عربي21": رفع الإنتاج وانخفاض السعر أثر اقتصاديا على المملكة، حيث زاد العجز في الميزانية، وارتفعت معدلات البطالة، وتم تأجيل مشاريع تنموية، واضطرت الحكومة السعودية لاقتراض 11 مليار دولار من بنوك تجارية غربية".
وأكد إسماعيل على "أن التأثير السلبي لخفض سعر النفط سيشمل أيضا مشروع نيوم، الذي يوليه ولي العهد السعود جل اهتمامه، والذي تأثر أصلا سلبا؛ بسبب عزوف المستثمرين وخوفهم من تقلبات ابن سلمان، فالاستثمار بحاجة لمناخ مستقر سياسيا وجيوسياسيا، وهو حاليا غير متوفر في ظل قضية مقتل خاشقجي، واحتجاز أمراء وأثرباء في فندق الريتز أواخر 2017".
انتهی/