عام 2018 سيكون عام التحولات الكبرى في العالم على كافة المستويات، فالأحداث المثيرة وغير المألوفة التي شهدناها ونشهدها ستؤدي حتماً إلى حدوث تحولات صادمة في الاقتصاد العالمي، فاليوم نحن بحاجة إلى مواجهة التهديدات المتعددة الأطراف في صنع السياسة الدولية.
طهران- وكالة نادي المراسلين الشباب للأنباء- يمرّ النظام العالمي بمرحلة انتقالية وحرجة في آن، فالتطورات الدراماتيكيّة المتتالية التي تشهدها المنطقة، لم تقتصر انعكاساتها وتداعياتها على الوضع العسكري والسياسي فقط، بل ذهبت لتضرب العمود الفقري العالمي: "الاقتصاد". جولة بسيطة على آخر التطورات الاقتصادية خلال الأسبوع المنصرم، كفيلة بأن تترجم لنا الوضع الاقتصادي العالمي المتأزم الذي نعيشه.
التوترات المتنامية في العلاقات الجيوسياسية العالمية التي لا مثيل لها، وأبرزها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات اقتصادية على روسيا وصفها رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف "بالحرب الاقتصادية".
اليوم، تتفاعل العقوبات الأميركية على كلٍ من وزير العدل التركي عبد الحميد غول، ووزير الأمن الداخلي سليمان صويلو، رداً على رفض أنقرة إطلاق سراح القسّ الأميركي "أندرو برونسون" الذي يخضع للإقامة الجبرية في منزله في تركيا بعد إدانته بالإرهاب والتجسس. والظاهر أن هذه العقوبات على تركيا ليست الأخيرة، فوفق وكالة "بلومبرغ"، تُعِدُّ الولايات المتحدة قائمة سوداء تضمُّ شخصيات وشركات تركية قد تتعرّض لعقوبات أميركيّة بموجب قانون "ماجنيتسكي" لعام 2016، وهو القانون الذي يسمح لأميركا باستهداف أفراد أو شركات أو كيانات أخرى متورطة في الفساد أو في انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.العقوبات الأخيرة تسببت في هزّة كبيرة في الاقتصاد التركي، وخسرت الليرة التركية الكثير من قيمتها أمام الدولار، وهوت إلى مستوى قياسي وسط حالة من الجمود في البنك المركزي الذي بدا عاجزاً عن التدخل، أما بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" فقد حذّر من أن مزيداً من التراجع في الليرة التركية مقابل الدولار قد يمحو فائض رؤوس أموال بنوك البلاد، لذلك، تبدو أنقرة في أمَسِّ الحاجة اليوم إلى إيجاد حلول سريعة لرفع العبء المالي عن اقتصادها المتأرجح.
الأزمة الحاليّة تُعَدُّ الأخطر بين الحليفين الأطلسيين منذ عقود، لكن في هذا السياق، لا يمكن تجاهل سجلّ الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة اللتان تملكان أكبر جيشين في الحلف الأطلسي. فالدولتان على خلاف حول مواضيع عدة، منها توقيف موظفَين محلييّن يعملان في قنصليتين أميركيتين بتركيا، والأزمة السورية، ومصير الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في المنفى.
تهوُّر السياسة الأميركية لا حدود له، وها هو يحطّ رحاله في أميركا اللاتينية التي تواجه عقبات تعترض مفاوضات اتفاقية "نافتا"، فتشدّد ترامب تجاه المكسيك يهدّد النمو الاقتصادي في أميركا اللاتينية. كما تشهد كل من البرازيل والمكسيك انتخابات، وهما اللتان تملكان أهم اقتصادين في أميركا اللاتينية، ومن المتوقع أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات على النمو الاقتصادي في تلك القارة. أما في الولايات المتحدة، يعاني الحزب الجمهوري تخبّطاً بسبب سياسات ترامب الخارجية وفشله في معالجة العديد من القضايا الرئيسية، لذلك فإنّ نتائج انتخابات الكونغرس منتصف العام المقبل، سيكون لها هي أيضاً التأثير الكبير على مستقبل النمو الاقتصادي، ولا سيما في حال فشل حزب ترامب (الجمهوري) في الحصول على أغلبية في الكونغرس.
تعرفات جمركية وعقوبات على روسيا وإيران وتركيا وكوريا الشمالية، أدت ببعض الساسة الأميركيين إلى التنبيه من أن سياسة العقوبات التي ينتهجها ترامب بهذه الغزارة مع الحليف والخصم على حد سواء قد تفقدها جدواها. لعل بوادر ما قصده الساسة بدأ يتبلور في أوروبا، من خلال إصرار الاتحاد الأوروبي على حماية مصالحه في إيران على الرغم من عقوبات ترامب، "بما يتوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الدولي رقم 2231"، بحسب بيان الاتحاد مطلع الأسبوع الماضي.
237 تريليون دولار هو إجمالي الدين العالمي
بعيداً عن العقوبات وتأثيراتها الاقتصادية، العالم عموماً يمر في مرحلة اقتصادية انتقالية صعبة. ففي منطقة اليورو، ارتفعت مستويات الدين بنسبة 20 في المئة، وانخفض اليورو إلى أدنى مستوياته منذ تموز/ يوليو 2017، فيما هبط الجنيه الإسترليني إلى أقل مستوى له خلال سنة، وسط تكهنات بأن بريطانيا ستغادر الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق بخصوص العلاقة بينها وبين بروكسل في المستقبل، وفي إسبانيا ارتفع الدين بنسبة 60 في المئة، أما في إيطاليا فقد ارتفع أكثر من 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
كان لافتاً ما فرضته السعودية من عقوبات على كندا تحت عنوان " الرد على تدخل كندا في الشؤون الداخلية للمملكة". عقوبات أدّت إلى تكبيد كندا خسائر تُقدّر بنحو 25 مليار دولار جرّاء تجميد السعودية علاقاتها الاقتصادية والتجارية معها.
أما عربياً، لا يزال العديد من الاقتصادات العربية يعاني من التمزق بسبب الحروب والتوتر والفوضى السياسية، إضافة إلى تراجع أسعار النفط على مدى الأعوام الثلاثة الماضية". وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جميع العملات في دول الخليج مربوطة بالدولار منذ منتصف الثمانينيات باستثناء الدينار الكويتي، ومن المتوقع أن يقود ارتفاع الفائدة الأميركية، إضافة إلى احتمال انخفاض أسعار النفط من مستوياتها الحالية، إلى إحداث ضغوط على عملات الخليج الضعيفة أصلاً، وتحديداً على الدينار البحريني الذي يفتقر حالياً إلى الغطاء النقدي الكافي.
في المحصّلة، ووفق بنك «التسويات» الدولية، فإن إجمالي الدين العالمي قد وصل حالياً إلى 237 تريليون دولار، ومعدل العجز في الموازنة الأميركية وصل إلى نحو 161 مليار دولار.
يُضاف إلى كل ما سبق، أننا أمام خطر كبير بسبب السياسة النقدية، حيث أدّت سياسات "التيسير الكمّي" التي أطلقها بعض البنوك المركزية حول العالم، إلى تكدّس سندات وأوراق مالية تُقدّر قيمتها بـ 15 تريليون دولار في موازناتها، وهذه البنوك لا تمتلك اليوم إلّا القليل للرد بسياساتها النقدية على أي صدمات مالية أخرى.
العالم يعيش اليوم حالة من انهيار الثقة وضعف مستوى التنظيم على المستوى العالمي بسبب سياسات ترامب، ولا سيما أن واشنطن عضو أساسي في تكتلات كبرى مثل مجموعة «السبع» ومجموعة «العشرين».
في ضوء كل ما سبق، فإن عام 2018 سيكون عام التحولات الكبرى في العالم على كافة المستويات، فالأحداث المثيرة وغير المألوفة التي شهدناها ونشهدها ستؤدي حتماً إلى حدوث تحولات صادمة في الاقتصاد العالمي، فاليوم نحن بحاجة إلى مواجهة التهديدات المتعددة الأطراف في صنع السياسة الدولية.
المصدر: المیادین